بغداد – تراوح المفاوضات السياسية بين الفائزين في الانتخابات العراقية العامّة التي جرت في مايو الماضي، ومازالت نتائجها قيد التدقيق، مكانها في ظلّ عدم تحقيق الفرق التفاوضية التي تلتقي باستمرار، أي تقدّم بشأن تشكيل الحكومة الجديدة.
ومنذ مطلع شهر يوليو الجاري، دخل العراق في فراغ تشريعي بعد أن انتهت ولاية البرلمان المنتخب في 2014 وأصبحت الحكومة التي يقودها حيدر العبادي ممسكة لوحدها بمقاليد التنفيذ والرقابة في بلد تسجل مؤسساته الرسمية أعلى مستويات الفساد الإداري والمالي في العالم.
وشبّه خبير قانوني عراقي وضع حكومة العبادي حاليا، بوضع حكومة دولة واقعة تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لجهة محدودية صلاحياتها وحاجتها لوسطاء ضامنين لإنجاز بعض المهام مثل استيراد مواد ضرورية من الخارج، متوقّعا استمرار هذا الوضع لفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر.
وأبلغ أعضاء في وفود تفاوضية تمثل مختلف القوائم الفائزة في انتخابات مايو “العرب” بأن “التفاهمات التي تقود إليها المفاوضات ما تزال أولية ولم يتم التوصل إلى تحالف ثابت بين أي فصيلين متحاورين”.
ورغم أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يرعى قائمة “سائرون” الفائزة بالمركز الأول في الانتخابات، أطلق سلسلة مبادرات للتحاور مع الأطراف الأخرى وأعلن عن عقد مجموعة من التحالفات حتى الآن، إلاّ أنّ ذلك، وفقا لأعضاء في الوفود التفاوضية لم يتجاوز مرحلة التفاهم الأولي.
وأعلن الصدر عن تفاهم مع زعيم القائمة الوطنية إياد علاوي وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، ثم تحالف مع قائمة الفتح، المدعومة من إيران، بزعامة هادي العامري، قبل أن يعلن توصله إلى اتفاق مع قائمة النصر بزعامة حيدر العبادي.
وقال قيادي صدري بارز لـ”العرب”، إن “التحالفات المعلنة بشكل أوّلي لم تتطور إلى بحث التفاصيل بين أطرافها”، مؤكدا أن “التواصل بين أطراف هذه التحالفات ليس فعّالا بالقدر الكافي”.
وأضاف أن “ثلاثة أسباب تمنع الأطراف السياسية العراقية من التوصل إلى تفاهم حاسم بشأن الحكومة الجديدة”، موضحا أن “السبب الأول، يتعلق بالمصادقة النهائية على نتائج الانتخابات، التي ستتطلب بعض الوقت، بعد الجدل الذي أحاط بنزاهة الانتخابات، ودفع القضاء العراقي إلى تولّي عملية المراجعة”.
وتابع أن “السبب الثاني، يتمثل في نأي قائمة سائرون عن تقديم مرشح لرئاسة الحكومة الجديدة، والإصرار على التفاهم بشأن البرنامج الحكومي، وليس الأشخاص، وهذا ما لا تريده الأطراف الأخرى، التي تفضل حسم اسم المرشح لتشكيل الحكومة، قبل الخوض في التفاصيل الأخرى”.
حكومة حيدر العبادي تستأثر بمهمتي التنفيذ والرقابة في بلد تصنف مؤسساته الرسمية ضمن الأكثر فسادا في العالم
أما السبب الثالث، بحسب المتحدّث ذاته، فيتعلق بتمسك العبادي بالترشح لولاية ثانية في منصب رئيس الوزراء. ويقول القيادي الصدري إن “الصدر لا يرفض ترشح العبادي ولكنه منزعج من إصراره على حسم هذه المسألة أولا”.
وينص الدستور العراقي على تولّي الكتلة البرلمانية مهمة ترشيح رئيس للوزراء. لكن التفسير الذي قدمته المحكمة الاتحادية، وهي أعلى سلطة لفض النزاعات الدستورية في العراق، لمصطلح الكتلة الأكبر، حوّل الفوز في الانتخابات إلى أمر شكلي.
ونص تفسير المحكمة الذي صدر العام 2010 بالتوافق مع رغبة رئيس الحكومة آنذاك نوري المالكي على أن “الكتلة الأكبر هي التي تتشكل تحت قبة البرلمان وليس تلك التي تفوز في الانتخابات”.
وقاد هذا التفسير إلى حرمان قائمة علاوي الفائزة في انتخابات 2010 من حقها في تشكيل الحكومة برغم فوزها بالمركز الأول لصالح التحالف الذي تشكل لدعم قائمة المالكي التي فازت حينها بالمركز الثاني.
ويدرك الصدر أن بإمكان قوائم أخرى أن تشكل الكتلة البرلمانية الأكبر، وتمضي في تشكيل الحكومة وتضع قائمة “سائرون” في خانة المعارضة، لذلك على حد تعبير مصادر مطلعة، لا يريد ممارسة ضغوط كبيرة على الشركاء المحتملين خلال المفاوضات الحالية.
ويتيح الوضع القانوني الذي يحكم عملية تشكيل الحكومة العراقية لأطراف لم تحقق نتائج كبيرة، التحالف والفوز بتشكيل الحكومة وهو ما يعمل عليه ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي الذي حقق 25 مقعدا فقط من أصل مقاعد البرلمان البالغة 329. وتقول المصادر إن “المالكي يواصل إرسال الرسائل لمختلف الأطراف السياسية الشيعية والسنية والكردية في العراق، بشأن استعداده لمنحها حصصا محترمة من مناصب الحكومة المقبلة، في حال التحقت بمشروعه السياسي ودعمت مرشحه لرئاسة الوزراء”.
وتؤكد المصادر أن “المالكي لم يعد يفكر في طرح نفسه مرشحا لرئاسة الحكومة الجديدة، بل يركز على منع الصدر من اختيار وتعيين رئيس”.
وبشأن الموقف الإيراني من مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، يقول عضو قيادي في تيار الحكمة بزعامة عمّار الحكيم لـ”العرب” إن “إيران لديها ضمانات واضحة بشأن تمثيل نفوذها بقوة في الحكومة العراقية الجديدة، حتى إذا كان المرشح لرئاستها مدعوما من مقتدى الصدر”.
ويضيف أن “إيران تفهم أن النتائج التي أفرزتها الانتخابات لا تسمح لطرف واحد أو اثنين من الفائزين الشيعة الخمسة وهم الصدر والعامري والعبادي والمالكي والحكيم بالاستئثار بتشكيل الحكومة، كما أنّ أحدا من مناوئيها في الوسط السياسي الشيعي -إن وجد- لا يمكنه التفرّد بالحكم، ولذلك فإنها ليست قلقلة”.
وأوضح “إن لم يكن العامري ممثلا لنفوذ إيران في الحكومة الجديدة، فسيكون المالكي، وربما كلاهما أو غيرهما”، معتبرا “أن سبب برودة الأجواء السياسية في العراق هو غياب الضغط الإيراني على الأطراف العراقية لحسم ملف الحكومة الجديدة”.
لكنّ عضو تيار الحكمة يستدرك بالقول إنّ “إيران مشغولة الآن في ملف أزمتها مع الولايات المتحدة”، غير مستبعد أنّ تجعل “العراق ووضعه السياسي المعقد حاليا ورقة في لعبة الشد والجذب التي تمارسها مع واشنطن”.
العرب