الجيش السوداني يريد ضمانات قبل دخول مفاوضات جنيف

الجيش السوداني يريد ضمانات قبل دخول مفاوضات جنيف

الخرطوم – تسارعت التحركات الرامية إلى إنجاح مفاوضات جنيف المنتظرة الأربعاء المقبل والتي تهدف إلى وقف إطلاق النار في السودان، وسط ضغوط تمارسها قوى دولية ومحلية على طرفي النزاع، بعد احتداد المشكلة الإنسانية وتحولها إلى أزمة كارثية، وظهور بوادر لتلاشي معالم الدولة ومؤسساتها.

وحاولت الحكومة السودانية أن تظهر حسن نواياها بشأن المشاركة في اجتماعات جنيف التي دعت إليها الولايات المتحدة، من خلال إعلان موافقتها الجمعة على إرسال وفد إلى مدينة جدة السعودية للتشاور حول الدعوة المقدمة لها، بعد أن اتهمت بإفشال المباحثات ووضع شروط مسبقة لمشاركته في مفاوضات جنيف.

وقالت الحكومة السودانية إن الوفد يرأسه وزير المعادن محمد بشير عبدالله أبونمو، وإنها حريصة على تحقيق السلام والأمن والاستقرار ورفع المعاناة الناجمة عن الحرب.

وتزامن هذا التطور مع انطلاق جولة ثانية من اجتماعات ينظمها الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، الجمعة، وتضم قوى سودانية عدة لمناقشة المسار السياسي للأزمة وترتيبات الحكم بعد وقف الحرب، بمشاركة تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم).

ويرى مراقبون أن كافة الأطراف السودانية تسعى لتبرئة ذمتها من أي تخريب لمفاوضات جنيف، وهي تعمل على البقاء في وضعية لا تجعلها أمام ضغوط أو عقوبات.

وأغلقت مخاطبة واشنطن الفريق أول عبدالفتاح البرهان كرئيس لمجلس السيادة الانتقالي وليس فقط قائدا للجيش وإجراء مباحثات مسبقة في جدة قبل انطلاقها في سويسرا، الباب أمام أي حجة يسوقها الطرف الساعي لاستمرار الحرب، ما يجعل التعويل كبيرا على قدرة الاجتماعات التي ستعقد في جدة على دفع الجيش إلى المشاركة على طاولة مفاوضات واحدة مع قوات الدعم السريع في جنيف.

وقال الخبير الإستراتيجي القريب من الجيش السوداني اللواء أمين إسماعيل مجذوب إن اجتماع جدة جاء بطلب من الحكومة السودانية إلى الإدارة الأميركية، لتحديد أجندة التفاوض في جنيف، والاتفاق على تشكيل الوفود، ثم تحديد الوفد الحكومي في الاجتماعات، وستقترح الاجتماعات إمكانية تشبيك مخرجات منبر جدة بما سيتم التطرق إليه في أي مفاوضات جديدة، بالتالي هناك رمزية لعقده في المدينة السعودية للتأكيد على أهمية مراعاة ما جرى التوصل إليه من تفاهمات سابقة.

وأضاف مجذوب في تصريح لـ”العرب” أن اجتماع جدة يؤسس لحالة ثقة مطلوبة قبل انطلاق مفاوضات جنيف، ويساعد على تحديد تفاصيل أجندة النقاشات بصورة واضحة ومتفق عليها، لافتا إلى أن وفد الحكومة تشكل من وزير مدني وقيادات شاركت من قبل في جدة، بجانب مسؤول حكومي عن العون الإنساني لمناقشة ملف وصول المساعدات.

وأكد مجذوب أن الذهاب إلى جنيف سيكون مرتبطا بما جرى التوصل إليه من إعلانات في جدة من قبل، وإذا لم يكن هناك توافق على انسحاب قوات الدعم السريع من المناطق المدنية، فإن اجتماعات جنيف قد تعلق أو تؤجل إلى وقت لاحق، مشيرا إلى أن الوفد الحكومي منفتح على الآراء الأميركية التي تسهم في وقف الحرب.

وكتب البرهان تدوينة عبر منصة إكس عقب مكالمة هاتفية تلقاها من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، جاء فيها أنه تحدث معه عن ضرورة معالجة شواغل (مطالب) الحكومة قبل بدء أي مفاوضات، دون أن يوضح ماهية تلك الشواغل.

ويخشى الجيش أن تخصم مفاوضات جنيف من وضعه السياسي، لأنه يشارك بعد خسائر عسكرية تكبدها مؤخرا، وسيبحث عن تطمينات لا تجعله خاضعا لخسائر سياسية أيضا، ويعول على وجود مجلس سيادة انتقالي على رأس السلطة لضمان دخول التفاوض كطرف يسهم في تنظيم أي عملية سياسية دون تجاوزه، أو محاولة العودة إلى مربع الاتفاق الإطاري الذي جرى توقيعه قبل اندلاع الحرب.

وقال القيادي في “تقدم” محمد الهادي محمود إن الواقع العسكري يدفع الجيش نحو مفاوضات جنيف، مع تمدد قوات الدعم السريع بصورة كبيرة واعتمادها على إستراتيجيات حرب العصابات التي لا يجيدها الجيش وتضييق المساحات التي يسيطر عليها، مع مخاوف من سقوط مدينة الفاشر (عاصمة شمال دارفور) الذي قد يخلق واقعا جديدا للحرب، وستكون قوات الدعم السريع على حدود دول ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا، وهو أمر يحاول الجيش التعامل معه سياسيا.

وشدد محمود في تصريح لـ”العرب” على أن ما أظهرته القوى المدنية من رغبة في التوحد لإنهاء الحرب يضغط على الجيش والدعم السريع للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لأن المجتمع الدولي بات أكثر إدراكا لوجود رغبة شعبية في وقف الصراع الدائر، ما ينعكس ضغوطا تمارسها جهات عديدة على الطرفين.

ولفت إلى أن التحركات الحالية في أديس أبابا بالتزامن مع ذهاب الوفد الحكومي إلى جدة يساهمان في نجاح مفاوضات جنيف، لأن الخطوة الثانية تبرهن على أن الإدارة الأميركية سعت لإرضاء غرور حكومة الأمر الواقع وليس لديها مانع في تقديم تنازلات يمكن أن تدفع الوفد الحكومي المفاوض إلى جنيف.

وأوضح أن حضور حركات مسلحة مهمة اجتماعات أديس أبابا يؤكد أن لغة الحرب تراجعت، وهناك اتجاه نحو السلام، خاصة أن تلك الاجتماعات تشهد مشاركة قوى ليس بينها تنسيق سياسي وتنتمي إلى اتجاهات مختلفة.

ورغم أن الكتلة الديمقراطية التي تضم أحزابا وحركات مسلحة قريبة من الجيش تغيب عن اجتماعات أديس أبابا، إلا أن الاتحاد الأفريقي سوّق أنه يستمع إلى آراء كل الفرقاء ويعمل على تجميعها في رؤية تتفق عليها القوى السياسية في مرحلة ما بعد الحرب.

وعقدت في أديس أبابا نهاية يوليو الماضي أعمال “المؤتمر التحضيري للحوار السوداني” في جولته الأولى، برعاية الاتحاد الأفريقي، وهو ما أعلنت “تقدم” رفضها المشاركة فيه، إلى أن أقر الاتحاد إبعاد حزب المؤتمر الوطني المنحل من المشاركة في العملية السياسية بعد الحرب، فقبلت المشاركة هذه المرة.

وقال الهادي محمود في حديثه لـ”العرب” إن موافقة حركتي عبدالواحد نور وعبدالعزيز الحلو الجلوس مع مختلف القوى السياسية، تقود السودان إلى إمكانية تشكيل تكتل سياسي موسع يرمي إلى وقف الحرب، ما يشكل 50 في المئة من نجاح أهداف اجتماعات أديس أبابا التي تسعى للتوافق على خطوات ما بعد الصراع.

العرب