إيران بين تحقيق الرد المناسب أو الابتعاد عن رد الفعل

إيران بين تحقيق الرد المناسب أو الابتعاد عن رد الفعل

افرزت عملية الهجوم على القنصلية الإيرانية في الأول من نيسان 2024 معطيات عديدة ورسمت ملامح لمتغيرات قادمة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي تتعلق بكيفية إدارة الصراعات السياسية والنزاعات العسكرية والأهداف الإقليمية والدولية والمصالح المشتركة لعديد من بلدان العالم التي تتحكم بمستقبل وأمن المنطقة العربية، وجاء الهجوم وسط أهداف متعاقبة شهدها الميدان السوري بعد أن تكررت عمليات الاغتيال للمستشارين الإيرانيين في مدن وأماكن مختلفة داخل سوريا، ولكن الهجوم الاخير الذي استهدف القائد العسكري البارز في الحرس الثوري الإيراني ( محمد رضا زاهدي) عبر طائرات اف 35 ومعه عدد من القيادات العسكرية والسياسية الإيرانية، كان له وقعًا متميزًا وأخذ اهتمامًا واسعًا في جميع الأوساط الإيرانية ومن أعلى القيادات فيها.
أهمية العملية التعرضية أنها استهدفت مبنى تابع لوزارة الخارجية الإيرانية ويعتبر جزءًا من السيادة الإيرانية وفق القانون الدولي الذي يحكم العلاقات بين دول العالم، كما وأن العملية إتسم تنفيذها بحرفية استخبارية عالية وعبر معلومات دقيقة ومتابعة أمنية لتحركات القيادات العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، كون الهدف يشغل مسؤولية وحدة العمليات في سوريا ولبنان وفلسطين ومنسق العلاقات مع حزب الله اللبناني، واعتبرت العملية أهم عملية تعرضية تنفيذها إسرائيل بعد مقتل قاسم سليماني قائد الحرس الثوري في بغداد في الثالث من كانون الثاني 2020.
طرح الهجوم عدة مضامين أمنية تتعلق بطبيعة المتابعة والاختراق الأمني وتعدد المصادر الإسرائيلية القريبة من الأماكن والقيادات الإيرانية المتواجدة على الساحة السورية وأنها شكلت مواجهة مباشرة مع منظومة الأمن الإيراني وامتدادًا لحرب الاستخبارات والمعلومات بين النظام الإيراني والأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، واعتبرت رسالة واضحة المعالم وجهت للقيادة الإيرانية بعد أن تعددت العمليات التي طالت حياة خمسين شخصًا تابعا للحرس الثوري منهم ( 38) قيادي عسكري وأمني و(6) أعضاء من حزب الله اللبناني طيلة الأشهر التي تلت أحداث السابع من تشرين الأول 2023 في الأراضي الفلسطينية بقطاع غزة، وهذا يشير إلى تعدد عمليات القصف والهجوم العسكري والاستهداف الأمني ونوعية وطبيعة الأهداف التي طالتها العمليات الخاصة وأعداد الخسائر التي تكبدها النظام الإيراني وأجهزته العاملة في الميدان السوري.
جاءت العملية لتعيد حسابات إسرائيل بالمنطقة العربية في مواجهة التهديدات الإيرانية التي تأتي عبر الفصائل والمليشيات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري وعدد الهجمات والتعرضات التي قامت بها تجاه قواعد ومقرات عسكرية أمريكية في سوريا والعراق وأهداف إسرائيلية بحرية في البحر الأحمر وخليج عدن وبعض الموانئ والمقررات العسكرية القريبة من تل أبيب والمدن الأخرى، كما أرادت الجهات الإسرائيلية السياسية مواجهة الحملة الواسعة التي يتعرض إليها رئيس الوزراء نتنياهو لتنحيته عن الحكم وتوفير مستلزمات ومبررات الحرب القائمة في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية واستمراره في البقاء بالسلطة وتنفيذ أهدافه من العملية العسكرية المستمرة وهي شهرها السابع.
لا يزال النظام الإيراني متمسك بسياسة الصبر الاستراتيجي التي تعبر عن رؤيته العسكرية والأمنية في التعامل مع المتغيرات والأهداف المتوالية في المنطقة مع مراعاة أحكام قواعد الاشتباك وضبط النفس والعمل على مجاراة الأحداث القائمة بنوع من الحكمة والتريث والتي تعكس حقيقة السياسة الإيرانية القائمة على استغلال الفرص السياسية والحفاظ على المكاسب والمنافع التي تمكن النظام من الحصول عليها بعد الأحداث التي انطلقت في غزة.
وكانت إسرائيل قد كثفت من غاراتها وعملياتها التعرضية على الأراضي السورية بقصفها عدة مرات لمطاري دمشق وحلب ومواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، وهذا ما جعل القيادة الإيرانية في حرج كبير أمام مقاتلي الفصائل المسلحة التابعة لها واحست بأن عدم الرد على الهجمات الإسرائيلية المتتالية سيترك إثر سلبي لدى مقاتلي الفصائل ومنحها شعور بأنها وحيدة في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل التي ساهمت في تدمير البنى التحتية لقواها وامكانياتها العسكرية وتكبيدها خسائر بشرية عديدة وقد يصل الأمر إلى انتكاسة عقائدية في طبيعة الثقة المتبادلة بين إيران ومسؤولي الفصائل المسلحة، ولكن هناك من يدعو إلى اتباع اسلوب التروي وتغليب العقل والحكمة في مواجهة العمليات والتهديدات الإسرائيلية والابتعاد عن مجريات استعراض القوة والانجرار للعواطف والمواقف المتأزمة واستخدام الأساليب السياسية التي من الممكن أن تعين إيران وجعلها أكثر تأثيرًا في المحيط الإقليمي في توظيف الاعتداء على قنصليتها بدمشق باتجاه تحقيق وقف شامل للقتال في غزة عبر تسوية غير مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإعطاء الحوار مديات واسعة عبر الوسيط العربي العماني ومناقشة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وتامين حالة التفاوض القادم حول البرنامج النووي والأخذ بالحسبان الرد الإسرائيلي الذي من الممكن أن يؤدي إلى فتح جبهات عديدة في المنطقة، وأن المواجهة ان حصلت فإنها ستضع جميع المكاسب التي حققها النظام الإيراني عبر السنين الماضية في أتون الضياع والخسران.
ويبقى الحال قائمًا بين إمكانية القيام برد فعل إيراني او انتظار الفرصة المناسبة ليكون ردًا ايرانيًا خالصًا يوازي بين مواجهة سياسة الردع وتحقيق التوازن بينه وبين إسرائيل وتعزيز موقعه ومكانته المعنوية لدى فصائله المقاتلة والحفاظ على تماسكها وتعزيز قدراته في حال عدم الرد الأني.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية