كانت “سلسلة من الظروف المأساوية” هي التي أفضت إلى إسقاط طائرة تجسس روسية على يد الدفاعات الجوية السورية في 17 أيلول (سبتمبر)، كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبهذه الكلمات، بدا أن الرئيس بوتين يقبل بهذا الفصل كحادثة غير مقصودة، ويعفي إسرائيل من أي لوم. وكانت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية قد شنت في وقت أبكر غارات جوية على الأراضي السورية، وبدا أن هذه الطائرات هي التي كانت الأهداف المقصودة للدفاعات الجوية السورية. ولكن، مع مرور الأيام، أصبحت روسيا أكثر عدوانية. وقال جنرالاتها أن الطائرات الإسرائيلية استخدمت الطائرة الروسية كدرع (أنكرت إسرائيل هذا الادعاء). ثم في 24 أيلول (سبتمبر)، أعلنت روسيا عن خطط لتزويد سورية ببطاريات الدفاع الجوي المتقدمة، من طراز “أس-300″، فيما يؤشر على تحول في استراتيجيتها الإقليمية.
منذ أن تدخلت روسيا في الحرب الأهلية السورية إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد في العام 2015، سعت إلى تجنب الاصطدامات مع إسرائيل. وعلى مدى الثمانية عشر شهرا الماضية، نفذت إسرائيل أكثر من 200 غارة جوية ضد أهداف متحالفة مع إيران في سورية. وساعد وجود خط ساخن “لمنع الاشتباك”، والذي يصل قيادة سلاح الجو الإسرائيلي في تل أبيب بمركز العمليات الروسي في قاعدة حميميم غرب سورية، على منع وقوع حوادث مؤسفة في الجو. وتم دعم هذه التدابير العسكرية باتفاق ضمني بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وبموجب الاتفاق الضمني، لن تعرقل إسرائيل حملة روسيا لإنقاذ الأسد، ولن تمنع روسيا إسرائيل من مهاجمة الأهداف الإيرانية في سورية.
لكن الخطط الروسية الجديدة لتحديث الدفاعات الجوية السورية تعقِّد هذا التفاهم. وتشكل بطاريات “أس-300” نظاما يصعب قهره، مع رادار قادر على تعقب أكثر من 100 هدف في الوقت نفسه، ضمن مدى يصل إلى 300 كليومتر. وسوف يجعل ذلك العمليات الجوية الإسرائيلية أكثر عرضة للمخاطر، وهو السبب الذي دفع نتنياهو منذ وقت طويل إلى معارضة نقل مثل هذه الأسلحة إلى الحكومة السورية. (تقوم روسيا مسبقا بتشغيل نظام “أس-300 في سورية، لكنها لم تستخدمه ضد إسرائيل). ومع ذلك، تقول إسرائيل أنها سوف تواصل قصف الأهداف في سورية. وتستطيع طائراتها الشبح (أف-35) تجنب نظام الدفاع الجوي “أس-300” وتدميره. ولكن، إذا كان المشغِّلون الروس يعملون إلى جانب نظرائهم السوريين بائسي التدريب على هذه البطاريات، فإن هناك خطرا من التصعيد.
قال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أنه سيتم تسليم نظام “أس-300” إلى الجيش السوري في غضون أسبوعين. ويشكك بعض المحليين في أن ذلك سيحدث حقاً. فتحت الضغط من أميركا وإسرائيل، استغرق الأمر الروس تسع سنوات لإرسال بطاريات “أس-300” الموعودة إلى إيران. وربما تنظر روسيا إلى التهديد بتسليم هذه الأنظمة إلى السوريين كطريقة للضغط على إسرائيل للحد من تدخلها في سورية.
سعت روسيا إلى الموازنة بين إسرائيل وأعدائها في الشرق الأوسط. وكان السيد بوتين أول زعيم روسي يقوم بزيارة رسمية إلى إسرائيل (مرتان)، كما وقف نتنياهو كتفاً إلى كتف إلى جانب الرئيس بوتين في عرض عسكري أقيم في روسيا هذا العام. لكن الصداقة لا توقف روسيا عن دعوة حركة “حماس” الفلسطينية إلى موسكو، ومساعدة إيران في برنامجها النووي أو تسليح سورية. وبينما أصبحت روسيا أكثر عزلة باطراد عن الغرب، فقد تصاعدت أهمية إسرائيل كمصدر للتكنولوجيا والدعم السياسي. وكان الكرملين حذراً في الحد من الخطاب المناهض لإسرائيل في إداناته للغرب. لكن روسيا لعبت، بعد إسقاط طائرتها في سورية، على نغمة خيانة الثقة والندم؛ فقد فعلت روسيا كل شيء لمساعدة إسرائيل واستيعابها، لكنها قوبلت عن ذلك بالخيانة، كما ألمح معلقوها. وقد أجرى نتنياهو مكالمتين هاتفيتين مع الرئيس بوتين وأرسل رئيس سلاح جوه إلى موسكو، لكن الكرملين ربما يكون بصدد طلب المزيد من الأفضال من إسرائيل لنزع فتيل الوضع الجديد.