واشنطن – تسرّع الإدارة الأميركية وصناعة الدفاع الأميركية الخطى لإنقاذ الصفقات الفعلية القليلة ضمن حزمة أسلحة للسعودية قيمتها 110 مليارات دولار جرى الترويج لها كثيرا بعد الدعوات إلى تعليق مبيعات الأسلحة إلى الرياض، على خلفية الجدل المحتدم حول مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وبينما قالت وكالة بلومبيرغ الأميركية، “إنه من غير المرجح إتمام صفقة أسلحة بقيمة 15 مليار دولار، بين الرياض وشركة لوكهيد مارتن”، أكبر شركة للصناعات العسكرية في العالم، ردّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الانسحاب من بعض الشراكات الاقتصادية مع المملكة، سيفسح المجال أمام روسيا والصين لكسب صفقات عسكرية تقدر بـ450 مليار دولار، لافتا إلى أن واشنطن ستكون قد أذت نفسها إذا اتخذت إجراء مثل هذا.
وحتى قبل الأنباء التي أفادت بمقتل خاشقجي، أعاق نواب ديمقراطيون ما لا يقل عن أربع صفقات أسلحة ويرجع ذلك إلى حد كبير بسبب الحرب في اليمن. وقال مسؤول كبير بالإدارة الأميركية “هذا يجعل من المرجح أن يوسعوا القيود لتشمل أنظمة ليست بالضرورة مثيرة للجدل بالنسبة لهم. هذا مبعث قلق كبير”.
واستغل بعض المشرعين في الكونغرس الأميركي الجدل الذي أثارته القضية للدفع نحو تمرير مشاريع قوانين سبق وتم طرحها وترتبط بالعلاقات الأميركية السعودية، من ذلك مشاريع قوانين حول حرب اليمن. وتصف جويس كرم، الكاتبة في موقع الحرة الأميركي، هذه الحرب بأنها الملف الساخن في الكونغرس، حيث المعارضة من الحزبين تتزايد حول دور واشنطن فيها. وترصد الكاتبة تحركات حثيثة مؤخرا لإيجاد مخرج للحرب، وهناك مشاريع قرارات عدة قد يقوم وزير الخارجية مايك بومبيو بتحريكها بالتنسيق مع الكونغرس للضغط على الرياض.
عند الحديث عن أي تحرك أميركي في هذه القضية يجب إبقاء درجة من الواقعية تأخذ بعين الاعتبار مصالح وأولويات وأوراق واشنطن في المنطقة ودور السعودية فيها
سبق أن رد وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ووزير الدفاع جايمس ماتيس على دعوات وقف الدعم الأميركية للحرب في اليمن، وأكدا على أن السعودية اتخذت إجراءات ملموسة وكافية لحماية المدنيين وإنهاء الحرب واحتواء الأزمة الإنسانية في البلاد. ولم يستبعد رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي زهير الحارثي أن الهجوم الذي تتعرض له المملكة منذ حادثة مقتل خاشقجي، مشيرا إلى “وجود مساع لتحقيق مكاسب وراء هجوم البعض على السعودية”.
وينتظر مجلس الشيوخ الاطلاع على المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها جينا هاسبل مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.أي) خلال زيارتها إلى تركيا للنظر في تفعيل قانون ماغنيتسكي. وتقول حويس كرم إن هناك تلاق بين الجمهوريين والديمقراطيين، حول تطبيق قانون ماغنيتسكي حيث صوت 22 من أصل 23 سناتورا في لجنة العلاقات الخارجية على هذا الأمر في 10 أكتوبر وأمام ترامب 120 يوما للرد.
وقانون ماغنيتسكي هو مشروع قانون اقترحه الحزبان الديمقراطي والجمهوري وصادق عليه الرئيس باراك أوباما في ديسمبر 2012. ينص القانون على مُعاقبة الشخصيات الروسية المسؤولة عن وفاة محاسب الضرائب سيرغي ماغنيتسكي في سجنه في موسكو عام 2009. ومنذ 2016 والقانون مُفعل على مستوى كل دول العالم مما يخولُ الحكومة الأميركية فرضَ عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم من خلالِ تجميد أصولهم وحظرهم من دخول الولايات المتحدة وقد تمتدُ العقوبات لأمور أخرى.
القانون الآخر الذي يسعى نواب في الكونغرس إلى تطبيقه هو قانون ماكغوفرن، الذي تمنع الولايات المتحدة بموجبه بيع السلاح للسعودية، أو تنفيذ أي تعاون أو تدريب وصيانة للجانب السعودي. وترى جويس كرم أن حجم مبيعات السلاح قد يجعل أي عقوبات تطال هذه الصفقات خطا أحمر أمام الشركات الدفاعية الأميركية.
في نفس الوقت وفي حال اختارت الرياض التوجه شرقا وشراء منظومة أس- 400 الدفاعية من روسيا بدل الـ”ثاد” الأميركي، فهذا سيعني تحركا أسرع في الكونغرس لضبط هكذا صفقة كما يجري الآن مع تركيا، كونها تهدد الشراكة العسكرية مع الأميركيين. وما تزال الاتفاقية النهائية بين السعودية والولايات المتحدة، بشأن شراء منظومة “ثاد”، غير موقعة حتى اليوم، رغم موافقة الكونغرس عليها منذ فبراير 2018، بحسب وكالة بلومبيرغ.
تهدئة ترامب
مقابل الموقف المنفعل لعدد من أعضاء الكونغرس، اتخذ ترامب نهجا متحفظا في انتقاده لقادة السعودية في ما يتعلق باختفاء ومقتل خاشقجي المقيم في الولايات المتحدة والكاتب في صحيفة واشنطن بوست مؤكدا أنه لا يرغب في ضياع “صفقة ضخمة” لبيع أسلحة بمبلغ 110 مليارات دولار يقول إنها ستوفر 500 ألف فرصة عمل أميركية وهو رقم يقول الخبراء إنه مبالغ فيه بشكل كبير.
ووزعت رابطة الصناعات الجوية على المسؤولين التنفيذيين بشركات الصناعات العسكرية نقاطا معينة للتحدث بشأنها تركز على أهمية مبيعات الأسلحة لحلفاء الولايات المتحدة. وتأمل الشركات في الحفاظ على الصفقات المبرمة مع السعودية في ظل وجود مواعيد تسليم قريبة في 2019 و2020 تنفيذا لتعهدات قدمت خلال زيارة ترامب في مايو 2017.
وأرسلت رابطة الصناعات الجوية إلى متعاقدين في مجال الصناعات العسكرية “نقاط طوارئ بشأن مبيعات السلاح للسعودية” في الأيام القليلة الماضية وأصدرت تعليمات للمسؤولين التنفيذيين للتشديد على أن وقف مبيعات الأسلحة قد يقلص قدرة الولايات المتحدة على التأثير على الحكومات الأجنبية.
ومن شأن هذه النقاط أن تساعد المسؤولين التنفيذيين في الترويج لآرائهم عندما يتحدثون إلى موظفيهم ومورديهم ووسائل الإعلام والمسؤولين بالحكومة والمسؤولين المنتخبين. وتقول رسالة رابطة الصناعات الجوية إن مقتل خاشقجي “أثار حوارا مهما عن علاقة الولايات المتحدة مع السعودية”. وتسرد إجابتين قصيرتين حول ما إذا كانت الصناعة تواصلت مع الحكومة الأميركية بشأن خاشقجي ونطاق مبيعات الأسلحة للسعودية العام الماضي وذلك قبل أي إجابة باستفاضة على “سؤال الوظائف”.
لكن الإجابة التي تبلورت في أربع نقاط مهمة لا تذكر الأعداد التي تحدث عنها ترامب أو أي تقديرات أخرى لفرص العمل المحتملة وتتطرق بدلا من ذلك إلى “التأثير الاقتصادي” وتشرح كيف أن مبيعات الأسلحة تعزز العلاقات العسكرية والسياسية.
وتقول الوثيقة “عندما نبيع المنتجات الأميركية للحلفاء والشركاء نستطيع أن نضمن ألا يتمكن أعداؤنا من أن يحلوا محلنا في علاقاتنا السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية”.
وقالت كيتلين هايدن، المتحدثة باسم رابطة الصناعات الجوية، إنها لا تستطيع التعليق على تفاصيل الرسالة التي أرسلت إلى أعضائها وأضافت أن الرابطة لا تملي على أعضائها ما يجب أن يقولوه عن أي قضية معينة.
وتضم اللجنة التنفيذية لرابطة الصناعات الجوية الرؤساء التنفيذيين لشركات الصناعات العسكرية الخمس الكبرى وهي لوكهيد مارتن ونورثروب غرومان وبوينغ وريثيون وجنرال ديناميكس.
مخاوف الكونغرس
ثمة الكثير من الأشياء التي تخشى عليها شركات الصناعات العسكرية. وقال السناتور الجمهوري بوب كوركر، الذي يستطيع بصفته رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أن يعرقل مبيعات الأسلحة للخارج، إن أحد المتعاقدين في مجال الصناعات العسكرية جاء ليزوره في مكتبه وإنه كان قد حذر، حتى قبل مقتل خاشقجي، من أن الوقت لن يكون مناسبا لمحاولة تمرير صفقة عسكرية كبيرة من خلال الكونغرس.
وقال كروكر متحدثا عن مقتل خاشقجي “أعرف أن الكونغرس لن يسمح بذلك. هذا أمر يثير غضب الناس”، فيما أشار عضو مجلس النواب الأميركي جيمس ماكغوفرن إلى أن مجموعة من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين طرحت مشروع قانون في المجلس من شأنه أن يوقف معظم مبيعات الأسلحة إلى السعودية ردا على مقتل خاشقجي.
وفي ظل الانتقادات المتزايدة من الكونغرس كثف البيت الأبيض جهوده لإنقاذ حزمة مبيعات الأسلحة للسعودية.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول أميركي كبير، طلب عدم نشر اسمه، إن بيتر نافارو، المستشار التجاري لترامب بالبيت الأبيض وواضع سياسة “اشتر المنتج الأميركي” لتخفيف القيود على مبيعات الأسلحة الخارجية، كان أحد الأصوات البارزة خلال قضية خاشقجي في التوضيح للرئيس أهمية صفقات الأسلحة السعودية والنتائج المترتبة على الوظائف في الولايات المتحدة.
وخلال اجتماع حول مائدة مستديرة مع المتعاقدين في قاعدة لوك التابعة للقوات الجوية في أريزونا السبت سعى ترامب ومساعدوه إلى تهدئة مخاوف المسؤولين التنفيذيين بشأن مستقبل مبيعات الأسلحة للسعودية وطمأنهم بأن الرئيس سيبذل كل ما في وسعه لتمضي كما هو مخطط لها.
450 مليار دولار قيمة الصفقات التي يمكن أن تربحها بكين وموسكو إذا انسحبت واشنطن
وتهدد التطورات الراهنة خطة “اشتر المنتج الأميركي” التي شارفت إدارة ترامب على استكمالها وسيقوم بمقتضاها الملحقون العسكريون والدبلوماسيون الأميركيون بالمساعدة في الترويج لصفقات في الخارج لصناعة السلاح الأميركي بمليارات الدولارات. وتوقع مسؤولون أميركيون أن يعلن ترامب في فبراير المقبل عن جهد حكومي لتخفيف قواعد التصدير في ما يتعلق بمشتريات الدول الأجنبية من العتاد العسكري الأميركي الصنع، من المقاتلات الحربية والطائرات بلا طيار إلى السفن الحربية والمدفعية.
ويسعى ترامب إلى تحقيق وعد قطعه على نفسه في الحملة الانتخابية عام 2016 لإتاحة الوظائف في الولايات المتحدة وذلك ببيع المزيد من السلع والخدمات في الخارج من أجل خفض العجز التجاري الأميركي الذي بلغ أعلى مستوياته منذ ست سنوات مسجلا 50 مليار دولار. كما أن الإدارة تتعرض لضغوط من شركات العتاد العسكري الأميركية التي تواجه منافسة متزايدة من منافسين في الخارج مثل الصين وروسيا.
وظائف ومدفوعات
ليس واضحا كيف توصل ترامب إلى أن الصفقة مع السعودية ستوفر 500 ألف فرصة عمل حيث إن الشركات الخمس الكبرى في مجال الصناعات العسكرية والتي تصنع كل قطعة تقريبا من صفقة مبيعات الأسلحة للسعودية لا يعمل بها سوى 383 ألف شخص.
ومنذ الإعلان عن الحزمة التي تبلغ 110 مليارات دولار للمرة الأولى قبل 18 شهرا، بدأت بعض الأموال السعودية تتدفق على الشركات حيث جرى إرسال مبالغ إلى شركة لوكهيد مارتن المسؤولة عن تصنيع فرقاطات للمملكة.
ولكن معظم الصفقات الأخرى مثل منظومة الدفاع الصاروخي “ثاد” والبالغة تكلفتها 13.5 مليار دولار من لوكهيد تواجه صعوبات نظرا لعدم التوصل إلى اتفاق شراء حاسم. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنها بدأت في التعامل مع مبيعات عسكرية للسعودية بقيمة 14.5 مليار دولار منذ زيارة ترامب.
والكثير من الصفقات الباقية إما جرى التفاوض بشأنها بالفعل خلال رئاسة باراك أوباما وإما كانت مشروطة بطبيعتها. وقال مسؤولون تنفيذيون بشركات الصناعات العسكرية ومسؤولون بالحكومة، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن أسمائهم، إن السعوديين يريدون الكثير من العتاد العسكري إذا أدت الصفقات إلى توفير فرص عمل جديدة في المملكة في إطار مبادرات رؤية 2030 لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وطبقا لمسودة أعدت في 2017 بقائمة صفقات حزمة الأسلحة فإنه تم تحديد نحو 95 مليار دولار كمذكرات نوايا أي تعهدات غير ملزمة للشراء.
وقال مسؤول سعودي إنه، حتى قبل اختفاء خاشقجي، كان ترامب قد بحث في اتصال هاتفي مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، أواخر سبتمبر الماضي، صفقة نظام الدفاع الصاروخي ثاد. وقال المسؤول إن الصفقة قد تتم بحلول نهاية العام. وكان المسؤول يتحدث قبل أن تعترف السلطات السعودية بمقتل خاشقجي داخل القنصلية ولم يتضح بعد إن كانت القضية ستؤثر على الصفقة.
وقالت شركة لوكهيد هذا الأسبوع إنها لا تعرف متى يمكن التوقيع على اتفاق نهائي. وينظر إلى السعودية على أنها حجر الزاوية لاستراتيجية إدارة ترامب لمواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وهي من أكبر المستوردين للسلاح من الولايات المتحدة. وبلغت وارداتها 65 مليار دولار بين عامي 2009 و2016 طبقا لما أورده مكتب المحاسبة الحكومي الذي يراقب الأموال العامة وسيكون وقف الشحنات إلى السعودية أمرا لا يمكن تصوره من جانب قطاع الصناعات العسكرية.
وما زال المتعاقدون في مجال الصناعات العسكرية وإدارة ترامب يشعرون بالقلق من تعطل الصفقات في الكونغرس حيث يشعر الديمقراطيون والجمهوريون بالقلق بشأن قضية خاشقجي التي كشفت مخاطر تراجع الاهتمام بحقوق الإنسان في خضم خطة “اشتر المنتج الأميركي”. وتلاقي هذه الخطة حملة معارضة ترى أن تخفيف القيود على مبيعات السلاح سيمثل تحديا للمدافعين عن حقوق الإنسان والحد من التسلح.
وبخلاف زيادة استغلال شبكة الملحقين العسكريين والتجاريين العاملين حاليا بالسفارات الأميركية في العواصم الخارجية يقضي جانب آخر من الخطة ببدء العمل على تصويب سياسة قواعد التجارة الدولية للسلاح. وهي سياسة مركزية تحكم صادرات السلاح منذ العام 1976 ولم يتم تعديلها بشكل كامل منذ أكثر من 30 عاما.
وقال مسؤول أميركي كبير إن هذا الجهد الحكومي الموسع لصالح شركات صناعة السلاح الأميركية من تخفيف للقيود على صادرات السلاح وتحسين معاملة المبيعات للدول الحليفة والشريكة غير الأعضاء في حلف شمال الأطلسي يمكن أن يجلب صفقات إضافية بمليارات الدولارات ويتيح المزيد من الوظائف.
وفي خضم الجدل الدائر، يشير الخبراء إلى ضرورة التحلي بالواقعية، قبل النظر إلى مواقف ترامب، وعقليته التجارية وخلفيته كرجل أعمال يقيسها بالمال والربح والخسارة. وتؤكد على ذلك جويس كرم بقولها إنه عند الحديث عن أي تحرك أميركي في هذه القضية يجب إبقاء درجة من الواقعية تأخذ بعين الاعتبار مصالح وأولويات وأوراق واشنطن في المنطقة ودور السعودية فيها.
العرب