يسود السلام بين إسرائيل ومصر منذ أربعين عاماً. ففي منطقة تكتنفها النزاعات الوطنية والطائفية والعشائرية، صمدت معاهدة السلام بين البلدين منذ توقيعها في 26 آذار/مارس 1979، متغلبةً على اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981، وانتفاضتين فلسطينيتين، وحربَين في لبنان، ناهيك عن انتخاب محمد مرسي من جماعة «الإخوان المسلمين» رئيساً لجمهورية مصر عام 2012. وعلى الرغم من أن الرئيس مرسي رفض التعامل مباشرةً مع الإسرائيليين – أو حتى التلفّظ بكلمة “إسرائيل” – إلّا أنه لم ينسحب من المعاهدة خلال العام الذي شغل فيه منصبه الرئاسي.
بيد أن هذا السلام يبقى سلاماً بارداً لا يتخلله احتكاكٌ يُذكر بين المصريين والإسرائيليين. ومع ذلك، لا تزال كلتا الحكومتين ملتزمتان به. فهو يعني بالنسبة لإسرائيل أن الدولة العربية الكبرى وجيشها العربي الأكبر – وهما نواة التحالف الذي حارب إسرائيل في أربعة حروب بين عام 1948 وعام 1973 – لا يشكلان أي تهديد لها. وباستثناء الحادثة التي أقدم فيها صدام حسين على إطلاق بضعة صواريخ بالستية من نوع سكود على إسرائيل خلال “حرب الخليج” عام 1991، لم تعتدِ أي دولة عربية على إسرائيل خلال العقود الأربعة اللاحقة.
وفي المقابل، حققت مصر أيضاً مكاسب من المعاهدة. فقد وفّرت على نفسها حروباً مكلفة – لدرجة أن الرئيس حسني مبارك الذي خَلَف السادات صرّح يوماً قائلاً إذا كانت قناة “الجزيرة” تتوق إلى هذا الحد إلى محاربة إسرائيل، فلتحاربها، لكن مصر لن تدفع ثمن ذلك بعد الآن. ومنذ عام 1979، تعتبر مصر من أولى الدول المستفيدة من المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية التي تناهز قيمتها الإجمالية 70 مليار دولار.
إنّ معاهدة السلام هذه هي ثمرة مجهود قادةٍ أبطال. فقد قام السادات بزيارة تاريخية إلى القدس وأعلن لاحقاً – مردداً كلام مناحيم بيغن – “لا مزيد من الحروب، لا مزيد من سفك الدماء”. ومع أنه أصبح منبوذاً في العالم العربي، إلا أنه واظب في مسيرته مقتنعاً بأن الدول العربية ستعود مع الوقت إلى جانب مصر – وقد كان محقّاً.
وقد أدرك رئيس الوزراء مناحيم بيغن أن أي اتفاق سيستوجب انسحاباً كاملاً من سيناء، بما في ذلك إزالة المستوطنات الإسرائيلية منها – وهذا أمرٌ مرفوض من قاعدته السياسية. وكان يعلم أن خطته بشأن الحكم الذاتي الفلسطيني ستُبعد عنه أقرب رفاقه، حتى أن الكثيرين منهم وصفوه بالخائن.
ومن جهته، كان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر مستعداً للمراهنة في قمة “كامب ديفيد” التي وُضعت فيها قضايا جوهرية على المحك، ومستعداً لحمل عبء التعامل مع الزعيمَين بينما جرت مناقشة 22 مسودة قبل التوصل إلى اتفاق. وكان من شأن الالتزامات الأمنية والمالية التي تعهّد بها إلى كلا الجانبين – 3 مليارات دولار سنوياً لإسرائيل بالإضافة إلى تكاليف نقل القواعد إلى خارج سيناء، ومليارَي دولار في السنة لمصر- أن ساهمت في إبرام الاتفاق.
واليوم، إن احتمالات السلام بين إسرائيل والدول المجاورة غير مؤكدة في أحسن الأحوال، بصرف النظر عن التهديد المشترك الذي تشكله إيران. ولا يبدو أن العرب أو إسرائيل لديهم قادةً يتمتعون بجرأة السادات وبيغن، لكن الاتفاق المصري-الإسرائيلي يعطي بصيص أمل بأن السلام أمر جائز.
معهد واشنطن