ممارسات النظام الإيراني ضد المسلمين السنة بشكل خاص وضد الأقليات الدينية في البلاد بشكل عام باتت أمرا مفضوحا لا يمكن للمسؤولين إخفاءه، وعاد موضوع انتهاكات حقوق الإنسان والأقليات الدينية والعرقية في إيران إلى دائرة الضوء من جديد مع مقتل إمام سني في قرية رضا آباد بمحافظة غولستان في شمال إيران. الأمر يتجاوز دلالات التمييز والعنصرية ليمس مفهوم الدولة الدينية التي تقوم عليه إيران، ويفضح بشكل قوي كل المفاهيم التي تروج لها زيفا في سبيل تحقيق مساعيها في نشر نفوذها إقليميا.
طهران – أعاد اغتيال إمام سني في إيران الأسبوع الماضي الحديث مجددا عن الممارسات القمعية التي يتبعها النظام الإيراني في التعامل مع الأقليات الدينية والمسلمين السنة بشكل خاص.
وأعلنت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن إماما سنيا يقود صلاة الجمعة أطلق عليه الرصاص الثلاثاء الماضي في قرية بشمال إيران. وقتل مجهولون الشيخ البلوشي مولوي جمال زهي بطلق ناري، أثناء عودته من المسجد إلى منزله صباحا، بقرية رضا آباد في محافظة غولستان الواقعة على بعد 120 كيلومترا شمال شرق طهران.
ولم تتوصل الشرطة بعد إلى هوية القتلة وفق تصريحات عقيد الشرطة بمحافظة غولستان، مجتبى مروتي الذي أوضح أن رجل الدين الذي ينتمي إلى الأقلية القومية البلوشية “قتل في حدود الساعة السادسة صباحا قرب منزله برصاصة من سلاح صيد أصابته في رأسه من الخلف”.
فيما قالت وكالة الأنباء الرسمية إن الشيخ البلوشي أصيب بالرصاص أربع مرات لدى عودته إلى المنزل من المسجد.
وترجح العديد من المصادر أن تكون عملية قتل الإمام السني مرتبطة بـ”العدائية الشخصية والنعرات القبلية”.
ويعتنق أغلبية السكان في إيران المذهب الشيعي، في حين يشكل المسلمون السنة حوالي 10 بالمئة من الإيرانيين. وينص دستور البلاد صراحة على أن “السنة لهم الحرية في أداء الشعائر الدينية وفقا لذلك الفقه الديني”.
ويتم تعيين الأئمة الذين يؤدون صلاة الجمعة في إيران، سواء كانوا من السنة أو من الشيعة، من قبل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي باعتباره أعلى سلطة دينية وسياسية في إيران.
المؤتمر الدولي للوحدة الإسلامية السنوي أداة طهران لتسويق مشروعها الإقليمي الهادف إلى بسط هيمنتها
المسلمون السنة في إيران يعانون من تمييز كبير ضدهم، فالسلطات تمنعهم من إقامة شعائرهم الدينية في بعض المناطق، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، رغم أن الدستور الإيراني يضمن لهم ذلك. وكانت هيومن رايتس ووتش قد طالبت سابقا الحكومة الإيرانية بالوفاء بوعودها التي قطعها الرئيس حسن روحاني، بتحسين إجراءات حقوق الإنسان للأقليات الدينية بما في ذلك أهل السنة.
التمييز ضد السنة واضطهادهم من قبل النظام في طهران ليسا بالأمر الجديد فقد تحدثت تقارير إعلامية وحقوقية كثيرة في السابق عما يعانيه الأشخاص الذين يعتنقون هذا المذهب في إيران.
ولم يكن تقييد حرية أداء الشعائر الدينية الانتهاك الوحيد لحقوق السنة بل شمله أيضا مس من حقوقهم المدنية والسياسية، حيث انتقد النواب السنة في البرلمان الإيراني سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها السلطة المركزية في حق المسلمين السنة. وبعد يوم فقط من الإعلان عن خبر مقتل الإمام السني في رضا آباد، هاجمت كتلة نواب أهل السنة في البرلمان وزير الداخلية الإيراني عبدالرحمن فضلي بسبب ممارسات الأجهزة التابعة لوزارته والتي تنم عن تجاهل واضح لحق السنة في المشاركة في الحياة السياسية والإدارية وحرمانهم المتعمد من تولي المناصب في إيران، وهو المطلب الدائم لأهل السنة في إيران.
ضعف مشاركة أهل السنة في الفعاليات السياسية كان الموضوع الأساسي الذي اختاره نواب السنة في البرلمان لمساءلة وزير الداخلية، باعتباره الجهة التي تضمن تطبيق القانون في البلاد.
يعقد في طهران كل سنة المؤتمر الدولي للوحدة الإسلامية والذي يعد بحسب القائمين عليه والسلطة الإيرانية مؤتمرا للوحدة بين السنة والشيعة ويحضره علماء دين وشخصيات دينية من بلدان عديدة من العالم، لكن العديد من القراءات ترى فيه دليلا واضحا على “زيف” النظام الإيراني بالنظر إلى كل الانتهاكات التي يرتكبها في حق المسلمين السنة وغيرهم من أتباع الطوائف والأديان الأخرى داخل إيران.
المؤتمر الذي عقد من 24 إلى 26 نوفمبر الماضي اختار “القدس، محور وحدة الأمة” عنوانا وشعارا لدورته الثانية والثلاثين سعت من خلاله إيران إلى ترويج أنها تشترك في الرؤى والتطلعات والأهداف مع بقية دول “الأمة الإسلامية” لكنه في الحقيقة لم يكن سوى محطة أخرى لتسويق مشروعها الإقليمي الهادف إلى بسط هيمنتها على المنطقة العربية وإيجاد موطئ قدم لها في عدد من البلدان مستغلة في ذلك المشترك الديني. وبالنظر إلى ذلك يبدو أمرا مشروعا ومنطقيا التساؤل أين ذهب كل ذلك الحديث والإيمان بالوحدة الإسلامية حين مارس النظام الإيراني كل أساليب القمع والإقصاء والانتهاكات تجاه المسلمين السنة؟ وأين كانت كل قيم الإيمان بالقضايا العادلة حين داس النظام على حقوق الأقليات وتجاهل حرية الأديان والمعتقدات؟
الممارسات التي تستهدف المسلمين السنة في إيران كانت من بين مواضيع أخرى تهم حقوق الإنسان تتم إثارتها بشكل دائم وتعرض إيران إلى الانتقادات بسبب عدم احترامها لحقوق الأقليات الدينية والتعامل التعسفي ضد هذه الأقليات.
برايان هوك، الممثل الأميركي الخاص لشؤون إيران وفي تصريحات سابقة بمناسبة “المؤتمر الدولي حول حرية الدين”، قال إنه “في كل يوم في إيران، يعاني الرجال والنساء من مصائب كثيرة لا توصف بسبب معتقداتهم الدينية”، مشيرا إلى أن النظام الإيراني يستهدف البهائيين والمسيحيين واليهود والزرادشتيين والمسلمين السّنة والدراويش الصوفيين على وجه التحديد.
الكنائس كانت مستهدفة أيضا في العديد من المرات من قبل قوات الأمن في إيران، كما لم تسلم هي الأخرى من سياسات التمييز والاضطهاد المتبعة ضد الأقليات
وتحدث هوك صراحة عما وصفه بـ”النفاق المقزز” للمسؤولين في الحكومة الرسميين في إيران خاصة أنهم يعتبرون أنفسهم “حاملي لواء الإسلام”. وأفاد بأن “المسلمين السنة يتعرضون للقمع الحكومي، بما في ذلك القتل التعسفي والاعتقالات التعسفية والتعذيب أثناء الاحتجاز”، موضحا أنهم “محرومون بشكل دائم من السماح لهم بحرية العبادة، وخاصة في طهران”. هذا الوضع القاتم الذي يبرز انتهاكات حقوق الإنسان في إيران واستهداف الأقليات الدينية وقمعها بشتى الوسائل، دفع المجتمع الدولي إلى التحرك لمواجهة الممارسات القمعية للنظام في طهران ووضع حد لتعسفه.
وفي 15 نوفمبر الماضي، صادقت اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار يدين انتهاكات حقوق الإنسان في إيران بأغلبية 85 صوتا ومعارضة 30 بينما امتنعت 68 دولة عن التصويت.
هذا القرار الجديد، الذي من المتوقع أن يتم التصويت عليه في وقت لاحق من هذا الشهر في الجمعية العامة للأمم المتحدة، استند على تقارير كل من جاويد رحمن مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في إيران وأنطونيو غوتيرس الأمين العام للأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان في إيران.
نص القرار أكد أن “الحكومة الإيرانية لا تمتثل للمعايير والقواعد الدولية، حيث تشير التقارير إلى استمرار تعذيب السجناء والاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة وتهديد نشطاء حقوق الإنسان وتقييد حرية التعبير”. وفي أكتوبر الماضي قدم مقرر الأمم المتحدة الخاص بحالة حقوق الإنسان تقريره أمام اللجنة الثالثة في نيويورك، وطالب حينها بأن تسمح له الحكومة الإيرانية بزيارة البلد لإجراء تقييم لحالة حقوق الإنسان وحرمان الأقليات الدينية والعرقية من حقوقها الأساسية.
الانتقادات للنظام الإيراني تتواتر من حين إلى آخر وتكاد لا تتوقف بالنظر إلى استمرار طهران في انتهاكاتها، ففي عام 2016 أشار التقرير السنوي للجنة الأميركية للحرية الدينية حول العالم إلى أن اضطهاد الأقليات الدينية في إيران يصل في الكثير من الأحيان إلى الانتهاكات الدولية.
وأكد التقرير أن “أوضاع حرية الأديان والمذاهب في إيران أصبحت أسوأ من ذي قبل” وأنه “منذ وصول روحاني إلى السلطة في إيران عام 2013، أصبحت أوضاع حرية الأديان أسوأ من السابق”، مشددا على أن “السلطات الإيرانية لا تزال تنتهك حرية الأديان بشكل ممنهج ومستمر وفاضح”.
المسلمون السنة ليسوا الطائفة الوحيدة التي تتعرض للإساءة الممنهجة من قبل النظام الإيراني، فعلى سبيل المثال يتعرض البهائيون بدورهم إلى التضييقات بالإضافة إلى حرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية ولا يمكنهم الاحتفال بأعيادهم ومناسباتهم الدينية علنا.
جدير بالذكر أن ما يقارب 300 ألف بهائي يعيشون في إيران، وأن السلطات اعتقلت أكثر من 850 منهم في السنوات الأخيرة.
الكنائس أيضا كانت في العديد من المرات مستهدفة من قبل قوات الأمن في إيران، كما لم تسلم هي الأخرى من سياسات التمييز والاضطهاد المتبعة ضد الأقليات، ووفق تقرير اللجنة الأميركية للحرية الدينية حول العالم اعتقلت السلطات الأمنية الإيرانية 90 مسيحيا خلال الربع الأول فقط من عام 2016.
العرب