الذهب الملاذ الآمن من شبح التباطؤ العالمي

الذهب الملاذ الآمن من شبح التباطؤ العالمي

الباحثة شذى خليل*

يعد الذهب حزام الأمان للمستثمر أثناء اضطرابات الركود الاقتصادي العالمي، فعندما يزداد خوف المستثمرين من شبح التباطؤ العالمي، ودخول الاقتصاد العالمي في غيبوبة الركود من جديد، عقب الأزمة المالية التي وقعت مع بدايات عام 2008، الأمر الذي جعل الكثير من المستثمرين يتجهون الى شراء أصول الملاذ الآمن من المعدن الأصفر “الذهب”، والين الياباني، وسندات الخزانة الأمريكية، خاصة مع تصاعد توترات الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة الأمريكية ونظيرتها الصين، وزيادة تعريفة الرسوم الجمركية على بعض واردات البضائع من كلا الطرفين، وتفاقم الأزمة الاقتصادية جراء اندلاع نيران تلك الحرب التجارية، التي من المتوقع أن تنتهي بركود الاقتصاد العالمي، وحدوث أزمة اقتصادية عالمية من جديد .
والذهب كان -ولا يزال على مر العصور- الملاذ الآمن ومخزن القيمة، ويتجه إليه المتعاملون رغم عدم تحقيقه فوائد مالية، لأن هامش الخسارة يبقى أكثر انخفاضاً من معظم الأصول الأخرى، على عكس الاستثمار بالدولار الأميركي.

يتأثر الذهب بعدة عوامل مختلفة، منها الارتباط العكسي مع الدولار الأمريكي ، مما يعني أنه إذا ارتفع الدولار الأمريكي فهناك احتمال أن نرى أسعار الذهب تنخفض والعكس صحيح، يتأثر سعر الذهب أيضاً بعدة عوامل مختلفة، منها عدد الإنتاج السنوي، البنوك المركزية، البيانات الاقتصادية المهمة، على سبيل المثال اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أو قرار معدلات الفائدة للبنك المركزي الأوروبي، ومن المعروف أن أسعار الذهب مسعرة بالدولار الأمريكي.
ويعود السبب إلى تراجع ثقة الأفراد بعملة “الدولار” المتأثرة بالأزمات المختلفة، بالإضافة إلى أن عدم إمكانية التحكم بمعدن الذهب من قبل أية منظمة أو هيئة حكومية ويعود السبب إلى تأثره بقوى العرض والطلب، ففي أوقات الحرب ترتفع قوة وسعر الذهب مقارنة بالعملات والسلع الأخرى لارتفاع الطلب عليه، مما يعني ارتفاع التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
بالإضافة إلى أن خصائص الذهب تعزز دوره كملاذ أمن، حيث يعتبره الأفراد ملاذا آمنا لحفظ ثرواتهم، وذلك لأنه على عكس العملات الورقية لا يفقد الذهب قيمته ولا يتلف مع مرور الزمن، بل يجري تداول الذهب في أي مكان في العالم، وذلك بسبب سهولة تذويبه وتشكيله مع الحفاظ على قيمته الأساسية.

 

احتياطي الذهب في العالم:
حسب إحصائية مجلس الذهب العالمي في عام 2018، تحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى عالميًا في احتياطي الذهب والتي تصل إلى 8133.5 طن، بقيمة نقدية تصل إلى 404 مليار دولار، فيما تأتي ألمانيا باحتياطي 3378.2 طن من الذهب، بقيمة نقدية تصل إلى 167.9 مليار دولار، وتتوالي قائمة الدول العشر الأكثر امتلاكًا لاحتياطي الذهب في العالم ، وتأتي ايطاليا بامتلاك 2451.8 طن من الذهب، بقيمة نقدية تصل إلى 121.9 مليار دولار، تليها فرنسا بـ2435.8 طن، وبقيمة نقدية تصل إلى 121.1 مليار دولار، والصين بـ1823.3 طن، وبقيمة نقدية تصل إلى 90.6 مليار دولار، وروسيا بـ1498.7 طن، وبقيمة نقدية تصل إلى 74.4 مليار دولار، وسويسرا بـ 1040 طن، وبقيمة نقدية تصل إلى 51.7 مليار دولار، والهند بـ557.8 طن، وبقيمة نقدية تصل إلى 27.7 مليار دولار، و تركيا بـ474.4 طن، وبقيمة نقدية حوالي 23.6 مليار دولار.
وبالنسبة للدول العربية، تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى عربيا من حيث احتياطي الذهب، والذي يبلغ 323 طن، ومن ثم تأتي دولة لبنان باحتياطي من الذهب يصل إلى 286,8 طن، ويعد مجلس الذهب العالمي عبارة عن منظمة عالمية متخصصة في سوق الذهب، ويعود تأسيسه إلى عام 1987 ومقره الحالي بلندن، حيث يهتم هذا المجلس بكافة جوانب المعدن النفيس الاقتصادية، ويتألف من الشركات الرئيسية العاملة في مجال تعدين الذهب.
وخلال السنوات القليلة الماضية اتجهت كلًا من روسيا والصين إلى شراء الذهب، ويصبحان من أكثر الدول شراء للمعدن النفيس في العالم، بعدما اتجهت بنوكهما المركزية إلى شراء الذهب منذ عام 2014، على الرغم من أن الصين تعد أكبر منتج للذهب في العالم، إلا أن مخزونها من الذهب كان ضئيلاً مقارنة مع منافسيها خاصة فيما يتعلق بحجم الاقتصاد الكلي.
وأخير يبقي الملاذ آمن حسب نوعية المستثمر، والذي ينقسم إلى قسمين الاول “المستثمر المغامر” الذي يميل إلى المضاربة والبحث عن الاستثمارات قصيرة الأجل، بهدف جني العائد الأكبر والأسرع، وهو لا يفكر بالملاذ الأمن إلا عند وقوع الأزمات الاقتصادية العالمية، وبالنسبة له ينحصر الملاذ الآمن فقط في نطاق الاستثمار الذي تبقى قيمته ثابته، بل ترتفع في الظروف والأزمات الاقتصادية، أما بالنسبة لـ”المستثمر المحافظ” فيميل إلى الاستثمار طويل الأمد، والملاذ الآمن بالنسبة له ينحصر في نطاق الاستثمار الخالي من المخاطر.
وبتعريف الملاذ الأمن، هو الاستثمار المتوقع الاحتفاظ به أو زيادته في أوقات تقلبات السوق والأزمات، والذي يلجأ إليها المستثمرون اثناء تعرضهم للخسائر في حال هبوط السوق.
أهم الأحداث الاقتصادية التي تؤثر وبشكل مباشر على أسعار وكمية الذهب التي عرفتها منذ سنة 2016، هو عزم بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي ، بعد استفتاء 23 يونيو والذي عرف فوز معسكر الرافضين للوحدة الأوروبية بنسبة 51.9%، النتيجة التي اعتبرها الكثيرون من الخبراء الاقتصاديين صدمة كبرى غير متوقعة للاتحاد الأوروبي والاقتصاد العالمي بصفة عامة.
حيث ارتفعت أسعار الذهب قبل اقتراع مهم للمشرعين البريطانيين بشأن اتفاق الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، ولكن توقعات إبرام اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين حدت من مكاسب المعدن الأصفر.

وصعد الذهب 0.3% إلى 1487.98 دولارا للأوقية (الأونصة)، كما صعد الذهب في العقود الأميركية الآجلة 0.2% إلى 1491.10 دولارا للأوقية.
وانخفضت السندات الحكومية لمنطقة اليورو اليوم قبل اقتراع برلماني مهم في بريطانيا يحدد ما إذا كانت بريطانيا ستغادر الاتحاد الاوروبي بموجب اتفاق في نهاية شهر أكتوبر الحالي.
وبعد ظهور نتائج الاستفتاء عرفت الأسواق المالية تقلبات حادة، وخسرت خلال اليوم الموالي للاستفتاء نحو 3 تريليونات دولار، وتراجع الجنيه الإسترليني واليورو مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 11% و4.5% توالياً، لتسجل العملتان أكبر انخفاض لهما خلال يوم واحد مع وصول زوج الجنيه الإسترليني / الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له خلال 31 عاماً.
وشهدت أسواق الأسهم تراجعاً مماثلاً، حيث انخفضت مؤشرات “داكس”، “كاك 40” و “ستاندارد آند بورز” بنسبة 6%، 8% و 3% على التوالي.

حيث كان التأثير على المعدن الأصفر كالتالي:
كان المعدن الأصفر أحد أكبر المستفيدين من استفتاء بريكسيت، ومن المعروف تاريخياً فالذهب يكون الملاذ الآمن للمستثمرين في أوقات الأزمات العالمية وفترات التقلب وعدم اليقين التي تسود أسواق الأسهم والعملات.
حيث ومباشرة بعد استفتاء 23 يونيو عرف الذهب ارتفاعاً قياسياً بمعدل 4.5% ليقوم باختراق مستوى المقاومة عند 1300 دولار، المستوى الذي ارتد منه مرتين في سنة 2016 مسجلاً أعلى مستوى له خلال سنتين ليصل إلى مستوى 1366 بعد مرور أسبوعين من “البريكسيت”.
وكان الذهب قد عرف ارتفاعاً بنسبة 28% منذ بداية عام 2016 حيث ارتفع من مستوى 1060 إلى ما فوق مستوى 1360 مع نهاية شهر يونيو، مدعوماً بمخاوف تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وتقلبات الأسعار في أسواق الأسهم والعملات.
ومن المرجح استمرار ارتفاع أسعار المعدن الأصفر مع استمرار حالة عدم اليقين في الأسواق المالية والغموض حول تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اليورو.

“مفاوضات التجارة الصينية الأميركية”
التفاؤل الذي أفرزه الحديث عن تقدم في مفاوضات التجارة الصينية الأمريكية حد من مكاسب المعدن الاصفر، مما عزز الإقبال على الأصول المرتفعة المخاطر.
وقال “يو تشينغ” نائب وزير الخارجية الصيني ، إن الصين والولايات المتحدة أحرزتا بعض التقدم في محادثاتهما التجارية، جاءت تصريحات له بعد يوم من حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن التفاؤل بشأن إبرام اتفاق، بينما قال لاري كودلو مستشار البيت الأبيض، إنه من الممكن سحب الرسوم المقررة على سلع صينية في شهر ديسمبر كانون الأول إذا مضت المحادثات على نحو جيد.
وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، ارتفعت الفضة 0.4% إلى 17.64 دولارا للأوقية، لتواصل مكاسبها للجلسة الخامسة على التوالي، وصعد البلاتين 0.2% إلى 889.27 دولارا، وربح البلاديوم 0.1% إلى 1760.01 دولارا للأوقية.
كما تترقب أسواق الذهب التفاعل مع المتغيرات المتسارعة بشأن الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وسجلت أسعار التعاقدات الآجلة للذهب ، في السوق الأمريكية تراجعا حادا، مع ارتفاع الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى، وتراجع المخاوف بشأن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين في أعقاب اتفاق البلدين على استئناف المفاوضات التجارية بينهما.
وذكر صندوق النقد الدولي أن حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين هي السبب في القرار الذي أصدره هذا الأسبوع بتخفيض سقف توقعات النمو الاقتصادي العالمي للعام 2019 من 3.2% إلى 3%.
ونباء على ما تقدم، نستنتج أن الاتجاه بالتفكير نحو الملاذ الآمن يكون عند وقوع الأزمات الاقتصادية العالمية، وينحصر الملاذ الآمن فقط في نطاق الاستثمار الذي تبقي قيمته ثابته، بل ترتفع في الظروف والأزمات الاقتصادية ، وأن الارتفاعات المتلاحقة للذهب، منذ فترة ومن حين إلى آخر، تؤكد عدم رغبة المستثمرين في البيع على الأسعار الحالية، حيث أنه من المرجح أن يتخذ المعدن الأصفر مسارا أكثر صعودا الفترة المقبلة بعد تصاعد الوضع في لبنان وعدم استقرار الوضع في سوريا بعد التدخل التركي الأخير، بينما تعكس الأسعار الحالية الأوضاع الجيوسياسية بالمنطقة وتؤكد أن الكل يبحث عن الملاذات الآمنة.

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية