تكشف مبالغة طهران في اعتماد خطاب التهدئة تجاه دول المنطقة، لاسيما غريمتها الأولى المملكة العربية السعوية، حجم الصعوبات التي تواجهها، والتي تدفعها إلى محاولة تبريد الصراعات التي كانت هي نفسها وراء تأجيجها ولا تستطيع في الوقت الراهن مواصلة خوضها بنفس الوتيرة بالنّظر إلى ظروفها الاقتصادية المعقّدة وأوضاعها الداخلية الهشّة.
وانتهز الرئيس الإيراني حسن روحاني زيارة وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى طهران، لتوجيه المزيد من رسائل التهدئة للرّياض.
وخلال استقباله ابن علوي، الثلاثاء، قال روحاني إنّه لا مشكلة لدى طهران في استئناف العلاقات مع السعودية، في إطار حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
وجاءت زيارة ابن علوي لإيران بهدف بحث مبادرة هرمز للسلام المطروحة من قبل إيران لتهدئة الأوضاع في المنطقة، وفق وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.
وتعيش إيران في الوقت الحالي تحت ضغوط أميركية غير مسبوقة وعقوبات شديدة من قبل واشنطن خلقت لطهران صعوبات اقتصادية بدأت تأثيراتها تمتدّ إلى الشارع الذي انفجر غضبا خلال الأسابيع الماضية، لكنّ القبضة الأمنية الشديدة تمكّنت من إخماد الاحتجاجات سريعا.
كذلك يواجه النفوذ الذي بنته إيران على مدى سنوات طويلة في عدد من الدول العربية، أكبر عثرة جرّاء الاحتجاجات العارمة الجارية في كلّ من العراق ولبنان والتي وجّه المحتجون خلالها غضبهم بشكل مباشر صوب طهران والنخب السياسية الموالية لها في البلدين.
يستبعد أن تتجاوب دول الخليج مع الدعوات الإيرانية للتهدئة والتصالح قبل حدوث تغييرات فعلية في سياساتها
ويعتقد مراقبون أنّ مختلف تلك الصعوبات هي ما يدفع إيران في الوقت الحالي إلى تغيير خطابها من التهديد والوعيد إلى الدعوة للتهدئة والحوار مع بلدان المنطقة.
وقال روحاني إنّ “إيران لا ترى أي مشكلة في تنمية العلاقات مع الجيران وإعادة العلاقات مع السعودية”، مضيفا “نرى ضرورة وقوف كافة الدول إلى جانب بعضها البعض من أجل إرساء الأمن والاستقرار والثبات في المنطقة”.
وتابع “يجب أن نساعد جميعا من أجل إنهاء الحرب والصراع في اليمن بشكل أسرع وإحلال السلام والأمن في ظل محادثات السلام، وفي إطار المحادثات اليمنية اليمنية”. ومن جهته قال الوزير العماني إنّ “مبادرة إيران للسلام في هرمز تصب في صالح الأمن والاستقرار لدول المنطقة”، حسب الوكالة ذاتها.
ومؤخرا، أعلنت الخارجية الإيرانية إرسال النص الكامل لمقترح مبادرة السلام بمضيق هرمز التي أطلقها الرئيس روحاني إلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي والعراق.
وطرحت طهران تلك المبادرة خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في وقت سابق من العام الجاري بهدف “الارتقاء بالسلام لكل الشعوب المستفيدة من مضيق هرمز، وتأسيس علاقات ودية، وإطلاق عمل جماعي لتأمين إمدادات الطاقة وحرية الملاحة”.
ويشكّك مراقبون في إمكانية نجاح المبادرة الإيرانية وإمكانية تسويقها لبلدان المنطقة التي تشهد على أرض الواقع تبعات السياسات الإيرانية المثيرة للتوترات والمزعزعة للاستقرار.ويقول هؤلاء إنّ سلطنة عُمان بحدّ ذاتها، ورغم متانة علاقتها بطهران، متردّدة في القبول بالمبادرة الإيرانية إن لم يكن ذلك في نطاق جماعي يشمل كل دول المنطقة.
وتجنّب يوسف بن علوي خلال محادثاته في طهران مع وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف، إلزام بلاده منفردة بقبول المبادرة الإيرانية ملقيا بالكرة في ملعب دول المنطقة مجتمعة. ودعا من طهران إلى عقد مؤتمر شامل لجميع الدول المعنية بمشاركة إيران الحوار والتفاهم.
واعتبر الوزير العماني أن أوضاع المنطقة “بحاجة إلى مزيد من الحوار والتفاهم”، معتبرا أنّ “عقد مؤتمر شامل بمشاركة جميع الدول المعنية يمكن أن يكون مفيدا”. ولا يبتعد الموقف الكويتي عن الموقف العماني الحذر من المبادرة الإيرانية، حيث لم ترفض الكويت المبادرة صراحة لكنّها لم تسلّم بها دون شروط.
وأكد رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد أن نجاح المبادرة الإيرانية يتوقف على علاقة طهران بدول العالم والتي لا بدّ أن تكون طبيعية. وأضاف خلال لقاء جمعه في وقت سابق مع رؤساء تحرير الصحف المحلية أن نجاح تلك المبادرة يحتاج توفّر الظروف الملائمة.
العرب