منذ يوم الجمعة الماضي بدأت إسرائيل تصعيدا عسكرياً كبيرا ضد غزة أسفر حتى مساء أمس عن استشهاد 21 شخصا بينهم امرأة حامل وطفلة رضيعة وجرح 150 ينضافون إلى 275 فلسطينيا استشهدوا منذ 30 آذار/مارس 2018 وجرح 17 ألفا آخرين برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي معظمهم خلال مواجهات سلميّة على طول الحدود أو في غارات إسرائيلية على القطاع.
فصائل المقاومة في غزة ردّت باستهداف مركبة إسرائيلية بصاروخ «كورنيت» قرب حدود القطاع الشرقية كما قصفت مناطق الاحتلال بمئات الصواريخ مما أسفر عن مقتل 4 إسرائيليين وجرح العشرات.
أسباب التصعيد الجديد معروفة، وهي تراجع إسرائيل عن تعهدات قامت بها رغم أن فصائل المقاومة في غزة، وبالخصوص «حماس» و«الجهاد»، وافقت خلال مفاوضات بوساطة مصريّة على التهدئة على أن تقوم إسرائيل بتسهيل الحركة عبر المعابر وبدخول الأموال القطرية لدعم الاقتصاد في القطاع، والشروع في مشاريع دولية ممولة لتحسين البنية التحتية المتهالكة والتي ستؤول، بعد 7 أشهر، حسب الأمم المتحدة، إلى جعل غزة مكانا غير قابل للعيش.
التصعيد الدمويّ قابله الغزّيون المعتادون على الغارات الإسرائيلية بهدوء الصابر المؤمن فهو ليس إلا موجة من المسلسل الطويل الذي سيتذكره الإسرائيليون على طريقتهم بعد أيام من خلال الاحتفال بذكرى تأسيس الدولة التي أنشئت على أرض فلسطين التاريخية فتحوّلت إلى نكبة مستمرّة لأصحاب الأرض الأصليين، وسبب للحروب والنزاعات التي لا تنتهي، وتبرير دائما للانقلابات العسكرية في المنطقة باسم تحرير فلسطين يناظره إرث من الاضطهاد الرسمي العربيّ للفلسطينيين والتآمر عليهم، وصولاً إلى المشهد الحاليّ لتمزّق العالم العربيّ واستعداد المنظومة العربية لتمويل «صفقة» أمريكية جديدة لإخضاع الفلسطينيين.
أفضت الأوضاع الفلسطينية والعربية إلى تحوّل غزة منذ أكثر من 12 سنة إلى سجن كبير لسكانها الذين يقرب عددهم من مليوني شخص، وسجن غزة الكبير هو مثل السجون الصغيرة التي ملأتها إسرائيل، «قلعة الديمقراطية الغربية» في وسط العالم العربي، بالمساجين الفلسطينيين، مخصّص للإذلال اليوميّ ومحاولة التركيع والتشفّي من قبل الإسرائيليين، فيما تنوس أغلب المواقف العربية، بين التوسّط، كما يفعل النظام المصريّ، من دون تحمّل مسؤولية الضغط على إسرائيل، والمشاركة الإيجابية (أو السلبية) في الحصار، وصولا إلى تآمر البعض صراحة وتحميل الغزيين مسؤولية قتلهم على أيدي الإسرائيليين.
تستقبل غزة هذا التصعيد مع قدوم شهر رمضان الكريم، وهو ما يتطلب من الشعوب والنخب العربية والمسلمة، وأغلبها متعاطفة مع المظلومين، ألا تكتفي بالطلب من الفلسطينيين الصمود والمقاومة والمرابطة، وهم يفعلون ذلك منذ عشرات السنين لأن مصيرهم متوقّف عليه، بل أن تفكر بطرق عملية لدعم هذا الصمود من جهة، ووقف آلة العدوان، من جهة أخرى.
القدس العربي