جدل مصري تركي.. هل يفجر غاز شرق المتوسط صراع إعادة تشكيل القوى الإقليمية؟

جدل مصري تركي.. هل يفجر غاز شرق المتوسط صراع إعادة تشكيل القوى الإقليمية؟

يبدو أن الدور المصري في ليبيا تجاوز قضية الحفاظ على أمنها القومي وتأمين حدودها الغربية، ليصب في اتجاه السعي لإدارة المنطقة من قبل تحالف “مصر والسعودية والإمارات”.

فلم يعد خافيا على أحد الدعم المصري للواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود صراعا مسلحا ضد حكومة الوفاق الشرعية، على الرغم مما يسببه ذلك من تهديد وعدم استقرار للأوضاع في ليبيا.

تختلط الأوراق لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي فيما يتعلق بطبيعة علاقته مع جيرانه في ليبيا، ففي أبريل/نيسان 2016 عبّر السيسي عن استبعاده فكرة مهاجمة ليبيا والاستحواذ على نفطها بحجة مواجهة الإرهاب، وذلك بعد تعرض مجموعة من المصريين للذبح في مدينة سرت الليبية.

كما تناول السيسي أثناء كلمته أمام الأمم المتحدة في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي قضية إعادة توزيع الثروة في ليبيا، وهو ما أثار حفيظة الليبيين الذين اعتبروه تدخلا في شؤونهم الداخلية.

وأخيرا أعلنت مصر اعتراضها على اتفاق ترسيم الحدود بين ليبيا وتركيا، واعتبرته فاقدا للشرعية القانونية، لترد تركيا بأنها ستواصل تنفيذ الاتفاق دون النظر إلى “صراخ وعويل البعض”، وهو ما يدفع للتساؤل بشأن إمكانية تفجر صراع إقليمي على خلفية ثروة الغاز في شرق البحر المتوسط.الطاقة في مصر وتركيا
وتتمثل مصادر الطاقة في مصر -بحسب بيانات وزارة البترول- في الغاز الطبيعي بنسبة 55%، والنفط بنسبة 41%، والطاقة المائية 2%. أما تركيا فتشمل مصادر الطاقة فيها النفط والغاز الطبيعي والفحم، حيث يشكل هؤلاء 66.7% من استهلاك الطاقة، بينما تبلغ نسبة المصادر المائية 24.5%، أما الطاقة المتجددة فتساهم بنحو 8.6%.

وحققت مصر اكتفاءها الذاتي من الغاز الطبيعي خلال عام 2019، كما أن ميزانها التجاري البترولي حقق نحو 9 ملايين دولار فائضا في 2018-2019، إلا أن هذه الأرقام تشمل حصة الشريك الأجنبي التي تقدر بنحو 40%، وهو ما يعني أن حقيقة الميزان التجاري البترولي لمصر يعاني من عجز.

أما تركيا فهي تعتمد على استيراد نحو 75% من احتياجاتها من الطاقة من الخارج، ويتحمل ميزان مدفوعاتها نحو 40 مليار دولار سنويا، وتعد روسيا والعراق وإيران أهم موردي الطاقة إلى تركيا.

ولذلك فإن قضية غاز شرق المتوسط تحتل أهمية كبرى لأنقرة، فهي من جانب تعكس احتياجا اقتصاديا، ومن جانب آخر تتعلق بوضعها الإقليمي وضرورة الحفاظ على مكانتها، وكونها قوة إقليمية لها اعتباراتها التاريخية وحقوقها في ثروات المنطقة.

خلل في توازن القوى الإقليمية
في عام 2013 وعبر بحث السيسي عن دعم انقلابه العسكري إقليميا ودوليا، وقعت مصر اتفاقية لإعادة ترسيم الحدود مع قبرص، مما ساعد بشكل كبير كلا من مصر وقبرص وإسرائيل على التنقيب عن الغاز الطبيعي في مياه شرق البحر المتوسط.

وفي 2018 دخل حقل ظهر المصري حيز الإنتاج، ومن خلاله أعلنت مصر عن اكتفائها الذاتي من الغاز الطبيعي منتصف عام 2019، حيث بلغ الإنتاج اليومي للحقل 2.7 مليار قدم مكعب.
اعلان

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكن مصر أعلنت عن إستراتيجيتها لتكون مركزا إقليميا لتجارة الغاز الطبيعي، من خلال خط الأنابيب المملوك لشركة غاز المتوسط -وهي شركة مملوكة لرجال أعمال مصريين وإسرائيليين- ليحمل هذا الخط الغاز الخاص بكل من قبرص وإسرائيل إلى أوروبا.

وهي الخطوة نفسها التي تخطط لها تركيا منذ فترة لتكون مركزا إقليميا لتجارة الغاز الطبيعي في المنطقة، عبر نقل غاز أذربيجان وروسيا إلى الدول الأوروبية. وبحسب تصريح للرئيس التركي الطيب رجب أردوغان، فإن خط السيل التركي سوف يُطلق للعمل في يناير/كانون الثاني 2020، لينقل غاز روسيا إلى أوروبا عبر البحر الأسود والأراضي التركية.

ولذلك فثروة الغاز الطبيعي وتجارته، واحدة من مجالات التنافس والصراع بين مصر وتركيا، وإن كان لها دلالاتها الأخرى السياسية والأمنية بالإضافة إلى بعدها الاقتصادي.

وتعد خطوة ترسيم الحدود وإنتاج حقول الغاز الطبيعي لصالح كل من قبرص واليونان وإسرائيل، هي ما أثار الجانب التركي، لأنها تجاهلت حقوق قبرص التركية، لذلك سيرت تركيا في 2018 سفنها للتنقيب عن الغاز الطبيعي في محيطها المائي، وكذلك محيط المياه لقبرص التركية، واعتبرت تركيا -عبر تصريحات وزير خارجيتها جاويش أوغلو- أن اتفاقية ترسيم الحدود التي وقعتها مصر مع قبرص عام 2013 غير قانونية.

صراعات سياسية وتحالفات بين عدة دول للسيطرة على حقول الغاز الطبيعي في شرق المتوسط (رويترز)
صراعات سياسية وتحالفات بين عدة دول للسيطرة على حقول الغاز الطبيعي في شرق المتوسط (رويترز)
الرد التركي
وفي مواجهة تحالفات مصر المتعددة، مثل الطاقية مع إسرائيل وقبرص واليونان، والسياسية مع السعودية والإمارات؛ اتجهت تركيا لتقوية موقفها الإقليمي، فمكنت علاقاتها بليبيا ودفعت بدعم عسكري لحكومة الوفاق الشرعية الليبية.

وخلال الأيام القليلة الماضية تم توقيع مذكرات تفاهم تتعلق بالتعاون الأمني، وكذلك اتفاقية لترسيم الحدود في المياه البحرية، وهو ما اعترضت عليه مصر وقبرص واليونان، لأنه سيقوي موقف تركيا وتواجدها في دائرة التنقيب عن الغاز الطبيعي في مياه شرق البحر المتوسط.

وتدثر بيان الخارجية المصرية بسند قانوني، ووصف اتفاقيات ليبيا وتركيا الموقعة يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بأنها معدومة الأثر، ويعتمد الاعتراض المصري على ما نص عليه اتفاق الصخيرات الذي أتى بحكومة الوفاق، من أن صلاحية توقيع اتفاقيات دولية من صلاحيات مجلس الوزراء بأكمله وليس رئيس الوزراء وحده.

لكن الرئيس التركي أكد عزم بلاده المضي في تطبيق الاتفاقيات بجميع بنودها. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال مشاركته في مراسم ربط خط أنابيب الغاز العابر للأناضول (تاناب) مع خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي (تاب) لنقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا.

وقال أردوغان إن “أعمال التنقيب التي نقوم بها سينبثق عنها السلام والازدهار وليس الصراع والدماء”، مؤكدا أن تركيا لن تسحب سفنها من هناك “إذعانا لصراخ البعض وعويله”، مضيفا أن “هناك من يسعى لتأجيج التوتر بدلا من التقاسم العادل لموارد الهيدروكربون في شرق البحر المتوسط، ويلجأ إلى لغة التهديد والابتزاز رغم إمكانية التقاسم العادل”.

ووفق بيانات تستند لمصادر جيولوجية أميركية، فإن ثروة مياه شرق البحر المتوسط من الغاز الطبيعي والنفط تقدر بنحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل من احتياطات النفط.

وتقدر حصة مصر من هذه الثروة بـ850 مليار متر مكعب، وقبرص بـ140 مليار متر مكعب، أما إسرائيل فهي تستحوذ على 310 مليارات متر مكعب، وهي حق للشعب الفلسطيني.

أما الكميات المتاحة في آبار “ليفياثان، وتانين، وكارش، ورويي” فتقدر بنحو 795 مترا مكعبا من الغاز الطبيعي، وهي آبار متنازع عليها بين إسرائيل وباقي دول المنطقة مثل لبنان وقبرص.
اعلان

ومنذ الانقلاب العسكري في مصر صيف 2013، توترت العلاقة بين القاهرة وأنقرة، حيث رفضت تركيا الانقلاب واستقبلت آلاف المصريين المعارضين، كما وجه الرئيس التركي اتهاما صريحا لنظام السيسي بقتل الرئيس الراحل محمد مرسي.

الجزيرة