لا عاقل يَنتظر في العراق المصالحة، لسبب بسيط أن لا وجود لمن يتصالح… فالمصالحة تكون بين أناس بوجهات نظر متباينة ومختلفة، أو بين أناس سياسيين، أو على الأقل بين أناس أسوياء ولا يتباهون بأوهامهم وأكاذيبهم.. وأنهم الذين خدعوا أمريكا وجرجروا رجلها وجاؤوا بدباباتها لاحتلال العراق ثم طردوها شر طردة بعد ذلك… والحال إن هناك تفاهما واتفاقا على أن من يتقدمون ويحتلون واجهة العراق هم من سياسيي الصدفة… وبينهم من لا يتوفر على كفاءة ولياقة قيادة دائرة صغيرة أو بضع عسكريين… وأنهم الأبعد عن الثقافة الإنسانية ومعرفة منجزات الفكر… وقد كان ذلك الداعية بمثابة استثناء وهو يتعرض لكتاب فوكوياما عن صراع الحضارات وتوقعه التوجه الغربي للاصطدام بالإسلام كخط صدع قادم.. فالإسلاميون السياسيون، وكما تكشفوا بوضوح، تدمع عيونهم على المنصب والكرسي.. وتوقفوا عند ثقافة معروفة… فمع من المصالحة؟ مع أموات؟ مع متحجرات؟؟
إن من يعرف أولي الأمر في العراق سيكون على يقين انه أمام كائنات منقطعة تماما عن هم ومشاغل الدولة والمجتمع… كائنات غاطسة في مطامعها وامتيازاتها وفي مضاعفتها.. فهم لا يفهمون لغة الدولة والإدارة والدبلوماسية والحوار والتصالح… فواجهة السياسة: أجهزة الدولة.. ما زالت بعيدة ولم تنتظم الكهرباء ومنذ الاحتلال ولم تتوفر الخدمات والأمان ولم تتوفر دائرة واحدة تخلو من الفساد فمن أين تأتي المصالحة؟ ومن يتولاها؟ إنهم بواقعهم وأفعالهم ومنطقهم لا يقنعون الصبيان…. ولا يمكن انتظار تفاهم ووئام ومصالحة وقيام دولة مدنية بل ولا دولة من طراز الدول المدقعة والمتخلفة.. فقد وثبت دول أخرى من جوعها وتخلفها الى مصاف الدول المحترمة بأقل من سنوات احفاد الزهد والسماحة والآتين بنموذج للدولة تتعانق فيها وحوش الغابة وتدفع البشرية للهتاف والسؤال: أين كنتم كل هذا الوقت إذن؟؟؟ لا.. لم يحدث شيئا من هذا… والتجربة تعزز اليأس وتوقع الأسوأ… فأية مصالحة بين لصوص ورعاع ومتاجرين بالدين والمذهب والتاريخ؟؟؟
منطق المتدين من الإسلاميين السياسيين غير منطق السياسة وما يتطلبه من مناورة… فهل هذا يدعو للتشاؤم بشأن المصالحة؟؟ ولكن هل يفهم سياسي الصدفة روح الدين واستلهم أخلاق ومبادئ رموزه العظام؟؟ ولماذا لا يقال بأن السياسيين اللصوص الحثالة طفيليات المذهب والدين هم الذين يتطيرون من المصالحة وينظرون إليها كتهديد لوجودهم برمته؟؟ وإنهم سيخسرون وسيلة من وسائل مناغاة البسطاء من العراقيين؟؟ ثم.. إن المصالحة بحاجة إلى قدر من سلامة القلب ورجاحة العقل وقوة الشخصية في حين تضيق عين سياسي الصدفة وتاجر الطائفية ولا يطيق من يشاركه ثروة ونفوذ وسلطة بحجم العراق… فكيف لا تكون المصالحة مجرد خرافة؟؟؟
حاتم حسن
المشرق