لم تكن مصادفة أن يتزامن حدثان تفصل بينهما مسافات شاسعة وبحار ومحيطات، وتوحدهما المصالح المشتركة والهدايا المتبادلة. الحدث الأول جرى في الجولان السوري المحتل حين اجتمعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي لتدشين مستوطنة هناك باسم «رامات ترامب»، تكريماً لسلسلة القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي في انحياز صارخ للكيان الصهيوني وعلى نقيض القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. والحدث الثاني تشهده اليوم أورلاندو في ولاية فلوريدا الأمريكية، حيث سيعلن ترامب إطلاق حملة إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية في سنة 2020.
ففي هذا السجلّ قدّم ترامب لدولة الاحتلال، وللتحالف اليميني والديني الحاكم الذي يقوده بنيامين نتنياهو، ما لم يحلم عتاة مجموعات الضغط الإسرائيلية أن يقدمه رئيس أمريكي، جمهورياً كان أم ديمقراطياً. فمن الترويج لما يسمى «صفقة القرن» على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة في أيار/ مايو 2018، والاعتراف بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على مرتفعات الجولان قبيل انتخابات الكنيست الأخيرة على سبيل تزويد نتنياهو بهدية ثمينة، وقبلها تجميد المساهمة الأمريكية في وكالة غوث اللاجئين، وصولاً إلى إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن… تعاقبت قرارات ترامب التي لا تنحاز إلى دولة الاحتلال بشكل مطلق وأعمى وفاضح فقط، بل تضرب عرض الحائط بالسياسات ذاتها التي اعتمدها رؤساء أمريكيون سابقون.
على صعيد عربي أوسع نطاقاً لم يتردد ترامب في استقبال قادة الانقلابات العسكرية والآمرين بتصفية المعارضين والصحافيين، على شاكلة علاقاته الوطيدة مع عبد الفتاح السيسي ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد، ليس من دون أن يوجه إلى هؤلاء الإهانات المتكررة ويخاطبهم بلغة تجمع بين الابتزاز والتهديد. ولقد تكررت خطابات ترامب التي تسخر من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وتأمره بسداد مليارات الدولارات لأن المملكة «ما كان لها أن تكون موجودة» لولا حماية الولايات المتحدة. وكيف للعالم أن ينسى ذلك المشهد المهين حين عرض ترامب على الصحافة، وبن سلمان يجلس إلى يمينه، رسومات تفصيلية بمليارات الدولارات من عقود السلاح مع المملكة، وكيف ستحدّ من البطالة وتنهض بالاقتصاد في أمريكا.
ولا يُنسى أيضاً دور ترامب في إعطاء السعودية والإمارات ومصر والبحرين الضوء الأخضر لفرض الحصار على دولة قطر، مستهيناً هنا أيضاً بالمصالح الحيوية الأمنية والعسكرية والاقتصادية التي تفترض تمتين العلاقات مع الدوحة بدل المساس بها. صحيح أنه تراجع فيما بعد واتخذ مواقف معاكسة لما كان قد صدر عنه قبيل فرض الحصار، إلا أن ذلك التحريض تحديداً يواصل تشجيع مجموعة الحصار، والرياض وأبو ظبي خصوصاً، على الإمعان أكثر في إجراءات الحصار والإضرار بمصالح الشعوب العربية الشقيقة في الخليج.
الناخبون الأمريكيون أحرار في اختيار رئيسهم بالطبع، وقد تتكرر مفاجأة 2016 فيعاد انتخاب ترامب السنة المقبلة، أو يستفيق غالبية الأمريكيين من كابوس إدارة انتهكت الكثير من المواثيق على صعيد دولي، سواء الانسحاب من اتفاقية المناخ أو الاتفاق حول برنامج إيران النووي، كما أن الرئيس نفسه يعاني داخلياً من مشكلات قانونية لا تنتهي واحدة منها حتى تفتح الباب أمام سواها. ولهذا فإن إطلاق حملة ترامب اليوم يقرع الكثير من أجراس الإنذار، ليس في أمريكا وحدها بل في العالم بأسره.
القدس العربي