يخلط كثيرون عند الحديث عن سياسة إيران الخارجية بين توجهاتها في الدفاع عن نفسها خارج حدودها وبين استراتيجيتها في تصدير الثورة الإيرانية، فالثانية هي الأصل وهي الفعل المبادر وأما الأولى فهي رد فعل (وفق ادعاء الإيرانيين) ودرس تعلموه بعدما فشلوا في تصدير الثورة الإيرانية والإطاحة بالأنظمة المجاورة بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
لقد تصدّى العراق آنذاك لهذا الطموح الإيراني التوسعي الجامح. لكن وبعد أن أسقط الأميركيون الكماشة التي كانت تطبق على أيادي الإيرانيين في الشرق والغرب، تنفس الإيرانيون الصعداء وكانت جيوش ميليشياتهم التي دربها الحرس الثوري وسلحها عقائديا وأيديولوجيا وماليا جاهزة للانتشار والعمل.
مهمّة الحرس الثوري باختصار ليست الدفاع عن النظام الإيراني أو عن إيران، فهناك جيش للدولة الإيرانية وهناك ميليشيات الباسيج، أما الحرس الثوري فأولى مهماته الدفاع عن الثورة الإيرانية وعن ما تمثّله هذه الثورة والعمل على نشرها وتصديرها إلى المنطقة، وبهذا المعنى فإن مهمة الحرس ليس دفاعيّة وإنما هجومية.
فيلق القدس في هذا الحرس هو ركيزة العمليات الخارجية القذرة، وقائده الجنرال قاسم سليماني يجسّد اليوم المشروع الإيراني في المنطقة بكل تفاصيله. جنرال الوحش الطائفي في العالم العربي يجوب مستعمراته بارتياح، يعطي الأوامر وينشئ المجموعات الإرهابية ويدربها ويسلحها ويقودها، وبدل الواحدة هناك خمسين اليوم. ورغم دوره المشهود له بالتخصص في كافة أعمال الإرهاب والترهيب، إلا أنه لا يزال يتمتع بغطاء أميركي!
في التقرير الذي نشرته صحيفة «الواشنطن بوست» بتاريخ 30 يناير 2015 تحت عنوان «السي آي إيه والموساد قتلوا مسؤولا رفيعا في حزب الله بتفجير سيارة»، وردت أول رواية متكاملة عن الكيفية التي تم فيها قتل عماد مغنيّة، المسؤول العسكري الأرفع في حزب الله والمتهم بالقيام بعمليات إرهابية في الكويت منذ الثمانيات. الرواية التي سربها على ما يبدو جهاز أمني، تذكر بكل وضوح في إحدى فقراتها بأنّه وخلال العملية التي تم تنفيذها لقتل عماد مغنّيّة عام 2008، كان قاسم سليماني متواجدا في المكان نفسه وكان بإمكان الموساد و»السي آي إيه» اغتياله وكل ما كان عليهم فعله هو الضغط على الزناد ولكنّهم لم يفعلوا ذلك لأنّهم لم يمتلكوا التصريح القانوني لفعل ذلك، ولم يكن هناك أمر رئاسي بذلك كما يقول المسؤول الرسمي الأمني في النص المنشور!
عدم وجود أمر رئاسي بقتل سليماني لا يزال ساري المفعول على ما يبدو عند الرئيس أوباما، فالأخير لا يبدو متذمرا أو منزعجا من تحرّكات زعيم أكبر جيش ميليشياوي في العالم في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن، لم يكلّف أي طرف إقليمي أو دولي نفسه حتى عناء إدانة خرق سليماني لقائمة العقوبات الدولية الطويلة المفروضة عليه وعلى حرسه الثوري، أو رفعها إلى الأمم المتحدة أو الضغط على إيران للانصياع لها، لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ولا أحد.
لم تمنع قائمة العقوبات الطويلة الدولية والأميركية والأوروبية المفروضة على قاسم سليماني ومنها القرار الصادر عن مجلس الأمن 1747 عام 2007، ولائحة العقوبات الأميركية 18 مايو 2011، ولائحة العقوبات الأوروبية 24 يونيو 2011 من أن يعمل الأميركيون معه. اليوم يعمل سليماني بحريّة تامة تحت الرادارت الأميركية وبالتنسيق معهم ويقود عمليات اجتياح برّية وجوية في عمق العراق وسوريا لأوّل مرة منذ إنشاء الجمهورية الإيرانية.
أكثر من ذلك، المقاتلون الأجانب التابعون للحرس الثوري لا يعتبرون على ما يبدو اليوم «مقاتلين أجانب» في القوانين الدولية الأخيرة التي تم إصدارها، فقد تمّ استثناؤهم! أما المجموعات المدرجة سابقا منهم على لوائح الإرهاب بما فيها لوائح الإرهاب الأميركية فقد تمّ غضّ النظر عنها، ليس هذا فقط بل يتم تسليحها كما يجري في العراق ويتم تأمين الإطار الشرعي لعملها من خلال حكومة مسخة ويتم الدفاع عنها في المؤتمرات والاجتماعات المغلقة كما جرى في اجتماع باريس الأخير، ويتم تأمين سلاح جو أميركي لمساندتها.
لكن لماذا؟ مرّة أخرى الجواب في الصفقة الأميركية- الإيرانية التي لا يبدو أنّها تقتصر على الملف النووي. إدارة أوباما تمّهد المسرح الشرق أوسطي لإيران بكل ما للكلمة من معنى، وما يحصل اليوم سيكون من الصعب جدا على أي رئيس أميركي أو تحالف دولي أن يعكس مجراه أو يوقف تداعياته لعقود طويلة. علينا الاستعداد للأسوأ!
علي حسين باكير
صحيفة العرب القطرية