أمر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018، ببدء تنفيذ انسحاب “كامل” و”سريع” للقوات الأميركية من سورية. وقد نجم عن هذا القرار الذي جاء عبر تغريدة في “تويتر” صدمة كبيرة في واشنطن، وبين حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، خصوصًا أنه ترافق مع إعلان مسؤولين في البيت الأبيض نية الرئيس خفض القوات الأميركية العاملة في أفغانستان إلى النصف. ويخشى قادة سياسيون وعسكريون في واشنطن أن يترك قرار الانسحاب من سورية فراغًا يملؤه خصوم الولايات المتحدة، وتحديدًا روسيا وإيران، وهنا نتساءل عن تداعيات الانسحاب الأميركي من سوريا على تركيا؟
ترى التحليلات السياسية المتخصصة في الشأن التركي، إن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا، الذي كان له وقع زلزال في المنطقة، يكشف عن خلاف عميق بينه وبين رجال إدارته، وإنه يواجه معارضة من اللوبيات وجماعات الضغط التابعة لإسرائيل.ويشيرون إلى أن صقور الليبراليين والجمهوريين في الولايات المتحدة يرون في تنسيق الولايات المتحدة مع تركيا أثناء الانسحاب من سوريا يمثل هزيمة لبلدهم، في حين يرى بعض النقاد أن الانسحاب يمثل مكاسب لتركيا.ويقولون إن بعض أعداء تركيا المتطرفين والمتشبثين بعدائهم ينسون أن قرار ترامب الانسحاب من سوريا لا يعتبر محاباة لتركيا أو إعجابا بلون عيونها، بل لأن واشنطن أصبحت عالقة في سوريا ولم تعد تتحمل المزيد، إضافة إلى أن أبهة الولايات المتحدة الأمريكية وسيطرتها على العالم بوصفها قطبا وحيدا صارت على المحك، وأنها غدت بحاجة للتفرغ لتعزيز مكانتها.
ويشيرون إلى أن الرئيس ترامب يرى أن الانسحاب الأميركي من سوريا ليس خيارا يرغب فيه، بل واقعا فرضته المعطيات الحالية في سوريا، مضيفين أن ترامب يعمل على الوقوف أمام المد الروسي والصيني في العالم، وأنه يرغب في أن تكون تركيا في المعسكر الغربي في هذا السياق.ويضيفوغ أن ترامب أبدى رغبته في التعاون مع تركيا أثناء حملته الانتخابية، الأمر الذي جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبدي اهتماما خاصا بإستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في سوريا.ويقولون إن الجنرال الأميركي جيمس ماتيس قدّم عرضا للرئيس الأميركي ترامب بشأن إستراتيجيات الولايات المتحدة، وإنه بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإن ترامب قال بعد انتهاء العرض التفصيلي، الذي كان يرى فيه ماتيس تركيا منافسا جديدا، “هذه هي الأمور التي لا أرغب في فعلها”!ويلفتوا إلى أن الكثير من الآراء المؤيدة لترامب متحمسة لانسحاب الولايات المتحدة من سوريا، وأنها ترى أن أميركا توقفت بذلك عن تولي تنفيذ الأعمال القذرة لإسرائيل ولبعض دول الخليج.
ويرون أن قرار ترامب يمثل هزيمة لإسرائيل وانتصارا لتركيا، ولذا فإن الأطراف المدعومة من إسرائيل تتباكى معتبرة القرار هزيمة سياسية.ويضيفون أن على تركيا عدم الاكتراث لهذيان كل من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، اللذين يحاولان أن يُكسبا التنظيمات الإرهابية شرعية، متعللين بحماية الأكراد.ويختتم بأن محاولات رئيس الموساد الإسرائيلي يوشي كوهين إبرام اتفاق يضم مصر والإمارات والسعودية مآلها الفشل.
بينما ترى تحليلات سياسية أخرى أن الانسحاب الأميركي من سوريا سيعزز نفوذ روسيا وإيران فيها. ومع المكاسب التي حققها النظام السوري في الأشهر الأخيرة على الأرض، بدعم منهما، فإن انسحابًا أميركيًا الآن يعني فقدان الولايات المتحدة مكانها على طاولة التسويات السياسية القادمة، وسيخلّ بالتوازنات القائمة على الأرض. وسيضعف من الموقف التركي التفاوضي أيضًا. وسيمكّن قرار الانسحاب إيران من تعزيز نفوذها وتوسيعه في المنطقة، على الرغم من أن إدارة ترامب جعلت من احتواء إيران أولويةً قصوى لإستراتيجيتها في المنطقة، ومنها سورية. وسبق لبولتون أن قال، في أيلول/ سبتمبر 2018، إن الولايات المتحدة لن تنسحب من سورية، إلا إذا انسحبت القوات الإيرانية والمليشيات المرتبطة بها. ولعل هذا أحد أهم أسباب معارضة بولتون وبومبيو قرار ترامب، وكلاهما من صقور الإدارة، عندما يتعلق الأمر بإيران. وقد أعلن مسؤول في البيت الأبيض أنّ واشنطن ستستمر في استخدام عناصر القوة الأخرى مع إيران، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية والضغط الدبلوماسي، غير أن من المشكوك فيه أن تنجح تلك العناصر وحدها في تحجيم نفوذ إيران المتنامي في المنطقة.
يخشى المقاتلون الأكراد، وأنصارهم في واشنطن، مثل ماكغورك أنّ انسحابًا أميركيًا سيعني سحقهم من جانب تركيا. وبحسب مسؤولٍ في إدارة ترامب، فإن ماكغورك حاول إقناع كبار المسؤولين في إدارة ترامب بالسماح للمقاتلين الأكراد بالتواصل مع نظام الأسد، في محاولة للتوصل إلى اتفاق يحميهم من عملية عسكرية تركية، إلا أن جهوده، على ما يبدو، لم تحقق نجاحًا يُذكر، وهو ما دعاه إلى تقديم موعد تقاعده إلى آخر شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وقد اعتبر الأكراد قرار ترامب “طعنة في الظهر”. اما جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي كان قد اشترط على أنقرة إعطاء تطمينات بشأن سلامة الحلفاء الأكراد قبل سحب القوات الأميركية من سوريا.
وكان “اجتماع دون إجماع” هكذا انتهى لقاء مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بالمسؤولين الأتراك، الذي ناقش قضية انسحاب القوات الأميركية من شمالي سوريا. ووصف مراقبون زيارة بولتون للعاصمة أنقرة بالتكتيكية التي تهدف لكسب الوقت ومراوغة تركيا، مستبعدين في الوقت ذاته انسحابا أميركيا من منطقة شرق الفرات في ظل فقدان ثقة أنقرة بقرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي يشوبها الالتباس والغموض والتردد. وغادر مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون تركيا “غاضباً”، بعد أن رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استقباله في المجمّع الرئاسي بالعاصمة أنقرة. وكان الرئيس التركي قد وجه انتقادات قوية للإدارة الأميركية، واصفاً تصريحات بولتون في أثناء زيارته إسرائيل بشأن سورية بأنها “خطأ جسيم ولا يمكن أن تقبل بها تركيا”.وانتقد أردوغان، الذي كان يتحدث أمام أعضاء حزبه العدالة والتنمية في البرلمان، “تعدد الأصوات” في الإدارة الأميركية، موضحا: “رغم توصلنا إلى اتفاق واضح مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب (بشأن شرق الفرات)، إلا أن هناك أصواتا مختلفة بدأت تصدر عن إدارته وتقول أمورا مختلفة”.
وقال إن “قتال وحدات حماية الشعب السورية الكردية لتنظيم “داعش” ليس سوى كذبة كبيرة”، مضيفا أن “ادعاءات استهداف الأكراد (من قبل تركيا) هو افتراء دنيء”.وشدد على أن “وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني وجهان لعملة واحدة”، وأن “تركيا لا يمكنها التنازل في قضية الوحدات”، مبرزا أن “متمردي حزب العمال لا يمكن أن يكونوا ممثلين للأكراد”.وأوضح أنه “بفضل جهود جنودنا الأبطال في القضاء على “داعش”، دخلت سورية مرحلة التخلص من بلاء هذا التنظيم بسرعة، ولكن لا يمكننا قبول الرسالة التي بعثها بولتون من إسرائيل”.وأعلن الرئيس التركي أن بلاده “ستبدأ قريباً جداً التحرك ضد التنظيمات الإرهابية في الأراضي السورية”، مشيرا إلى أن “تركيا هي التي تحملت العبء الأكبر للأزمة الإنسانية الحاصلة في سورية. وهي الدولة التي تكافح الإرهاب بشكل حقيقي”، وأن الولايات المتحدة في المقابل، “ما زالت تماطل في قضية منبج السورية”.
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين إن التخطيط للانسحاب الأميركي من سوريا يجب أن يتم بعناية ومع الشركاء المناسبين وإن تركيا هي البلد الوحيد الذي يملك “القوة والالتزام لأداء هذه المهمة”.وأضاف أردوغان في مقال بصحيفة نيويورك تايمز، قبل يوم من لقائه مع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، أن تركيا ملتزمة بهزيمة تنظيم داعش “والجماعات الإرهابية الأخرى” في سوريا.وأشار إلى أن”الرئيس ترامب اتخذ القرار الصائب بالانسحاب من سوريا”، محددا “استراتيجية شاملة” لتركيا للقضاء على أسباب التطرف في سوريا.وكتب أردوغان “الرئيس ترامب وجه الدعوة الصحيحة للانسحاب من سوريا. ومع ذلك، يجب التخطيط لانسحاب الولايات المتحدة بعناية وتنفيذه بالتعاون مع الشركاء المناسبين لحماية مصالح الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والشعب السوري”.
وحذر الرئيس التركي من أنه يجب على المجتمع الدولي تجنب ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبها في العراق.وكتب أردوغان يقول “يتمثل درس العراق، حيث نشأت هذه الجماعة الإرهابية (الدولة الإسلامية)، في أن إعلانات الانتصار المبكرة والأعمال الطائشة التي يميلون إلى تحفيزها تخلق مشكلات أكثر مما تحل”.وأضاف “تتمثل الخطوة الأولى في إنشاء قوة استقرار تضم مقاتلين من جميع أطراف المجتمع السوري. ولا يمكن إلا لهيئة متنوعة أن تخدم جميع المواطنين السوريين وتطبق القانون والنظام في شتى مناطق البلاد”.
قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، اليوم الجمعة، إن بلاده أعدت الخطط اللازمة للعملية العسكرية المرتقبة شرق الفرات في سورية.وشدد أكار، خلال تفقده الوحدات العسكرية التركية المتمركزة على الحدود مع سورية، على أنه “سيتم دفن الإرهابيين شرق الفرات في الحفر التي حفروها في المكان والزمان المناسبين، مثلما جرى خلال العمليات السابقة”، مؤكداً تصميم أنقرة “بكل قوة على إنهاء الإرهاب أينما كان، سواء داخل حدودها أو خارجها”.وفيما شدد الوزير التركي على أن “الإرهابيين هدفنا الوحيد”، قال: “أمامنا منبج وشرق الفرات، أعددنا الخطط اللازمة بهذا الخصوص وتحضيراتنا تتواصل بشكل مكثف”.
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، قد أعلن أمس الخميس، أن بلاده ستبدأ عملية عسكرية ضد المسلحين الأكراد في شرق الفرات بسورية، لافتاً إلى أن العملية لا تتوقف على الانسحاب الأميركي من سورية.وأضاف، في مقابلة مع قناة “إن تي في” التلفزيونية، أن من غير الواقعي توقع أن تسحب الولايات المتحدة كل الأسلحة التي أعطتها لحليفتها “وحدات حماية الشعب” الكردية، والتي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية.وأكد جاووش أوغلو أنه قد تم إخبار الولايات المتحدة بأن تركيا ستوفر كافة أشكال الدعم اللوجيستي خلال عملية انسحاب القوات الأميركية من سورية، التي أعلن عنها الشهر الماضي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.وتابع أنه “يجب عدم السماح للإرهابيين بالاستفادة من الفراغ الذي سيحصل خلال انسحاب القوات الأميركية”، موضحا أن تنظيم “حزب العمال الكردستاني حاول استغلال الجميع حتى اليوم”. وشدد على أنه “لو طُبّقت خارطة الطريق حول منبج كما هو متفق عليه، لكانت إدارة المنطقة بيد سكانها”.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية