حامد الكيلاني
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مؤتمره الصحافي مع وزير خارجية النظام في سوريا وليد المعلم، يوجه نقداً إلى الولايات المتحدة الأميركية لما انتهت إليه حماقة الاحتلال الأميركي للعراق ويصفها بـ”التجربة”، موجهاً الأنظار إلى الدمار الشامل الذي أصاب العراقيين في نسيجهم الاجتماعي ووحدتهم الوطنية وفي سقوط نظامهم السياسي والاقتصادي والصحي والتعليمي والبيئي.
لافروف اختصر بمفردة “الاحتلال” والمثال العراقي لتبريره احتلال روسيا لسوريا مدافعاً عن تواجد قواعد بلاده العسكرية وقواتها المتعددة وما تسببت به من تدمير شامل أيضاً للمدن السورية بدعم مهمات النظام الحاكم في إبادة الشعب تحت ذريعة الإرهاب وتواجد تنظيمات مسلحة بأعدادها المتباينة للإجهاز على الآلاف والملايين من المدنيين، كما حدث في حلب والغوطة الدمشقية وامتدادات المأساة السورية إلى استحضارات الهجوم على إدلب.
وزير الخارجية المعلم يبدو أنه تذكر بعض المفردات المنسية من قاموس الشعب السوري في سياق ما حققه النظام من سيطرة على الأرض، فتحدث عن الوطن وبناء المستقبل وعودة اللاجئين للمساهمة في الإعمار دون خوف من المساءلة والتدقيق في ولاءاتهم، وهو في ذلك لا يبتعد عن أسلوب المدرسة الإيرانية وسلوك زعماء حزب الدعوة في العراق عندما “يتوعدون” الشعب بمستقبل زاهر ونظام حكم وطني بقيادة الميليشيات وحشدها.
المعلم في مؤتمره الصحافي مع لافروف ترافع عن حق نظامه في إبرام الاتفاقية الدفاعية لضمان تواجد إيراني في سوريا تحت غطاء مسيرة تاريخية للعلاقات بدأت مع استلام الخميني للسلطة في سنة 1979.الاتفاقية بمضمونها لا تعني شيئاً، لأنها معمول بها ومطبقة بفاعلية، لكنها تأتي في توقيت يسعى فيه النظام الإيراني لتنشيط تحركاته في المنطقة وتثبيت وجوده في سوريا بغطاء رسمي من نظام الأسد، لتكون لزيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي لدمشق وقع العلاقات الدبلوماسية بين الدول؛ إيران وصفت الاتفاقية الإيرانية في ظل التهديد الإسرائيلي بأنها لتعزيز الاستقرار وإعادة الإعمار.
شرعية النظام السياسي في سوريا لا تختلف عن شرعية النظام الإيراني في حكم الشعوب الإيرانية المنتفضة بقوة ضد وجوده وممارساته الإرهابية الممتدة إلى التدخل في الحياة السياسية لعديد الدول العربية، والمجتمع الدولي تثبت من إرهابه وتسخير سفاراته والحصانة الممنوحة لدبلوماسييه للقيام بأعمال التجسس والتخريب وتمويل العمليات الإرهابية وحماية المخططين لها.
روسيا تمرر احتلالها لسوريا بذات الغطاء من البروتوكولات الشكلية مع النظام بمقاسات “خيال المآتة” الذي يمنع عن الاحتلالين الروسي والإيراني مآخذ ما يجري من تعويم لنظام متوحش وتواجد لقواعد روسية معلنة باتفاقيات بعيدة المدى، تضطر معها روسيا إلى الذهاب بعيداً في تسويف مقررات جنيف والقرارات الدولية، أو في ترويض فصائل المعارضة السورية السياسية والمسلحة، مع ترويجها لدستور يتم التطرق إليه كحوار سوري – سوري لإنتاج نظام ديمقراطي وفترة انتقالية يتوقف عندها الوزير المعلم بحدة عندما يشير إلى استحالة تحقيق المآرب السياسية للمعارضة السورية حيث فشلت في الاستحواذ عليها في ساحات وميادين الصراع المسلح.
هل يعوّض النظام الإيراني انهياراته في طهران بالبحث عن مخرج لسياساته في الدول التي فرطت بشعوبها وربطت مصيرها بمصير ولاية الفقيه حيث مناورات السياسة الدولية والإقليمية وتوازنات القوى العسكرية التي لن تعيد للشعوب ما فقدته من حقوقها.
عودة الولايات المتحدة وفرنسا للتلويح بعدم إمكانية بقاء الأسد في السلطة؛ يفتح للروس اتجاهاً آخر للتوغل في مسافة معاناة ومناورات مع الولايات المتحدة تتعلق بورقة عودة اللاجئين، وهي ورقة ساذجة تؤكد مدى تبسيط وتسخير حياة الشعب السوري لخدمة السياسات الروسية والمساومات الدولية. حرص روسيا على مصير الشعب السوري مفارقة إنسانية لحجم الانتهاكات المرتكبة تحت ذريعة السباق لمكافحة الإرهاب.
الحقائق دائما بسيطة ولا تحتاج للتذكير بها لمن يتعايش معها، فالإرهاب لم يعد مرتبطاً بمجموعة أيديولوجية متطرفة تعرف دروب المراوغة والعلاقات السرية وأسلوب التخادم والتحاور والمناقلة؛ ولكل هذا ليس من الإنصاف في السياسة والإعلام أن يجرد النظام الإيراني وحرسه الثوري وعملائه في السلطة الحاكمة للعراق من أحزاب وميليشيات، أو النظام الحاكم في سوريا، أو التنظيمات الإرهابية بتسمياتها المتعاقبة، أو الجماعات والأحزاب الإيرانية الصرفة في تمويل والتجهيز والتدريب والتسليح والتهريب من توصيف الإرهاب، أو أن يجرد النظام من مفهوم الإرهاب الواسع الذي ينتهي عادة بما اتفق العالم على محاربته.
لكن من أين يبدأ هذا الإرهاب ويولد وينمو، فذلك ما لا يجب أن نتفاجأ به عندما يرفع الستار عن تحقيقات أميركية تعود للعام 2007 مع زعيم ميليشيا العصائب لتؤكد التمويل والتدريب الإيراني وصولاً إلى الفوز بمقاعد في برلمان العراق المقبل؛ توقيت الخبر أهم من الخبر ذاته لأن الإعلان عن الكتلة الأكبر أقرب للإرادة الإيرانية.
الرئيس حسن روحاني بعد استدعائه إلى البرلمان حاول التقرب إلى الحرس الثوري رغم أن خامنئي سبق وأن قدّم له دعمه غير الحاسم؛ وفي الجلسة تأكد أن النظام الإيراني يتجه إلى التضحية بالشعب الإيراني من خلال اتهام المتظاهرين بتضليل الرأي العام العالمي والإساءة للنظام السياسي والمرشد خامنئي بما وفر القناعات لدى الإدارة الأميركية لاعتبار المحتجين قاعدة بيانات استندت إليها في الانسحاب من الاتفاق النووي.
بهكذا تحليل تكون الاحتمالات قائمة في تخويل الحرس الثوري وملحقاته لتبرير المواجهات المقبلة وتفويضه بإدارة العنف والقمع بحدوده القصوى، لكن ربما دون المجازفة بإسقاط حكومة روحاني للاحتفاظ بردات فعل دبلوماسية مرنة مقابل متطلبات واحتياجات الداخل الإيراني من تحديات المرشد وجملة تصريحات متشددة.
أما في حالة التعثر والتدحرج إلى قاع المواجهة حيث نقطة اللاعودة والإقدام على الانسحاب من الاتفاق دون التلويح به لمزيد من الابتزاز الإيراني للاتحاد الأوروبي، فإن الاختيارات المؤجلة بعد 4 نوفمبر لمعالجة الانفلات المجتمعي ستحدد طبيعة الإدارة الإيرانية حيث المهمة الملقاة على عاتق الحرس الثوري وكبار المتشددين.
لا غرابة في اغتنام سمعة القادة الميدانيين لتوصيل رسائل لا هوادة فيها مع الشعب، ولتصريف أعمال دولة في حالة حرب اقتصادية وتقشف وسياسة شد الأحزمة أكثر فأكثر على البطون. هل سنرى مثلاً أحد قادة الحرس الثوري رئيساً للجمهورية؟
نظام ولاية الفقيه بدأ بشد أحزمة الميليشيات لتسلق السلطة واحتوائها تماماً في العراق، وفي سوريا يعاد تجديد ولاء النظام للحرس الثوري والأذرع الميليشياوية التابعة له؛ وفي لبنان يتفاخر بعدد نوابه وتجاوز صلاحيات الدولة؛ والحوثيون في اليمن تحت حمايته ويتنقلون في بغداد وبيروت بحفاوة وتجديد عهود ومواثيق.
هل يعوّض النظام الإيراني انهياراته في طهران بالبحث عن مخرج لسياساته في الدول التي فرطت بشعوبها وربطت مصيرها بمصير ولاية الفقيه حيث مناورات السياسة الدولية والإقليمية وتوازنات القوى العسكرية التي لن تعيد للشعوب ما فقدته من حقوقها.
العرب