على عكس البيان الأول للجيش، كان الفرح في ساحة الاعتصام بالخرطوم عارما ببيان رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول عوض بن عوف بتنحيه وتسمية الفريق أول عبد الفتاح البرهان خلفا له.
وأكد بن عوف في بيان مقتضب لم يتجاوز بضع دقائق أن نائبه الفريق أول كمال عبد المعروف قد طلب إعفاءه وأصر على ذلك رغم محاولات لإثنائه.
وعندما تلا بن عوف البيان الأول الذي خلع فيه الرئيس عمر البشير كانت الفرحة منقوصة بساحة الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش، وعلى الفور سرت حالة من الإحباط رغم تقاطر مئات الآلاف للاحتفال بتنحية البشير الذي حكمهم 30 عاما.
وعلت الهتافات في ساحة الاعتصام “ثوار أحرار حنكمل المشوار”، و”حرية سلام وعدالة.. الثورة خيار الشعب”، بينما رفع المعتصمون يوم الخميس شعارات مناوئة لعوض بن عوف.
وكان عبد الفتاح البرهان المفتش العام للقوات المسلحة من بين الأسماء المرشحة لترؤس المجلس العسكري الانتقالي، وعمل سابقا رئيسا لأركان القوات البرية، وهو من بين القادة الذين أوكلت إليهم مهمة التحفظ على الرئيس المخلوع.
وهذه أقصر فترة لحاكم في السودان، حيث أن بن عوف لم يقض في منصبه سوى نحو 23 ساعة وأربعين دقيقة.
وكان انقلاب فاشل بقيادة هاشم العطا ضد جعفر نميري قد مكن الأول من حكم البلاد حوالي ثلاثة أيام فقط في 19 يوليو 1971.
وظهر يوم الجمعة رئيس المجلس العسكري الجديد في ساحة الاعتصام وهو يدخل في نقاش مع رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ.
وكان المعتصمون في محيط القيادة العامة للجيش منذ السادس من أبريل/نيسان قد توعدوا بعد البيان الأول بالبقاء في ساحة الاعتصام إلى حين الإطاحة ببن عوف أيضا، وكانوا يهتفون “زي ما سقطت أولا تسقط تاني”.
وفور إذاعة عوض بن عوف بيان تنحيه خرجت في شوارع الخرطوم ومدن البلاد مظاهرات فرح عارمة بإعلان سقوط جنرالين خلال 24 ساعة.
وداخل ميدان الاعتصام احتفل المعتصمون مع قوات الجيش التي وفرت لهم الحماية طوال أيام الاعتصام الذي بدأ منذ أسبوع. وأكد دعاة الاعتصام نيتهم عدم فكه إلى حين التأكد من تنفيذ كافة مطالبهم بما يوفر “اقتلاع النظام من جذوره”.
وتأخر تشكيل المجلس العسكري الأول بسبب الاتفاق على تسمية أعضائه على ما يبدو، كما أعلن قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان حميدتي الاعتذار عن أن يكون جزءا من المجلس العسكري.
واندلعت مظاهرات منذ 19 ديسمبر/كانون الأول في مدن البلاد بسبب شح الخبز والوقود والنقود، لكنها تحولت إلى احتجاجات ذات بعد سياسي تطالب بتنحي البشير بعد أن تبنى تجمع المهنيين السودانيين مواكب التنحي.
لكن بحلول السادس من أبريل/نيسان، واستلهاما للثورة التي أطاحت بالرئيس جعفر نميري عبر انتفاضة شعبية في 6 أبريل/نيسان 1985، اتخذت الاحتجاجات منحى أكثر تصعيدا إثر حشد مليوني نجح في الوصول إلى القيادة العامة للجيش، وتعاهد المحتجون على البقاء أمام قيادة الجيش إلى حين تنحي البشير.
المصدر : الجزيرة