في 25 تموز/يوليو، خاطب كل من مايكل نايتس وجنيف عبده ونسيبة يونس منتدى سياسي في معهد واشنطن. وعبده هي باحثة مقيمة في “المؤسسة العربية”. ويونس هي زميلة مشاركة في “چاتام هاوس” ومستشارة كبيرة سابقة لـ “المعهد الأوروبي للسلام”. ونايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن، وقد عمل في جميع محافظات العراق وأمضى بعض الوقت ملحقاً بقوات الأمن في البلاد. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
جنيف عبده
يقوم القادة الإيرانيون بمبادرات للتقرب من المجتمع السنّي في العراق في ظلّ الوضع غير المستقر الذي تمرّ به بلادهم، إذ [أثناء كتابة هذه السطور] تم فرض عقوبات أمريكية إضافية على إيران، بينما يسرع الأوروبيون في الاتجاه المعاكس. وتتكاثر الاضطرابات المدنية داخل إيران، الأمر الذي يترك العراق نافذة الأمل الأكبر بالنسبة لطهران للتعامل مع العقوبات.
وفضلاً عن التدخل في العملية الانتخابية والاقتصاد في العراق، تعمد إيران أيضاً إلى زيادة انخراطها في «حكومة إقليم كردستان»، مستخدمةً إياها كأداة سياسية. فقد تتيح «حكومة إقليم كردستان» لطهران فرصة التحكم بتشكيل الحكومة في بغداد، فتضمن بذلك تأييد رئيس الوزراء والوزارات المختلفة للمصالح الإيرانية.
ويعتبر معظم العراقيين، حتى المسؤولين السياسيين، أن الانتخابات البرلمانية التي جرت في أيار/مايو غير شرعية. فقد ازدادت شعبية رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر لأن العراقيين كانوا يثقون به لمعالجة المشاكل وتقديم الخدمات، إلا أنهم أصبحوا حالياً مُحبطين كونه لم يفِ بتلك الوعود. ويمكن أن تساهم الولايات المتحدة في سد هذه الفجوة في التوقعات، بتجاوزها العلاقات العسكرية والسياسية التقليدية من خلال تعزيز الخدمات الاجتماعية في البلاد، والتي يمكن أن تقوّي بدورها الحكومة المركزية.
ولكن هذا لا يعني أنه يجب على واشنطن إهمال القضايا العسكرية والسياسية. فالمسؤولون العراقيون يشعرون بالقلق من سحب الولايات المتحدة دعمها للمعركة القائمة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وبالتالي يتعيّن على المسؤولين الأمريكيين طمأنتهم بأن هذه المعركة ما زالت تشكّل أولوية. ينبغي على واشنطن أيضاً تعديل عقوباتها على إيران للحد من آثارها السلبية على العراق. وحتى مع توسيع الإيرانيين نفوذهم في بغداد، فمن المرجح أن تمنعهم العقوبات من تقديم نفس مستوى الخدمات للعراقيين التي كانوا يوفرونها في الماضي. باختصار، بينما يعتقد معظم المراقبين أن العراق يسير نحو طريق التقدم، يُظهر نطاق النفوذ الإيراني وغياب الشرعية الحكومية بأنه لا يزال هناك شوطاً طويلاً ينبغي عليه قطعه.
نسيبة يونس
على الرغم من الغضب والعنف اللذين شهدتهما التظاهرات الأخيرة، لا يقلق المسؤولون العراقيون رفيعو المستوى والنخب الأخرى من الوضع، وهو أمر مذهل. ولا يبدو أنهم يشعرون بالحاجة إلى إعادة الثقة إلى النظام السياسي، ربما لأن معظمهم منفصلون تماماً عن مظالم الشعب. فالسياسيون داخل شبكات المحسوبية البيروقراطية الضخمة في العراق، لا يعتقدون أنهم فاسدين، بل يعتبرون الفساد جزءاً من الحوكمة الرشيدة – كونهم أسخياء ويأخذون من موارد الدولة لإعالة شبكاتهم الخاصة. ويخلق ذلك طبقتين من الشعب: (1) النخبة السياسية وكل من هو متصل بها، و(2) كل الآخرين، مما يعني أن قطاعات كبيرة من الشعب لا يمكنها الوصول إلى الموارد الحكومية.
أما فيما يتعلق بـ «حكومة إقليم كردستان»، فإن انخراط إيران في إربيل هوالآن أعمق من ضلوع بغداد. ففي ظل الضعف الذي يساور الأكراد، قدمت طهران حججاً قوية للأكراد للتحالف معها، معلنةً للمسؤولين الأكراد بأنه باستطاعتهم تحقيق هدفهم المتمثل بانتزاع قدر أكبر من الحكم الذاتي والتمويل من الحكومة المركزية إذا قاموا ببناء علاقات مع سياسيين وأحزاب شيعية مرتبطة بإيران في بغداد، بما فيها “منظمة بدر” ونوري المالكي و”تحالف الفتح”. ووفقاً لهذه الحجة، يمكن لإيران أن تضمن للأكراد الكثير من الأمور التي فشلوا في تحقيقها من خلال تحالفهم مع الولايات المتحدة. وحتى الآن، يبدو أن الحزبين الكرديين الرئيسيين – «الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» – مقتنعان بهذا الطرح.
وفي المرحلة القادمة، يتعين على الولايات المتحدة البدء بالتواصل مع العراقيين من مختلف الأطياف السياسية حول المسائل ذات الأولوية القصوى وأن تَعْرض المساعدة في توفير الخدمات الأساسية. فهَوَس واشنطن الظاهر برئيس الوزراء حيدر العبادي ليس في محلّه ولا ينمّ عن حكمة لأنه من غير المرجح أن يحافظ هذا الأخير سيطرته على زمام السلطة لفترة أطول.
مايكل نايتس
على الرغم من فوز تحالف العبادي باثنين وأربعين مقعداً في الانتخابات الأخيرة، إلّا أن العبادي بحد ذاته لا يسيطر سوى على ستة مقاعد. وفي المقابل، يسيطر الزعيم الكردي مسعود بارزاني على ما يقل عن ستة وعشرين مقعداً، بينما يشكل الفصيلان الشيعيان “تيار الحكمة الوطني” وتحالف “سائرون” حالياً نواة الحكومة [المقبلة]. ومع ذلك، يُنظر إلى هذه النتائج وتأثيرها على توازن القوى في بغداد بشكل مختلف داخل العراق وخارجه.
ومن اللافت للانتباه أن العراقيين كانوا أقل تركيزاً على إيران خلال هذه الدورة الانتخابية. فهم يعلمون أن بلادهم ليست على ما يرام، وبالتالي يعتبرون أن اختيار السياسيين القادرين على معالجة الوضع يبدو أكثر أهمية بالنسبة لهم من اتباع خطوط حزبية طائفية. فعلى سبيل المثال، ركزت ثلاث نقاط مركزية في برنامج “سائرون” على إعادة بناء العلاقات مع الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وبالرغم من ذلك، فإن إعادة فرض عقوبات أمريكية ثقيلة على إيران [أثناء كتابة هذه السطور] ستصبح بلا شك مسألةً ساخنة بالنسبة للعراقيين. فبعضهم يعتبر أنه يجب إعفاء بلادهم من هذه العقوبات لأن إيران توفر الكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى للعراق. غير أن آخرين يعتقدون أن الاقتصاد العراقي سيستفيد إذا ما أبقت العقوبات بعض الواردات الإيرانية خارج العراق.
وفي كافة الأحول، ففي حين أن وضع العراق الراهن ليس خطيراً بنفس القدر الذي شهدته البلاد في الفترة 2011-2014، إلا أنه تتم إضاعة الفرص لتحسين الأمن. وبينما تم تشتيت تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أنه من نواحٍ معينة أصبح التعامل مع هذا التنظيم أكثر صعوبة. وما زال العراقيون غير مستعدين لتولي المرحلة التالية من القتال بمفردهم نظراً لافتقارهم للقدرات الضرورية لمكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب. ونتيجة لذلك، تواجه البلاد اليوم مستويين مختلفين من التهديد. فخلال ساعات النهار، يتخذ تنظيم «الدولة الإسلامية» موقفاً دفاعياً، ولكنه يتمتع بحرية تنقل مطلقة في مناطق أساسية أثناء الليل.
وعلى نطاق أوسع، تُعتبر العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق غير متوازنة وتحتاج إلى إعادة تقييم. فبغداد تريد من واشنطن أن تبدي مرونةً فيما يتعلق بمواضيع مثل مواجهة الميليشيات الشيعية، وتطبيق العقوبات ضد إيران، واختيار رئيس الوزراء المقبل، بينما يريد المسؤولون الأمريكيون معالجة مشاكل البلاد بسرعة أكبر بعد مضي عدة سنوات على انخراطهم العميق في العراق. ومن جانبها، تريد إيران إبقاء العراق ضعيفاً ومعتمداً [عليها]. وللحد من تأثير طهران السلبي ومساعدة الحكومة العراقية على تعزيز قوتها وشفافيتها، لا بد لواشنطن من أن تتحلى بالصبر وتعمل عن كثب مع المسؤولين في بغداد. وبالمثل، يجب أن تكون العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران مصممةً بما يراعي مصلحة العراق. يجب على واشنطن أيضاً توفير المزيد من المساعدة في ما يتعلق بالاستخبارات المالية وجهود مكافحة الفساد وبرامج التدريب والحماية المخصصة للقضاة، فضلاً عن الدعم في مجال الاستخبارات المضادة ومكافحة الإرهاب لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية».
جوآن إيستس
معهد واشنطن