“خرق البروتوكولات” يؤزم العلاقة بين واشنطن والجيش السوداني

“خرق البروتوكولات” يؤزم العلاقة بين واشنطن والجيش السوداني

الخرطوم- تأزمت العلاقة بين الجيش السوداني والإدارة الأميركية عقب فشل عقد اجتماعات بين الطرفين كانت مقررة في القاهرة، ما فتح الباب لتوقعات بتعطل مسار الحل السياسي الذي ترعاه الولايات المتحدة في جنيف وأن يُسفر التباعد بينها وبين الجيش السوداني عن تجاوز مسألة وقف إطلاق النار والتركيز على دخول المساعدات الإنسانية، مع التوافق على فتح عدد من المعابر المحلية.

وأعلن المبعوث الأميركي للسودان توم بيرييلو إلغاء اللقاء الذي كان من المقرر عقده مع وفد الحكومة في القاهرة الأربعاء، بسبب ما أسماه “خرق الوفد للبروتوكولات”، لكن البيان الذي صدر عن الحكومة السودانية قال إن عدم عقد الاجتماع جاء لظروف تتعلق بوفد الولايات المتحدة.

وقال بيرييلو في تغريدة على منصة إكس إن الحكومة المصرية حددت موعدًا لعقد اجتماع مع وفد من بورتسودان، لكن قيل لنا “إنه سيتم إلغاء الاجتماع بعد أن خرق الوفد البروتوكولات”.

وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن المبعوث الأميركي قصد من إشارته “خرق البرتوكولات” عدم الحضور إلى القاهرة في التوقيت المحدد للمفاوضات، والشخصيات الممثلة من جانب الجيش السوداني في الوفد؛ إذ أرسلت الحكومة وفدا يرأسه وزير المعادن محمد بشير أبونمو، وهو قيادي في حركة تحرير السودان بزعامة مني أركي مناوي المتحالف مع الجيش، وبمشاركة ضباط صغار في القوات المسلحة.

وبرهن الجيش على أنه غير مستعد للدخول في مباحثات لوقف إطلاق النار وأن جملة من التعقيدات المرتبطة بالمواقف المتعارضة داخله حول جدوى المباحثات والرغبة في تحقيق مكسب عسكري على الأرض أولاً بدت طاغية على قراراته التي يغلب عليها الوقوف في مناطق رمادية.

وأسهمت التدخلات الإقليمية في الأزمة السودانية، مع اتجاه الجيش نحو التقارب مع روسيا واستعادة العلاقات مع إيران، في توفير زخم لنجاح مفاوضات وقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ويبدو أن قيادة الجيش ترفض منح إدارة الرئيس جو بايدن نجاحا سياسيا قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، ووقعت أسيرة لسعي روسيا وإيران إلى وضع مطبات أمام واشنطن إثر تعقد الحرب في قطاع غزة وارتداداتها الإقليمية المتوقعة، وتصاعد التطورات العسكرية في الحرب الروسية – الأوكرانية.

وأكد الجيش السوداني أنه لا يهدف إلى التفاوض على أساس منبر جنيف، ويريد إعادة الكرة إلى الوراء للبحث عن تنفيذ مخرجات إعلان جدة.

وذكر مجلس السيادة السوداني أنه أرسل منذ الاثنين الماضي جزءا من وفده إلى القاهرة للتشاور مع وفد من الولايات المتحدة بشأن تنفيذ اتفاق جدة بين الجيش والدعم السريع، ضمن تعليقه على ملابسات تأجيل المشاورات في مصر.

وحاول أن يقدم للسودانيين رواية تفيد بأنه يحافظ على السلام ويهدف إلى رفع المعاناة عن كاهلهم، وأن المشكلة في الإدارة الأميركية التي ترفض التفاوض بشأن تنفيذ إعلان جدة، ما يشي بأن السودان اقترب من دخول دائرة القوى التي تتعامل معها الولايات المتحدة على أنها ضمن المحور الداعم للدخول في صدامات معها.

وقال عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير شريف عثمان إن الجيش السوداني أضاع فرصة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بعد الحشد الدولي والإقليمي للجبهة التفاوضية في جنيف، والتي تمت بعد اتصالات استمرت أسابيع بين كل من مصر والولايات المتحدة والسعودية والإمارات والاتحاد الأفريقي، لافتا إلى أن أبعاد تعنت الجيش غير مفهومة بدقة، في ظل تصريحات متضاربة تصدر بين الحين والآخر.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “تأكيد المبعوث الأميركي على أن الوفد الحكومي الذي جرى إرساله إلى جدة قبل أسبوعين لم يناقش مسألة وقف العدائيات وركز على الترتيبات السياسية يبرهن على أن الهدف إضاعة الوقت في ظل ضغوط عديدة تمارسها أطراف داخل الجيش لعرقلة مساعي تحقيق السلام، أملاً في إحداث تطور عسكري مفاجئ”.

وذكر أن تأثيرات فشل الاجتماع في القاهرة تتجاوز مستوى العلاقة بين الجيش السوداني والولايات المتحدة وستطال قوى إقليمية ومجاورة مثل مصر والسعودية بعد أن بذلتا جهودا لإنجاح التفاوض، خاصة أن قيادة الجيش قدمت تطمينات بشأن مشاركتها في مفاوضات جنيف، وسيكون من الصعب عقد مفاوضات جديدة قريبا، حال جرى إعلان فشل المحادثات في جنيف رسميا، فالوصول إلى نقطة التفاوض استغرق ما يقرب من ثمانية أشهر منذ آخر اجتماعات علنية في منبر جدة.

وبدأت أولويات التفاوض في جنيف تركز على الجوانب الإنسانية وكيفية حفظ حياة السودانيين، مع انهيار الوضع الصحي وانتشار المجاعة في مناطق متفرقة، ما يتطلب تضافر الجهود من جانب دول جوار السودان لحث السلطات في بورتسودان على إنجاح اتفاق تقديم المساعدات وإيجاد مناطق آمنة لا تمارس فيها الأعمال العدائية.

ورحبت دولة الإمارات العربية المتحدة بعبور أول دفعة من المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى السودان من خلال معبر أدري الحدودي مع دولة تشاد.

وأكدت بعثة الإمارات في الأمم المتحدة ضمن تغريدة على منصة إكس أن الإمدادات ضرورية للمعرضين لخطر المجاعة وهم في أمس الحاجة للمساعدة الحاسمة.

وأكد القيادي في حركة العدل والمساواة جمال حامد أن “ما يحدث في جنيف لا يمكن وصفه بالمفاوضات، هو مشاورات أفرزت تطورا مهما في الجوانب الإنسانية. وخطوة فتح المعابر تحظى بتأييد واسع من القوى السياسية السودانية، وثمة اقتناع بأن ما يدور في السودان لا ينفصل عن التطورات الجارية في المحيط الإقليمي، ما يصب في صالح توقع استمرار الضغوط على قيادة الجيش من أجل الانصياع لوقف الحرب، إذ أن استقرار السودان يخدم أطرافا مختلفة في هذا التوقيت”.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى “وجود معلومات من مصادر مختلفة حول وجود منسق من الجيش في جنيف مهمته التنسيق بين الوفود وقيادة الجيش في بورتسودان، سوف يمنح مؤشرات على إمكانية حدوث تطور إيجابي في أي وقت، غير أن إلغاء اجتماعات القاهرة برهن على حاجة الجيش إلى شراء الوقت لإنقاذ وضعه الميداني”.

وكان الشركاء في مفاوضات سويسرا التقوا بوفد الدعم السريع لحثه على السماح بالوصول الآمن لشحنات المساعدات والعاملين في المجال الإنساني، فور بدء التحرك من معبر أدري باتجاه الأراضي السودانية، في ضوء إعلان حكومة السودان عن فتح المعبر لإدخال المساعدات إلى مختلف المناطق التي يوجد فيها المتضررون.

العرب