بغداد – شهدت مدن ومحافظات العراق احتجاجات دامية بعد التعامل الأمني القاسي مع المتظاهرين الذين يطالبون بإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة منذ 16 عاما، في إشارة واضحة على استماتة الأحزاب المرتبطة بإيران في الدفاع عن مصالحها ورافضة في الوقت نفسه الاستجابة لمطالب المتظاهرين.
واحتشد مئات المتظاهرين السبت في ساحة التحرير وسط بغداد، حيث استخدمت القوات الأمنية القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم.
وسجل يوم الجمعة سقوط 40 قتيلا في بغداد وجنوب العراق، بعدما استؤنفت الاحتجاجات المطلبية التي أسفرت مطلع الشهر الحالي عن مقتل 157 شخصاً، غالبيتهم بالرصاص الحي.
ويتهم المتظاهرون الميليشيات المرتبطة بإيران والمتحكمة في القرار السياسي في العراق بالعمل على استهداف المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بإجراء إصلاحات جذرية وإسقاط كامل الطبقة السياسية التي أثبتت فشلها في حكم البلد.
وارتفعت حصيلة القتلى بين المتظاهرين إلى 30 شخصاً الجمعة في العراق، بينهم ثمانية في بغداد، بحسب ما أعلنت المفوضية العراقية لحقوق الإنسان في بيان. وقتل نصف هؤلاء بالرصاص الحي في جنوب البلاد، حيث حاول متظاهرون اقتحام أحد مقار عصائب أهل الحق، أحد أبرز فصائل ميليشيات الحشد الشعبي، وفق ما أكدت مصادر أمنية وطبية.
ومن بين القتلى أيضاً، ثلاثة في مدينة البصرة النفطية في جنوب البلاد، والتي شهدت العام الماضي أسبوع عنف مماثلاً. كما قتل 11 متظاهراً مساء الجمعة حرقاً بعد إضرام النار بمقر منظمة بدر، أكبر فصائل الحشد الشعبي في مدينة الديوانية بالجنوب، بحسب ما أفادت مصادر أمنية.
وقالت قيادة العمليات المشتركة العراقية إن القوات الأمنية ستتعامل مع المخربين خلال الاحتجاجات الجارية؛ وفق قانون الإرهاب. وذكرت قيادة العمليات في بيان نشر السبت “في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تظاهرات للمطالبة بالحقوق التي كفلها الدستور العراقي، فقد استغل البعض هذه التظاهرات وعمل على قتل المواطنين وإصابة آخرين وحرق الممتلكات العامة والخاصة ونهبها، دون أي واعز ضمير”.
وأوضحت “إن قواتنا الأمنية البطلة بجميع صنوفها ستتعامل مع هؤلاء المخربين المجرمين بحزم وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب، وتعتبر هذه التصرفات غير القانونية جريمة يجب التعامل الفوري معها بشكل ميداني وعاجل”.
وأعلنت السلطات حظراً للتجول في البصرة، وبابل، والناصرية، كما فرقت القوات الأمنية محتجين في كربلاء المقدسة لدى الشيعة، بخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع.
وأدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الانتهاكات الكبيرة من قبل قوات الأمن لحقوق الإنسان في العراق، قائلاً “بحسب أولى استنتاجاتنا من المؤكد حصول انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان لابد من إدانتها بشكل واضح”.
وأضرم متظاهرون النار بمبنيي محافظتي ذي قار والديوانية، وأحرقوا أكثر من عشرة مقار لأحزاب سياسية في جنوب البلاد، بحسب مصادر أمنية. وصدت القوات الأمنية بوابل من القنابل المسيلة للدموع الجمعة آلاف المتظاهرين المحتشدين في وسط بغداد.
ووُضِعت جميع القوّات الأمنية في حالة تأهب منذ مساء الخميس من قبل حكومة عادل عبدالمهدي التي أكملت الجمعة عامها الأول في الحكم.
واستخدمت قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع في محاولة لصد تقدم المتظاهرين وإبعادهم عن المنطقة الخضراء، التي تضم مقار حكومية ودبلوماسية، خصوصاً سفارة الولايات المتحدة. ودفع ذلك المتظاهرين للعودة إلى ساحة التحرير الرمزية، التي يفصلها عن المنطقة الخضراء جسر الجمهورية.
أعلن المتظاهرون السبت عن تحويل احتجاجاتهم إلى اعتصام مفتوح في العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب الـ9 حتى تحقيق المطالب الخاصة باستقالة حكومة عادل عبدالمهدي وتقديم قتلة المحتجين إلى القضاء.
وقال كريم الشاملي منسق في احتجاجات البصرة “قررنا تحويل التظاهرة إلى اعتصام مفتوح بعد إعلان الحكومة فرض حظر للتجوال، لن نتراجع ولن نخضع لجميع أساليب الترهيب”.
وأوضح الشاملي “ما حصل في البصرة (الجمعة) من قتل متعمد للمتظاهرين لن يمر مرور الكرام، الاعتصام لن ينتهي إلا بتحقيق المطالب”.
ومن جهته قال ياسين المكصوصي منسق التظاهرات بمحافظة ذي قار جنوبي البلاد إن “منسقي الاحتجاجات في جميع المحافظات المنتفضة في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب اتفقوا على تحويل التظاهرات إلى اعتصام مفتوح، ما يعني بقاءنا في الشوارع حتى تحقيق مطالبنا”.
وأوضح “لن يكون هناك مساومات هذه المرة، سنواجه الرصاص بالثبات على مواقفنا”، مشيرا إلى أن “الجهات التي قتلت المتظاهرين الجمعة معروفة لدى الجميع وموثقة في مقاطع فيديو ولا تحتاج الحكومة أو القضاء إلى لجان تحقيق للكشف عن الحقيقة”.
إلى ذلك، كان مقرراً أن يعقد مجلس النواب السبت اجتماعاً عند الواحدة ظهراً (10,00 تغ)، بهدف “مناقشة مطالب المتظاهرين وقرارات مجلس الوزراء وتنفيذ الإصلاحات”، بحسب جدول أعمال المجلس، غير أنه أعلن تأجيلها إلى أجل غير مسمى، لعدم اكتمال النصاب.
حتى الآن، أصيب البرلمان بالشلل بسبب الانقسامات بين كتله السياسية، ولم يتمكن من التصويت على تعديل وزاري لعدم اكتمال النصاب القانوني في أكثر من مناسبة..
وليل الخميس الجمعة، وجّه رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي خطابا إلى الأمّة دافع فيه عن إنجازاته، واتّهم أسلافه بأنهم سلّموه دولة ذات اقتصاد مستنزف وأمن هش.
وكانت الحكومة العراقيّة أصدرت في 6 أكتوبر الحالي سلسلة قرارات “هامّة” خلال جلسة استثنائيّة عقدت برئاسة عبدالمهدي، تضمّنت حزمة إصلاحات من أجل تهدئة غضب المتظاهرين.
وتصاعدت منذ أيام الدعوات إلى التظاهر الجمعة الذي يصادف الذكرى السنوية الأولى لتولي حكومة عبدالمهدي مهماتها، وانتهاء مهلة الأسبوعين التي منحتها المرجعية الدينية الشيعية الأعلى في البلاد للسلطات، للاستجابة إلى مطالب المحتجين.
ويشير خبراء إلى أن عدم اعتماد إصلاحات جذرية يطالب بها العراقيون بعد أربعة عقود من الحرب في بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة البلدان الأكثر فساداً في العالم، ليس إلا تأجيلاً للمشكلة.
العرب