بدأ محمد شياع السوداني رئيس مجلس وزراء العراق زيارة إلى واشنطن السبت الماضي، وذلك بالتزامن مع إطلاق إيران ردًا انتقاميًا ضد إسرائيل شمل إطلاق المئات من الصواريخ والمسيرات.
الزيارة التي تعدّ الأولى من نوعها للسوداني منذ توليه المنصب في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2022 تهدف إلى خلق «شراكات جديدة» بين بغداد وواشنطن، في مجالات تتعدى الأمنية والعسكرية. ويرى السوداني في العلاقات العراقية ـ الأمريكية «مفتاحاً» لاستقرار الشرق الأوسط، معوّلاً على لقائه بايدن لوضع الشراكة بين البلدين على أساس أكثر استدامة.
يأتي ذلك بينما تصاعدت خلال الساعات الأخيرة الدعوات والاتصالات من قادة ومسؤولين بالمنطقة العربية وحول العالم، في محاولة لمنع التصعيد بعد الرد العسكري الإيراني على إسرائيل، وسط مخاوف من نشوب حرب إقليمية بالمنطقة. وكان السوداني أكد أن زيارته تأتي في ظرف دقيق وحساس على مستوى العلاقات الثنائية الأميركية العراقية، وكذلك على مستوى ظروف المنطقة وما يحصل في فلسطين من “جرائم تجاه الأبرياء”، فضلا عن المخاوف من اتساع نطاق الصراع. وتهدف الزيارة، تبعا لتصريح السوداني إلى “الانتقال بالعلاقات مع الولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة تتضمن تفعيل بنود اتفاقية الإطار الإستراتيجي المتماشية مع برنامج حكومتنا الذي يركز على الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وكذلك على الشراكات المنتجة مع مختلف دول العالم”.
وأشار رئيس مجلس الوزراء إلى أن “الزيارة ستشهد لقاءات مع وزراء الخارجية والدفاع والخزانة الأميركيين، فضلا عن مستشار الأمن القومي، وغرفة التجارة الأميركية وكبار المسؤولين في الشركات النفطية والصناعية”.
وجدد الإشارة إلى أن “الزيارة تحمل الرغبة في بناء شراكة إستراتيجية مستدامة، قائمة على الاحترام المتبادل، وحفظ أمن العراق وسيادته ووحدة أراضيه”.
وستشهد الزيارة عقد الاجتماع الأول للجنة التنسيقية العليا المشتركة، بهدف المضي في تفعيل اتفاقية الإطار الإستراتيجي، في محاور الطاقة، والتعاون المصرفي والمالي، والنقل، ومكافحة الفساد، واسترداد الأموال العراقية، وقطاع الأعمال، إضافة إلى التعليم والثقافة.
وقال رئيس الوزراء العراقي الاثنين إن بلاده “تعمل على الانتقال من العلاقة العسكرية إلى الشراكة الكاملة مع الولايات المتحدة”. جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس بايدن عقب لقاء بينهما في البيت الأبيض. وأضاف السوداني، متحدثا بجوار بايدن، أن وجهات النظر بين الجانبين قد تكون متباينة بشأن ما يحدث في المنطقة، وأن العلاقات الثنائية تمر بمنعطف مهم.
ولم يتجاهل السوداني الفساد، واعتبره من أكبر التحديات التي تواجه البلاد، وأكد أنه “لا يقل خطورة عن تهديد الإرهاب”. حيث أدى الفساد المستشري في العراق إلى إبطاء التنمية الاقتصادية وكان سببا مباشرا في انسحاب شركة إكسون موبيل. ويعدّ ترتيب العراق على مؤشر مدركات الفساد لسنة 2023، الذي تضعه منظمة الشفافية الدولية، تحسنا طفيفا مقارنة بسنة 2022؛ فقد أصبح في المرتبة 154 من أصل 180، بعد أن كان في المرتبة 157.
ووصفت منظمة الشفافية الدولية العراق سابقا بأنه “من بين أسوأ البلدان في مؤشرات الفساد والحوكمة، مع تفاقم مخاطر الفساد بسبب نقص الخبرة في الإدارة العامة، وضعف القدرة على استيعاب تدفق أموال المساعدات، والقضايا الطائفية، والافتقار إلى الإرادة السياسية لجهود مكافحة الفساد”. ومن أهداف الزيارة الترويج لطريق التنمية الذي تبلغ كلفته 17 مليار دولار، وهو طريق بري وخط سكة حديد يمتد من الخليج إلى أوروبا عبر تركيا، وسيستضيف مناطق التجارة الحرة على طوله.
ومن جابنه،أكّد الرئيس الأميركي جو بايدن في لقاء له بالبيت الأبيض مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، التزام بلاده بحماية مصالحها ومصالح شركائها في منطقة الشرق الأوسط، وعزمها على تجنيب المنطقة مخاطر التصعيد.
وأضاف بايدن “نحن ملتزمون بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار يعيد الرهائن (المحتجزين لدى فصائل المقاومة في قطاع غزة) إلى منازلهم ويمنع تمدد النزاع إلى أبعد مما هو عليه الآن”. وجدد بايدن التزام أميركا بأمن إسرائيل، وسلامة وأمن القوات الأميركية وشركاء واشنطن في المنطقة.
ويرى المتابعون للشأن العراقي أن هناك ثلاث ملفات رئيسية تهتم بها واشنطن، أشار إليها بيان دعوة البيت الأبيض للسوداني، أولها ملف إعادة تنظيم علاقة العراق مع التحالف الدولي أي التواجد العسكري الأمريكي وغير الأمريكي في العراق. الملف الثاني المهم يتعلق بالإصلاحات المالية التي تنفذها حكومة السوداني، إذ ترغب “واشنطن بالسيطرة على حركة الدولار، لأن واشنطن ترى أن العراق لا يقوم بما فيه الكفاية لوقف تهريب الدولار إلى إيران، وكذلك غسيل الأموال، بالإضافة إلى تمويل الإرهاب، في إشارة إلى الثروات التي تجمعها الفصائل المسلحة في العراق”. الملف الثالث يهتم باستقلال العراق في إنتاج الطاقة الكهربائية وخصوصا مسألة استيراد الغاز من إيران لإنتاج الطاقة أو استيراد الكهرباء من إيران مباشرة والذي يتعارض مع العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران. أما «الإطار التنسيقي»، فيعتبر ملف خروج القوات الأمريكية من العراق، بأنه من أبرز الملفات التي ستتصدر جدول أعمال زيارة السوداني إلى واشنطن، خصوصاً وأن البلاد لم تعد بحاجة لوجود قوات أجنبية تحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» على أراضيه.
ويرى المتابعون أيضًا أن العراق يجب عليه أن لا يتورط على الإطلاق في مساعدة أي من الجماعات المسلحة في المنطقة كحماس والحوثيين وحزب الله وباقي الفصائل الموالية لطهران. والشيء الأهم هو أن يبقى العراق خارج الصراع الدائر حاليا في المنطقة وأن يمنع السوداني بقدر الإمكان، إيران من استخدام أراضي العراق في أي مناورات هجومية في المنطقة.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية