يترقب ملايين السوريين والعراقيين النازحين في تركيا، ما ستسفر عنه توجهات حزب العدالة الحاكم بخصوص وجودهم في تركيا، وسط تخوف من تصريحات أطلقها الكثير من المسؤولين الحكوميين، وعلى رأسهم الزعيم التركي رجب طيب أردوغان، الذي بات يؤكد بشكل مستمر على أن حكومته تنوي إعادة اللاجئين السوريين إلى ما يصفه بـ«منطقة آمنة» شمال سوريا، وهي منطقة لا ملامح محددة بشأنها حتى اللحظة، سوى أنها ستعود لسيطرة بشار الأسد بعد إتمام سيطرته على إدلب في الأشهر المقبلة، وإنجاز الانسحاب الأمريكي من شمال سوريا .
لم تعد المعارضة التركية وحدها تتحدث عن ضرورة إبعاد اللاجئين، وتستغل الانتخابات لشن حملة كراهية ضدهم، بل باتت قطاعات واسعة من الجماهير المؤيدة لحزب العدالة، تتفاعل مع هذا الخطاب وتتماهى معه، وهو ما دفع بحزب العدالة إلى الاستجابة لهذه الموجة المعادية للنازحين العرب، بإطلاق تطمينات عن قرب «التخلص» من اللاجئين وإعادتهم إلى بلدانهم، وهذا ما يبدو أنه بدأ يترجم على أرض الواقع، إذ أبلغ العديد من المحافظات التركية عائلات عراقية نازحة بضرورة مغادرة الأراضي التركية خلال شهر، بحجة أن الامم المتحدة قد رفضت منحهم اللجوء في بلدان غربية، وبلغت أعداد العائلات نحو 70 عائلة، أغلبهم في محافظات جوروم وبولو وسامسونج، ولا يبدو هذا المنحى ضد النازحين العرب غريبا في ولاية مثل بولو مثلا، يقول رئيس بلديتها الفائز في الانتخابات حديثا، بعد أن يقبل القرآن، إنه سوف يوقف أي مساعدات يتلقاها السوريون في محافظته، على الرغم من أن المساعدات المالية التي يتلقاها اللاجئون السوريون والعراقيون في تركيا، ممنوحة بالكامل من الاتحاد الأوروبي .ولا تقتصر المعوقات التي يواجهها النازحون في تركيا على التهديد بإلغاء هويات اللجوء الخاصة بهم، بل تتعدد وسائل التضييق عليهم، بدءا من إساءة التعامل معهم من قبل الموظفين في مؤسسات حكومية، وصولا لمنعهم من حرية التنقل خارج محافظاتهم، فمعظم المحافظات التركية باتت تتشدد، بل تمنع تصاريح السفر للعائلات اللاجئة الراغبة في زيارة أقاربها في محافظات مجاورة، عدا محافظة قونيا التي ما زالت تمنح أذونات السفر من دون تعقيدات. ويبدو ان الهدف من هذه الخطوات، ليس الجانب الأمني كما يقال، بل التضييق المتعمد على أشخاص لا يشكلون أي خطر أمني، كونهم من الشيوخ والنساء والأطفال في معظمهم، تمهيدا لترحيلهم لاحقا، ولعل ما حدث مع إحدى العائلات العراقية في محافظة أضنة يوضح هذه المسألة، فقد زارت عائلة عراقية إحدى إدارات الإقامة لطلب إذن بالسفر لإسطنبول، فما كان من الموظفة المسؤولة إلا أن قالت لهم «لا تقلقوا.. خلال ثلاثة أشهر سنمنحكم إذنا للسفر من تركيا كلها بلا عودة».
هذه التطورات في سياسة التعامل مع النازحين، تأتي مترافقة مع تفشي ظواهر أخرى، مثل حملات الاعتقال لبعض العراقيين والسوريين، بتهمة تهديد أمن البلاد، أو الانتماء لتنظيم «الدولة»، ويتبين في معظم الحالات أن الاعتقالات تتم بناء على تقارير أمنية كيدية يكتبها أشخاص عراقيون وسوريون لهم عداوات شخصية، ليقوم الأمن التركي في بعض الحالات بإطلاق سراح المعتقلين، من دون أن يلقى خبر إطلاقهم الاهتمام نفسه والتركيز الاعلامي ذاته. وقبل أيام اعتقل العديد من العراقيين في محافظة سامسون، ورحلوا إلى معسكر مخصص للإبعاد قرب الحدود التركية اليونانية، تمهيدا لإبعادهم للعراق، قبل أن يتدخل أحد المحامين الذي أوقف الإجراءات، وكثيرا ما يبعد طالبو لجوء وهم مكبلون إلى طائرات تقلهم لبلدانهم القمعية، كما حصل في الحادثة الشهيرة مع طالب اللجوء المصري المحكوم بالإعدام في مصر.
المعارضة التركية وقطاعات واسعة من الجماهير المؤيدة لحزب العدالة تتحدثان عن ضرورة إبعاد اللاجئين
وقد تكررت هذه الحالة كثيرا مع نازحين عراقيين، على الرغم من تحذيرات المنظمات الحقوقية من إمكانية تعرض المبعدين، وجميعهم من العرب السنة الى انتهاكات وتعذيب من قبل الأجهزة الأمنية العراقية ذات الصبغة الطائفية، إضافة لحالات الإبعاد شبه اليومية للسوريين، الذين يحاولون عبور الحدود الجنوبية للبلاد، بالإضافة طبعا إلى المقتلة الدموية التي تواصل قوات الحدود ممارستها عند الحدود السورية التركية بحق النازحين الذين يحاولون العبور بطرق التهريب المختلفة قبل تعرضهم للقنص، وهو ما أصبح سياسة ممنهجة لمنع دخول النازحين منذ سنوات، أما من يلقى القبض عليه عند الحدود فيتعرض للضرب المبرح قبل إعادته لسوريا، وهذه الممارسات الممنهجة منذ ثلاث سنوات تقريبا، لاقت انتقادات لاذعة من كبرى المنظمات الحقوقية الدولية، ولعل السلطات التركية قد حاولت حماية نفسها قانونيا في هذا الجانب، حيث أن ما وقعت عليه من اتفاقات تخص استقبال اللاجئين، يتضمن بندا يقول، إن اللاجئ الأوروبي في تركيا هو وحده يملك حق عدم إعادته لبلاده حال تعرضت حياته للخطر، وهو ما ورد في تقرير منظمة هيومان رايتس واتش الاخير، الذي انتقد أيضا إعادة تركيا النازحين لبلدانهم الأصلية، بينما كان أحد شروط حصولها على المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي التي استلمت منها تركيا لحد الآن مليار دولار، هو تعهدها بتوفير ملجأ آمن، للنازحين السوريين والعراقيين بعيدا عن بلدانهم الاصلية .
القدس العربي