أعادت قضية الهجوم على الناقلات النفطية في خليج عمان إلى الواجهة قضية أزمات سابقة اتهمت فيها الولايات المتحدة دولا بعينها بتدبيرها، قبل أن يتبين ضلوع واشنطن في إشعال شرارتها الأولى.
ففي وقت مبكر من صباح الخميس الماضي، تعرضت ناقلتا نفط لهجمات في خليج عمان قرب مضيق هرمز. وقد سارع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى اتهام إيران بالوقوف وراء الهجوم.
وقال بومبيو إن تقييم واشنطن اعتمد على “معلومات استخباراتية وأخرى حول الأسلحة المستخدمة”، موضحا أن مستوى الخبرة المطلوب لتنفيذ مثل تلك العمليات “يماثل مستوى الهجمات التي نفذتها إيران مؤخرا ضد عدد من السفن”، في إشارة إلى هجمات الفجيرة في مايو/أيار الماضي التي نفت إيران أيضا مسؤوليتها عنها.
لكن إيران اتهمت ما أسمتها أطرافا إقليمية ودولية باعتماد “دبلوماسية التخريب”، وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف -في تغريدة على تويتر- إن مزاعم أميركا ضد إيران دون دليل بشأن هجمات خليج عُمان، تظهر أن فريق “بي” الذي يضم بولتون ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان ونتنياهو، ينتقل إلى “الخطة البديلة وهي دبلوماسية التخريب”.
كما قالت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة إن طهران “ترفض بشكل قاطع الزعم الأميركي الذي لا أساس له بشأن الهجوم على ناقلتي نفط في خليج عُمان، وتدينه بأشد العبارات”.
وهذا الهجوم الغامض الذي يأتي في ظل توتر غير مسبوق في منطقة الخليج العربي وتصاعد الأزمة بين إيران والولايات المتحدة، يعيد إلى الواجهة أحداثا مماثلة سابقة افتعلت خلالها أزمات مشابهة، ولعل أهمها حادث خليج تونكين في فيتنام، وحادث خليج الخنازير في كوبا، وقد تأكد فيما بعد أن الولايات المتحدة افتعلتهما لتبرير عمليات عسكرية.
خليج تونكين
في 2 أغسطس/آب 1964 كانت المدمرة الأميركية “مادوكس” تقوم بمهام تجسسية تتعلق بجمع معلومات استخبارية قبالة سواحل فيتنام الشمالية المطلة على مياه خليج تونكين، عندما تناقلت وسائل الإعلام الأميركية والغربية تقارير إخبارية تؤكد تعرض المدمرة الأميركية لإطلاق نار من الساحل الفيتنامي ورد المدمرة بإغراق زوارق فيتنامية.وبعد يومين من الحادث، عادت المدمرة “مادوكس” مدعومة بالمدمرة “سي تورنر جوي”، وأطلقت المدمرتان النار بكثافة على أهداف في الساحل الفيتنامي الشمالي، وذلك بالتزامن مع قصف جوي بواسطة الطائرات الحربية الأميركية بدعوى هجوم فيتنامي جديد.
وإثر هذه العملية مباشرة، صادق الكونغرس الأميركي على مشروع قانون “خليج تونكين” الذي أعطى الرئيس الجمهوري ليندون جونسون تفويضاً واضحاً بممارسة صلاحية استخدام كل الإجراءات اللازمة لصد العدوان الذي تتعرض أميركا في الخليج، لتندلع إثر ذلك حرب فيتنام.
ورغم تحميل التقرير الأميركي فيتنام الشمالية المسؤولية، فإن الشكوك ظلت تحيط بهذه الحادثة، حتى صدر تقرير عام 2005 من قبل وكالة الأمن القومي الأميركية، يؤكد أنه لم يكن هناك هجوم من فيتنام الشمالية يوم 4 أغسطس/آب 1964.
وفي فيلم وثائقي بعنوان “ضباب الحرب” عُرض عام 2003، اعترف وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت ماكنمارا أن الهجوم الثاني يوم 4 أغسطس/آب 1964 لم يحدث يومًا، وأن الإدارة الأميركية اخترعته لاستمرار المواجهات.
خليج الخنازير
وقد سبقت عملية خليج تونكين الفيتنامي المفتعلة أزمة خليج آخر هو خليج الخنازير في كوبا، وهي أزمة اعتبرت أول مواجهة حقيقية وضعت العالم على شفا حرب نووية كونية تأتي على الأخضر واليابس.
وتعود بداية تنفيذ عملية “غزو خليج الخنازير” إلى يوم 17 مارس/آذار 1960 حين أعطى الرئيس الأميركي آيزنهاور موافقته على مقترح قدمته المخابرات الأميركية بتقديم الدعم للمعارضة الكوبية -التي تتشكل أساسا من الكوبيين الهاربين من بلادهم إثر سيطرة كاسترو على الحكم- في مسعاها للإطاحة بنظام كاسترو الشيوعي.
وفي يناير/كانون الثاني 1961 تسلم جون كينيدي مقاليد الحكم في الولايات المتحدة خلفا لآيزنهاور، فأعطى في فبراير/شباط الموالي أوامره بتنفيذ عملية الغزو ميدانيا.
وفي 15 أبريل/نيسان 1961 بدأ تنفيذ العملية بحملة قصف جوي شنتها طائرات أميركية الصنع يقودها متمردون كوبيون واستهدفت القواعد الجوية الكوبية، ثم أتبِعت بهجوم بري يوم 17 أبريل/نيسان، لكن الهجوم قوبل بمقاومة عنيفة من القوات المسلحة الكوبية، لتنتهي العملية يوم 19 أبريل/نيسان 1961 بفشل ذريع.
وإثر العملية الفاشلة، اتفق كاسترو مع السوفيات على نشر صواريخ بالستية سوفياتية متوسطة المدى على الأراضي الكوبية، وهو ما أثار ذعر الإدارة الأميركية التي ردت بفرض حصار بحري على كوبا لمنع سفن الشحن السوفياتية من نقل الأسلحة إليها، وبتسيير طلعات استطلاع جوية للمقاتلات الأميركية فوق مواقع منصات الصواريخ.
وقد انتهت الأزمة خلال أسبوعين بحل سلمي عندما أمرت موسكو بسحب صواريخها ذات القدرات النووية الهجومية من كوبا، إثر استعراض واشنطن للقوة وتهديدها فعلا باستخدامها “وقائيا” إذا لزم الأمر.
الجزيرة