يرى محللون سياسيون أن هناك تحركات عربية وأميركية تصبّ في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، لا سيما قبل قمة تونس في مارس/آذار المقبل، لأسباب بينها بشكل رئيسي إبعاد إيران عن المنطقة.
وأوضح أكاديمي بالجامعة الأميركية في مصر لوكالة الأناضول، أن زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تهدف لحلحلة تلك العودة التي تساعد في تحميل الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، ملف إعادة إعمار سوريا.
ويؤكد الخبير الثاني، وهو متخصص في العلاقات الخارجية بجامعة القاهرة، أن لغة السعودية تغيّرت ولم يعد هناك تمسك بالمواقف القديمة التي تصل للإطاحة بنظام بشار الأسد، بالتوازي مع وجود مناخ عربي يتشكل في إطار عودة العلاقات.
ومؤخرا، التقى الرئيس السوداني عمر البشير الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، في أول زيارة لرئيس عربي منذ اندلاع الثورة السورية، وتلاها إعادة الإمارات فتح سفارتها بسوريا، وتأكيد البحرين استمرار عمل سفارتها هناك أيضا.
وفي تصريحات سابقة، أكد الملك الأردني عبد الله الثاني أن بلاده باتجاه إعادة العلاقات مع سوريا “كما كانت من قبل”.
وبحسب أجندة أعمال الجامعة العربية، فإن ثلاثة اجتماعات مرتقبة على المستوى الوزاري ستعقد في كل من بيروت بنهاية الشهر الحالي ضمن القمة الاقتصادية العربية، ومدينة شرم الشيخ المصرية في فبراير/شباط المقبل تحضيرا للقمة العربية الأوروبية ولقمة تونس العربية في مارس/آذار المقبل.
وقررت الجامعة العربية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 تجميد مقعد سوريا على خلفية لجوء الأسد إلى الخيار العسكري لإخماد الاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكمه.
وفي مارس/آذار 2012، قرر مجلس التعاون الخليجي سحب سفراء الدول الست من سوريا.
تعويم النظام
في هذا الموضوع، يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة طارق فهمي إن هناك نقاشا ممتدا بين الدول العربية وسوريا، لكن هناك تطورات مفصلية في اتجاه إعادة تعويم النظام السوري.
ويشير فهمي إلى الزيارات واللقاءات والخطوات التي اتخذت خلال الفترة الأخيرة، وأهمها عودة الطيران بين دول عربية عدة دمشق، وكذلك فتح الحدود بين سوريا والأردن.
ويرى أن هذه الخطوات نحو تعويم النظام السوري تؤكد أن الخط العام حاليا هو إعادة سوريا إلى الدائرة الخاصة بها عربيا.
ويؤكد أن قرار عودة سوريا سيكون خلال الأسابيع المقبلة وقبل قمة تونس في مارس/آذار المقبل، فنحن أمام تطورات حاسمة، بالإضافة إلى حرص كبير من مجلس الجامعة على ذلك. ويتفق معه أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية سعيد صادق، ويقول إن هناك شبه إجماع عربي على عودة سوريا إلى المحيط العربي، تؤكده المساعي الأخيرة للسودان والإمارات والبحرين وتصريحات المسؤولين العرب.
ويقول صادق إن أحد البنود التي ستناقش خلال جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، التي بدأت الثلاثاء للمنطقة، هو إعادة إعمار سوريا والضغط على الخليج لإتمام هذه الخطوة ولو من خلال عودة سوريا لمحيطها العربي. وغرد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر حسابه بتويتر نهاية الشهر الماضي، قائلا “وافقت السعودية الآن على إنفاق الأموال اللازمة للمساعدة في إعادة إعمار سوريا بدلا من الولايات المتحدة”، غير أن الرياض نفت ذلك لاحقا.
تحديات
ويلفت صادق إلى أن هناك مشكلات في العودة عبر اعتراضات لدى بعض الدول العربية وتحفظها على عودة النظام السوري، وكذلك الدور العربي في إعمار سوريا والدول المشاركة فيه.
وعن إمكانية اعتراض السعودية عودة سوريا، يرى فهمي أن عودة سفارتي الإمارات والبحرين توحي بأن هناك أمرا من دول الخليج يصبّ في اتجاه تطبيع العلاقات مع سوريا، خاصة أن هاتين الخطوتين لم تلقيا اعتراضا من السعودية.
وتابع “لكن لغة السعودية تغيرت ولم يعد هناك تمسك بالمواقف القديمة، وواضح أن هناك تغييرا بالتوازي مع وجود مناخ عربي يتشكل في إطار عودة العلاقات”.
وعن حديث وزير الخارجية المصري سامح شكري عن ضرورة إقدام الحكومة السورية على اتخاذ خطوات ضرورية للحفاظ على الأمن والاستقرار والسيادة وتفعيل المسار السياسي للخروج من الأزمة، يقول فهمي إن الحديث يؤكد عدم رجوع النظام بشكل مباشر، وعلى سوريا أن تقدم أوراق اعتماد جديدة لنظام الإقليم العربي، وفي مقدمتها ابتعاد النظام السوري عن إيران.
ويشير إلى أن الطلبات المصرية جار تنفيذها، وكان أحدثها زيارة رئيس مكتب الأمن الوطني بالنظام السوري علي المملوك للقاهرة، ولقاءه رئيس المخابرات المصرية عباس كامل ضمن التنسيق الأمني بين البلدين.
وزار المملوك القاهرة يوم 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث بحث مع رئيس المخابرات المصرية القضايا الأمنية والسياسية ومكافحة الإرهاب.
وكشف الأكاديمي المصري عن إمكانية عقد قمة أردنية سورية قبل قمة تونس، وكلها أمور ستستوفيها سوريا سريعا للعودة إلى المناخ العربي.
واختتم فهمي كلامه بالتأكيد على أنه “قبل قمة تونس ستكون هناك إجراءات مسبقة واحترازية لعودة سوريا للجامعة العربية”، منها ما يتعلق بوجود إيران في سوريا.
في الاتجاه ذاته، يعتبر الأكاديمي المصري سعيد صادق أن التقارب العربي مع سوريا هدفه بالأساس بالنسبة لدول الخليج إضعاف الوجود الإيراني.
ويضيف صادق أن الخليج ارتأى أن ترك الساحة السورية لإيران غير مجد، وأن الظروف الحالية مواتية للعودة خاصة أنها تأتي بالتوازي مع أزمة اقتصادية طاحنة في إيران، وهو ما يجعل من الوجود الخليجي قويا في إعادة الإعمار.
ويعتبر صدقة فاضل، عضو مجلس الشورى السعودي السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك عبد العزيز، في تصريحات صحفية أن المنطقة العربية في أمسّ الحاجة إلى سوريا، وأنها تمثل خط الدفاع الأول للأمن القومي العربي.
ويضيف فاضل أن النظام السوري في فترة ما فقد مصداقيته، وهو ما تطلب تجميد العضوية من الجامعة، وهذا الأمر لم يكن يعني طرد سوريا من الجامعة، إلا أن الجهود الدولية والإقليمية والعربية تتجه الآن نحو حل الأزمة سياسيا، التي يأمل الجميع أن تحقق الحد الأدنى من بنودها، وأن يختار الشعب السوري النظام الذي يمثله مستقبلا، خاصة في ظل صعوبة تغيير النظام الحالي.
وكان فيصل المقداد نائب وزير خارجية النظام السوري أشاد في تصريحات مؤخرا بما اعتبرها “جهودا” بُذلت من بعض الدول العربية والتي تبذل الآن من أجل عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.
الجزيرة