الباحثة شذى خليل *
قبل عام 2003 كانت المخدرات وتجارتها في العراق محدودة للغاية إن لم تكن شبه معدومة ، حيث كان العراق أنموذجا لأنظف بلد من المخدرات على صعيد بلدان المنطقة ، بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي كانت تتخذها الدولة ضدها ، فالدولة العراقية كانت تتعامل مع الغرام الواحد من المخدرات بالشدة نفسها التي كانت تتعامل بها مع التجار الكبار والكميات الكبيرة ، وبالتالي شكلت الدولة في حينها قوة ردع أمنية لعدم السماح بظهور وانتشار هذه الظاهرة.
إذ أشارت عضوة لجنة الصحة النيابية ، غادة الشمري ، إلى أن المحافظات الجنوبية كانت شبه خالية من المتعاطين للمخدرات ، إلا أنها بدأت بالتزايد تزامناً مع حظر المشروبات الكحولية بعد عام 2003 ، داعيةً إلى رفع الحظر عن المشروبات الكحولية كون معالجة آثار الإدمان عليها أخف وطأة من معالجة آثار الإدمان على المخدرات ، خاصة وأن المحافظة تفتقر إلى مركز تخصصي لمعالجة وتأهيل المتعاطين والمدمنين.
وتشير الدراسات الاجتماعية والاقتصادية التي تخص هذا الموضوع إلى وجود السبب الاقتصادي ، وعدة أسبابٍ أخرى أبرزها ظهر بعد عام 2003 ، وهو الاتجاه الأول ، حيث أهملت طاقة الشباب ، وتراجعت الأندية ومراكز الشباب والمراكز العلمية ، وتوقفت أو قلت فرص العمل للخرجين وغيرهم من اليد العاملة التي تبنى بهى الشعوب والحضارات ، بالإضافة الى قلة الانشطة الاقتصادية المربحة ، والتي قد تؤدي إلى الاتجار بأنشطة غير مشروعة لغرض تحقيق مكاسب مالية مرتفعة ، وهذا ما لمسناه في العراق خاصة ، وأن البعض من التجار في مناطق وسط وجنوب العراق ، عملوا على الاتجار بالمخدرات بغية تكوين ثروات مالية طائلة ، الاتجاه الثاني ، وهو الشخص الذي يبحث عن عمل فالكثير من متعاطي المخدرات هم من الذين لا يجدون فرص عمل مناسبة ، وبالتالي الفراغ والضياع وفقدان الهدف الذي يسعى الانسان لتحقيقه ، ويولد طريق الموت والخراب المجتمعي .
ومن جهتها أعربت الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات في العراق ، عن “قلقها البالغ” من تزايد أنشطة عصابات تهريب المخدرات داخل البلاد ، محذرةً من أن آفة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي أصبحت عاملاً آخرا يُضاف إلى طرق الموت المتعددة ، التي تستهدف شريحة الشباب العراقي كل لحظة ، وتنذر بتخلي البلد عن موقعه ضمن قائمة الدول الفتية ، وتضيف عبئاً آخر على أعباء الحكومة الجديدة وفقاً لتقرير صدر عن الهيئة.
وبحسب إحصائية الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات- أن عدد المدمنين المسجلين هو 16 ألف مدمن، بينهم أكثر من ألف طفل تتراوح أعمارهم بين (10- 14 عامًا) في محافظة بغداد وحدها، في حين أكد التقرير الصادر عن الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات أن العراق أصبح ممرًا رئيسًا لتجارة المخدرات، وخصوصًا مدينة البصرة؛ كونه يقع وسطًا بين الدول المنتجة كإيران، والمستهلكة، ومعلوم أن الدول التي تصبح معبرًا للمخدرات يتعاطى 10% من أبنائها هذه الآفات المهلكة ويدمنونها.
من أين تأتي المخدرات .. وكيف تنتشر ؟!
وأشار مكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة ، إلى وجود ممرين رئيسيين لدخول المخدرات الى العراق ، والذي تحوَّل إلى مخزن تصدير تستخدمه مافيات المخدرات ، مستفيدة من ثغرات واسعة في حدود مفتوحة وغير محروسة مع إيران.
• فالممر الأول ، وتستخدمه العصابات الإيرانية والأفغانية ، عبر الحدود الشرقية التي تربط العراق مع إيران .
• أما مافيا تهريب المخدرات من منطقة وسط آسيا فتستخدم الممر الثاني وصولاً إلى أوروبا الشرقية .
• إضافة إلى الممرات البحرية الواقعة على الخليج العربي والتي تربط دول الخليج بعضها ببعض ، مستغلين بذلك:
طول الشريط الحدودي الذي يزيد عن 1200 كيلومتر .
الصعوبة التي تحول دون قدرة حرس الحدود على ضبط الشريط الحدودي الطويل .
إضافة إلى ضعف إمكانية الأجهزة الأمنية وافتقارها للمعدات اللازمة لكشف المخدرات.
وفي المعبر أو الممر الثاني الذي تستخدمه مافيا المخدرات التي تتبع دول وسط آسيا ، فيستهدف أوروبا الشرقية التي من خلالها تصل إلى شمال العراق عن طريق تركيا .
فضلًا عن تهريبها عن طريق الموانئ العراقية المطلة على الخليج العربي ، والتي تصل إلى محافظة البصرة الجنوبية على وجه الخصوص.
تفاقم الظاهرة وصل لحد زراعة المخدرات محلياً ، إذ تعد المحافظات الوسطى والجنوبية في العراق الأكثر عرضة للمخدرات ، وانتشار تجارتها في المحافظات الجنوبية ، فضلاً عما يتم تهريبه من الدول المجاورة ، ما يستدعي تكثيف الجهود في هذا المجال ، وتكثر زراعة المخدرات محليًّا في المحافظات التي تشهد توترًا أمنيًّا مثل محافظة ديالى.
ويؤكد مسؤولون أمنيون أن تنامي تجارة المخدرات وتعاطيها في العراق يزدهر في المحافظات التي لها حدود مشتركة مع إيران ، فضلًا عن المدن المقدسة كالنجف وكربلاء وهذه المحافظات هي “واسط والبصرة وميسان وديالى” بالإضافة إلى السليمانية في إقليم كردستان.
وتعد الضغوط الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة التي يشهدها المجتمع نتيجة الوضع الأمني المتدهور ، والحروب التي يشهدها العراق ، من اهم أسباب اتساع ظاهرة انتشار المخدرات وتعاطيها في العراق منذ العام 2003 ، ما جعل الأجهزة الأمنية منهمكة في حروب داخلية وبعيدة إلى حد ما عن هذه المعضلة ، وعن تفشي ظاهرة الإدمان على المخدرات في العراق ، يقول الباحث في علم الاجتماع التربوي الأستاذ علي حميد : إن طبائع المجتمع العراقي والعادات والتقاليد تجعل الأشخاص من الذين يعانون من مشاكل معينة يلجؤون إلى المخدرات بدلًا عن الكحول كما هو معروف في دول أخرى ، فالمخدرات صغيرة الحجم ويمكن إخفاؤها ، كما أنها بدون رائحة وبالتالي فليس من السهل على الأشخاص اكتشاف المدمن على المخدرات ، على عكس المدمن على الكحول.
علاوة على أن الادمان على المخدرات هو مرض ، فعلى هذا الاساس لابد أن تتوفر مناخات صحية لمعالجة هذا المرض من جذوره ، خاصة وأن اهم اسباب هذا المرض هو الفشل التعليمي الذي لو استطعنا احتواء هذا المضمون من خلال تطوير العملية التعليمية ، نستطيع من خلال ذلك أن نقفز على الحاجز العمري وردم فجوة الادمان في سن المراهقة ، الشيء الآخر ويكمن في التوجيه الاجتماعي والارشاد الاجتماعي لمواجهة خطره ، والأهم التركيز على تفعيل الجانب القانوني ، وتنفيذ عقوبة الإعدام من اهم النقاط لتجفيف منابع المخدرات ، وضبط الحدود من الأوليات .
فاليوم في المدارس المتوسطة والاعدادية ظاهرة التدخين تعتبر جدا طبيعية ، وأحد اسباب الذهاب نحو الادمان هو التدخين نفسه ، وبالتالي ان اصدقاء السوء هم الذين يؤدون إلى دخول الانسان في الادمان ولو بشكل بسيط في بداية الأمر ومن ثم يتطور.
من جهتها حذرت وزارة الصحة العراقية من انتشار تعاطي وإدمان وترويج المخدرات في المحافظات العراقية ، ودعت الى إنشاء مصحّات لمعالجة المدمنين ، وتأهيلهم والاهتمام بالتنمية البشرية.
وهنا علينا الانتباه الى نقطة مهمة ، فلا بد أن يكون هناك توجيه أسري واجتماعي ومدرسي بغية مراقبة الشباب وما يحيط بهم .
أيضا من الاسباب المهمة لانحدار الشباب نحو المخدرات هو غياب الحاضنات الترفيهية والملاعب الرياضية والنوادي الثقافية والاجتماعية التي تملأ وقت الفراغ ، كما أشرنا سابقا ، إضافة إلى ذلك فإن النموذج التربوي الذي تعتمده الأسرة هو ايضا عامل مهم في ترويض الشاب وصقل مواهبهم ، وخلاف ذلك يتحول الشاب نحو الطاقة السلبية ، وهي التركيز على توفير فرص عمل ومحاولة فسح المجال امام القطاع الخاص ، ونشر الوعي داخل الاسرة والمدرسة ، لذلك فإن معالجة هذا الأمر لا يتم عن طريق المنع ، بل ربما هو يوفر قنوات سرية ، وعندها لا يتم حل المشكلة ، لذا فالحلول لابد أن تعالج الاسباب التي ادت الى تشكل هذه الظاهرة.
وعلى وزارة الداخلية العراقية ضرورة ضبط الحدود مع دول الجوار في محاولة للسيطرة على دخول وتعاطي المخدرات ، واعتبار فلسفة الدولة والمجتمع والجانب الديني والأسرة والمدرسة من أهم العوامل المساهمة في التصدي لهذه الآفة الخطيرة.
ولفت ضباط أمن عراقيون إلى أن نسبة الجريمة المرتفعة في بغداد ، يقف وراء أغلبها متعاطون للمخدرات.
ويقول العقيد سالم حسين الموسوي من شرطة العاصمة بغداد: إن انشغال الشرطة وقوى الأمن بالحرب على التنظيم الإرهابي “داعش” أنعش عصابات الجريمة المنظمة ووسع نشاطها في جرائم تهريب وترويج المخدرات أو السرقة والسطو المسلح ، وفي الوقت نفسه إلى ضرورة فتح مركز تخصصي متطور لمعالجة الإدمان في كل محافظة وبالتعاون مع المؤسسات الحكومية المحلية والوطنية ، للحد من هذه الظاهرة السلبية في المجتمع العراقي.
وأوضح مدير مستشفى ابن رشد وهو المستشفى الوحيد في العراق لمعالجة حالات الإدمان على المخدرات ، ان أعداد المرضى بعد 2003 وصل الى 70 بالمئة ، وأن الوضع العام للإدمان بات أكثر انتشاراً ، وأصبح منظر المراهقين والأطفال في الشوارع أكثر بشاعة ، خاصة وهم يقومون بشم مواد مخدرة بدائية عالية السمية ، مثل البنزين والتنر وغيرهما ، كما بات بعضهم يتعلم كيفية صنع مواد أخرى غير مألوفة تعطي الأثر نفسه ، بإرشاد جانحين كبار.
وتواجه بعض المليشيات والأحزاب الدينية اتهامات مباشرة من الشارع العراقي بالوقوف وراء تهريب وتجارة المخدرات التي باتت مصدر دخل مالي لبعضها ، وانتشرت حملات توعية دينية في المناطق الفقيرة والعشوائيات ، تحذر من خطورة المخدرات وتعاطيها ، وتشير تقارير طبية عراقية إلى أن أوساط المليشيات الأكثر تعاطياً للمخدرات في البلاد.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية