في 23 آب/أغسطس، قام المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي بترقية القائد بالوكالة لـ “سلاح البحرية التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني” (بحرية «الحرس الثوري») علي رضا تنكسيري إلى رتبة قائد ليحل محل علي فدوي الذي تم تعيينه نائباً لقائد «الحرس الثوري» لشؤون التنسيق. وفي كتاب تعيينه، أوعز لتنكسيري ببناء “سلاح بحري ناشط ومتنامٍ يرقى إلى مستوى [طلبات] الجمهورية الإسلامية” من خلال تنفيذ ثلاثة أهداف رئيسية هي: الاستعانة بـ”القوة البشرية المتدينة” ورفع مستوى “التدريب والمهارات والهيمنة الاستخبارية والعمل المتبادل مع الفروع الأخرى لـ «الحرس الثوري»” في القوة البحرية، بالإضافة إلى “توسيع ترسانتها بشكل أكبر”. ومع ذلك، لا تدل هذه الترقية بالضرورة على عودة الاستفزازات البحرية المشحونة في مياه الخليج العربي، ويبقى ذلك رهناً بالرد الذي سيقرر خامنئي اتخاذه بشأن العقوبات النفطية المقبلة.
من هو تنكسيري؟
خلال حرب الخليج الأولى (بين إيران والعراق)، كان تنكسيري قائد اللواء البحري الأول التابع لـ “بحرية «الحرس الثوري»” في بندر عباس قبل أن يتم تعيينه نائباً لفدوي في عام 2010. ويُعرف عنه ثباته في آرائه المعادية للولايات المتحدة ودعمه المعلن لاحتجاز عناصر قوات البحرية التابعة للدول الغربية الذين ضلت سفنها طريقها وانحدرت نحو المياه الإيرانية. ووفقاً لبعض التقارير حدث ذلك في ست حوادث مختلفة منذ عام 2003، بما فيها حادثة احتجاز ثلاثة بحّارة أمريكيين وبحارَيْن كويتيّيْن لفترة وجيزة في ممر شط العرب في ذلك العام، واحتجاز خمسة عشر بحّاراً بريطانياً لمدة إثنتي عشر يوماً في شمال الخليج في آذار/مارس 2007، واحتجاز عشرة أفراد من البحرية الأمريكية لمدة يوم واحد بالقرب من “جزيرة فارسي” في كانون الثاني/يناير 2016.
ومن غير المعروف مدى ضلوع تنكسيري المباشر في تلك العمليات، لكنه استخدمها مراراً وتكراراً، كما أَعلَن في تموز/يوليو 2016، كأمثلة على تصميم إيران على مواجهة “التهديد المتأصل والطبيعة الشريرة المطلقة” للوجود الأمريكي في الخليج. وبعد ذلك بشهرين صرّح في مقابلة أُجريت معه أن إيران لا تستطيع إرغام العدو على التراجع إلا من خلال الحفاظ على وجود واضح لها في الخليج. وفي الآونة الأخيرة، في خطاب ألقاه في كانون الثاني/يناير 2018، افتخر بقوة الردع التي تملكها “بحرية «الحرس الثوري»” وهدد قوات البحرية الغربية بتوجيه ضربة كبيرة لها إذا ارتكبت أدنى خطأ.
وجهات النظر حول إغلاق مضيق هرمز
في 4 آذار/مارس، أفاد تنكسيري أن السفن الحربية التابعة للولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا والنرويج لم تعد تتمتع بحق المرور البريء عبر قنوات الشحن شمال جزيرة طنب الكبرى التي تتنازِع إيران مع الإمارات العربية المتحدة حول ملكيتها منذ عام 1971. فالجزء المخصص للحركة الوافدة من هذه المنطقة الفاصلة الضيقة يقع بأكمله داخل المياه الإقليمية الإيرانية، وتبحر فيه – وفي جزيرة طنب الكبرى ككل – يومياً أكثر من خمسين ناقلة تحت العيون اليقظة لأجهزة المراقبة الإيرانية. وتقع الجزيرة على بُعد 12 ميلاً بحرياً تقريباً (22.5 كلم) من الساحل الإيراني، و19 ميلاً (35 كلم) من قاعدة اللواء البحري الخامس لـ “سلاح البحرية التابع لـ «الحرس الثوري »” بالقرب من بندر لنجة، و42 ميلاً (79 كلم) من دولة الإمارات العربية المتحدة.
ومع ذلك، فبالكاد تختلف التصريحات المتشددة لتنكسيري حول هذه المسألة عن تصريحات سلفه. ففي مقابلة أجراها فدوي في كانون الثاني/يناير 2016، صرّح أن «الحرس الثوري» يحتفظ بالحق في رفض المرور البرئ لسفن البحرية الأمريكية في أي وقت، مجادلاً بأن لدى الولايات المتحدة ودولاً غربية أخرى نوايا عدوانية تجاه الجمهورية الإسلامية. وبعد شهرين من ذلك التاريخ، ادّعى أن إيران بدأت ترفض بالفعل العبور البريء للسفن البحرية التابعة للولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وكندا وفرنسا ونيوزيلندا، بينما تؤكد واشنطن أن القانون الدولي لا يسمح لإيران بحظر المرور البريء على أي دولة.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الظهور الإعلامي الأول لتنكسيري بعد تعيينه [في منصبه الجديد] قد سلط الضوء على الطبيعة الدفاعية لأنشطة “بحرية «الحرس الثوري»” في الخليج، وأعاد التشديد على هيمنة القوة البحرية على حركة الشحن المحلية. وعلى الرغم من تصريحاته المتكررة التي ينتقد فيها الولايات المتحدة وإعلانه أن إيران لا تريد أي قوات بحرية أجنبية في الخليج، فقد أوضح في خطاب ألقاه في تشرين الأول/أكتوبر 2016 أن “سلاح البحرية التابع لـ «الحرس الثوري»” لا يبحث عن متاعب وأشار إلى أن الأمن الإقليمي يشكل الأولوية القصوى لتلك القوات، مشدّداً على عقلانية إيران وانضباطها.
هل يؤدي تغيير القادة إلى ممارسة سياسات مماثلة؟
شهدت قيادة “بحرية «الحرس الثوري»” خمسة تغييرات منذ انتهاء الحرب بين إيران والعراق عام 1988. وإحدى السمات المشتركة بين جميع هؤلاء القادة هي افتقارهم إلى التدريب البحري الأكاديمي، وتم تعويض [هذا النقصٌ] من خلال خبرتهم المكثفة والمتراكمة في مختلف نواحي العمليات المنفذة لـ “بحرية «الحرس الثوري»” في الأنهار والأهوار والبحار.
وفي كانون الأول/ديسمبر 1990، أقدم خامنئي على خطوة غير اعتيادية حين قام بترقية أحد المسؤولين المفضّلين لديه في «الحرس الثوري»، علي شمخاني، إلى رتبة عميد بحري وعيّنه قائداً لـ «بحرية الجمهورية الإسلامية» الإيرانية و “بحرية «الحرس الثوري»” في الوقت نفسه. وبحكم هذا المنصب، كُلِف بمهمة توحيد القيادة لتحسين التنسيق بين الجهازين. وعلى الرغم من بعض الاستياء الذي ظهر داخل «بحرية الجمهورية الإسلامية»، نُسب إليه الفضل في إرساء الأساس لتحسين إمكانية العمل المتبادل بينهما من خلال إنشاء “مقر خاتم الأنبياء لقوات البحرية العامة” (على الرغم من تقسيمه إلى مقرّين منفصلين لكل جهاز من القوات البحرية في عام 2013).
وعند تعيين شمخاني وزيراً للدفاع عام 1997، سلّم عهدة القيادة إلى علي أكبر أحمديان، فأوعز خامنئي إلى القائد الجديد بالارتقاء بـ “سلاح البحرية التابع لـ «الحرس الثوري»” إلى مستوى المهام المعلنة له، مثل التحكم بحركة سفن الشحن الوافدة إلى الخليج والخارجة منه، وإقامة علاقة عمل فعالة مع القوات البحرية الوطنية، وإعداد “بحرية «الحرس الثوري»” للدفاع عن مصالح النظام الإيراني. وفي العام نفسه، بدأت إيران الإنتاج المحلي لصواريخ صينية جوالة مضادة للسفن من نوع “سي-802″، مما أدى إلى حدوث تحسن كبير في قوتها الضاربة في الخليج.
وتمرّس أحمديان في العمليات الإيرانية المضادة للسفن في “حرب الناقلات” التي اندلعت خلال النزاع مع العراق، واضطلع بدورٍ رئيسي في هندسة عقيدة الحرب البحرية غير المتكافئة لـ «الحرس الثوري». وخلال الفترة (1997-2000) قام بإعداد “بحرية «الحرس الثوري »” لخوض الحرب ضد الولايات المتحدة وكان العقل المدبر لعدة مناورات بحرية واسعة النطاق في الخليج ومضيق هرمز. ثم عاد إلى الحقل النظري في تموز/يوليو 2000، وتولّى مسؤولية “مركز الدراسات الاستراتيجية” التابع لـ «الحرس الثوري» من أجل تطبيق دروس البحرية على كافة فروع «الحرس الثوري».
ثم جاء مرتضى سفاري ليحل محل أحمديان، وتولى المنصب لمدة عشر سنوات عمل خلالها على فصل المناطق العملياتية لـ “بحرية «الحرس الثوري»” و «بحرية الجمهورية الإسلامية» وتولّى تنفيذ الدفعات الخمسة الأولى من المناورات البحرية الكبرى – “الرسول الأعظم”. وكان الهدف من هذه المناورات تعزيز قوة الردع في الخليج وتحسين التنسيق بين البحرية والفروع الأخرى لـ «الحرس الثوري».
وفي أيار/مايو 2010، أفسح سفاري المجال أمام علي فدوي الذي أشرف على إحداث نمو كبير داخل البحرية. وفي عام 2012، أضافت “بحرية «الحرس الثوري»” لواءً بحرياً جديداً (“النازعات الخامس”) مكلفاً خصيصاً بمراقبة الجزر الاستراتيجية وقنوات الشحن غربي مضيق هرمز. ثم أجريت أربع تمارين أخرى كاملة من مناورات “الرسول الأعظم” بين عامَي 2010 و2015، ولكن بعد الاتفاق النووي المبرم في تموز/يوليو 2015 تم الحد من المناورات لتقتصر على تدريبات برية ضيقة النطاق. وفي حين احتدّت في بعض الأحيان تصريحات طهران عن إغلاق المضيق هذا العام، إلا أن التحركات الفعلية لـ “الحرس الثوري” في الخليج تباطأت بشكل ملحوظ منذ آب/أغسطس 2017، أي بعد بضعة أشهر من التحذير الذي وجّهه الرئيس ترامب إلى إيران بأن مناوراتها البحرية هي أشبه “باللعب بالنار”.
فضلاً عن ذلك، اعتادت المحطات التلفزيونية التابعة للدولة اختيار فدوي للاضطلاع بدور الصحفي الإعلامي المفضّل كلما أرادت المساهمة في تعزيز الردع ضد الأعداء الخارجيين. كما نَسب إليه النظام الفضل في مراكمة كميات كبيرة من الأسلحة والقدرات في المناطق الساحلية، وفي اختيار “أفضل وأذكى” الشبان الإيرانيين المتدينين الذين تطوعوا للعمل لصالح «الحرس الثوري».
الخاتمة
يبدو أن التغيير الأخير في القيادة هو تناوب روتيني [بين كبار ضباط البحرية]، على الرغم من أنه حدث قبل عامين من انتهاء الفترة المعهودة التي أمدها عشر سنوات. ولعل أحد أسباب هذه الخطوة المبكرة نسبياً هي الرغبة في تسمية فدوي نائباً لقائد «الحرس الثوري» لشؤون التنسيق، ربما استباقاً للحاجة إلى تحسين إمكانية العمل المتبادل ليس بين فروع «الحرس الثوري» بشكل كبير فحسب، بل بين «الحرس الثوري» والجيش الوطني («أرتش») أيضاً. وقد سجل فدوي خلال العام الماضي مستوى نشاط أعلى من ذلك الذي سجله قادة «الحرس الثوري» الآخرين من خلال القيام بمبادرات تعاونية مع نظرائه في «أرتش».
وما لم يتلقَّ تنكسيري تعليمات من خامنئي تغيّر مجرى الأمور، فلا يُتوقع أن يؤدي تعيينه إلى إحداث العديد من التغيرات الملحوظة في السلوك الراهن الهادئ الذي تظهره “بحرية «الحرس الثوري»” في الخليج. ولكن إذا دخلت العقوبات النفطية الأمريكية حيز التنفيذ في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل كما هو متوقع، فيمكن أن تعود طهران إلى موقفها العدائي من الولايات المتحدة. علاوةً على ذلك، تشجّع “بحرية «الحرس الثوري»” الخطوات التكتيكية الحرة – إذ يستطيع القادة الشبان ذوي الطبع الحاد كسب الشهرة والترقيات عبر اتخاذ خطوات محفوفة بالمخاطر إزاء السفن الأمريكية، وهم عادة “غير ملزمين للحصول على إذن في ما يخص الأمور التي تُعتبر استراتيجية الجمهورية الإسلامية واضحةً بشأنها”، على حد قول مسؤول رفيع المستوى خلال مقابلة أجريت معه عام 2013. وبالتالي، سيظل هناك خطر كبير من سوء التفسير والتصعيد في مياه الخليج.
فرزين نديمي
معهد واشنطن