تاريخ حزين بهدف الدعاية.. هل تعيد إسرائيل سرد قصة اليهود العرب؟

تاريخ حزين بهدف الدعاية.. هل تعيد إسرائيل سرد قصة اليهود العرب؟

نشر المؤرخ اليهودي سالو بارون في عام 1928 مقالته الشهيرة “الغيتو والتحرر: هل نراجع النظرة التقليدية؟”، متناولا مخاطر كتابة التاريخ اليهودي باعتباره سردا بكائيا من الدموع والآلام والدماء.

وكتب في العام 1963 مقالة أخرى ذكر فيها أنه كان طوال حياته يقاتل ضد مفهوم الدموع والدماء المهيمن على التاريخ اليهودي، وأضاف “لقد شوهت المعاناة الصورة الكلية للتطور التاريخي اليهودي”.

كان بارون أهم مؤرخ يهودي من جيله، ولد عام 1895 لعائلة يهودية تقليدية ثرية ومثقفة في الإمبراطورية النمساوية، وتحدثت عائلته اللغة الألمانية وليس اللغة اليديشية التي تتكلمها الجماهير اليهودية الفقيرة في أوروبا الشرقية.

وتحدى مقال بارون مقولات أهم مؤرخي اليهود في القرن 19 هاينريش جريتز الذي نظر للتاريخ اليهودي بوصفه سلسلة متصلة من المآسي وحلقات المعاناة.

وأصر بارون على أن فكرة اضطهاد اليهود أكثر من أي مجموعة عرقية أو دينية أخرى على مر التاريخ هي فكرة خاطئة، وختم مقالته بأنه “حان الوقت لكسر نظرية تاريخ الدم، واعتماد وجهة نظر أكثر انسجاما مع الحقيقة التاريخية”.

تاريخ متباكٍ
وفي مقال مشترك نشرته أخيرا صحيفة هآرتس الإسرائيلية، تناول الكاتبان ليئور شتيرنفيلد ومنشيه عنزي مخاطر كتابة التاريخ اليهودي بطريقة المأساة والمعاناة المستمرة لخدمة أغراض الدعاية السياسية والبروباغندا، وأشارا إلى ما اعتبراه مشروعا لصياغة تاريخ “حزين” ليهود الشرق الأوسط لتبرير السياسات الإسرائيلية المعاصرة.

واستشهد الكاتبان بفكرة بارون عن التاريخ اليهودي، إذ اعتبر أنه لا يجب أن يتم اختزاله وتبسيطه في “سلسلة من الاضطهادات”، بل كان عملية تواصل مستمر بين اليهود ومحيطهم، وينبغي دراسته في سياق المجتمعات غير اليهودية التي عاشوا بينها.

ودرس بارون كيف يساء استخدام التصور المشوه للماضي، وإساءة فهم السياق التاريخي من أجل خدمة الأهداف السياسية، وكان يدافع عن مفهومه المتنوع للتاريخ اليهودي الذي يأخذ في الاعتبار التعقيدات التاريخية في الجوانب الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية المختلفة.

وأشار الكاتبان إلى كون وزارتي الثقافة والتعليم الإسرائيلية تعيدان كتاب التاريخ الصهيوني المبكر بطريقة أيديولوجية ومسيسة لتبرير الأحداث الحالية تاريخيا، مستشهدين بمزاعم معاداة السامية في العالم الإسلامي، التي تسعى إسرائيل عبر ترويجها لتبرير إحجامها عن قبول عملية السلام في المنطقة وتعزيز التعايش اليهودي العربي في إسرائيل، على حد تعبير الكاتبين.

ولفت الكاتبان إلى تغيير أسماء شوارع حي سلوان ضمن عملية التهويد بالقدس، إذ جرى تنفيذ قرار البلدية الإسرائيلية وتثبيت لافتات شوارع جديدة تحمل أسماء حاخامات يهود يمنيين يدعي الاحتلال أنهم عاشوا في الحي الفلسطيني.

وأضافا أن هذه الممارسة تحاول بها الدولة الإسرائيلية أن تغسل يديها من عقود جرى فيها إهمال التاريخ غير الإشكنازي (اليهود الغربيين) لكنها -للمفارقة- فعلت ذلك في حي تسكنه غالبية فلسطينية ساحقة ولا تطؤه أقدام اليهود الإسرائيليين.

ويقول الكاتبان إنه يجري تصوير التاريخ اليهودي بما في ذلك تاريخهم في بعض بلدان العالم الإسلامي كسلسلة من المآسي لأهداف سياسية، ويظهر ذلك بوضوح في الهوس الإسرائيلي بتصوير فرنسا بأنها تعاني من هجرة المسلمين ومعاداة السامية لحث اليهود الفرنسيين على الهجرة إلى إسرائيل.

وتتجاهل هذه السردية الإسرائيلية الثقافة والتاريخ الغني للمجتمعات اليهودية في شمالي أفريقيا والشرق الأوسط، وتصر على أنهم عاشوا حياة مهينة كمقيمين من الدرجة الثانية، “في انتظار الخلاص الصهيوني”، وبمجرد تأسيس إسرائيل هاجروا إلى هناك بحسب الرواية الإسرائيلية التي يراها الكاتبان مضللة.

وتتجاهل هذه الرواية -بحسب الكاتبين- قرونا طويلة من حياة اليهود في العالم الإسلامي، وتنكر كذلك كون المجتمعات اليهودية في الشرق الأوسط جزءا لا يتجزأ من مجتمعاتها، في محاولة لربط تاريخ اليهود في الشرق الأوسط بنظرائهم من المجتمعات اليهودية في البلاد الأوروبية، إذ تعرضوا للطرد من إسبانيا والبرتغال وللمذابح في روسيا أواخر القرن التاسع عشر وبألمانيا منتصف القرن العشرين.

وختم الكاتبان مقالهما المشترك بالقول إن يهود الشرق الأوسط عاشوا في سياق عربي وإسلامي يجري حاليا محو تاريخه بالتوازي مع السعي الإسرائيلي للقضاء على التاريخ الفلسطيني.

واعتبرا أنه يجري تناول تاريخ المجتمعات اليهودية التي عاشت في الشرق الأوسط بطريقة التبسيط والاختزال التي حللها المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه “الاستشراق”، مستنكرين المقارنة مثلا بين أحوال اليهود اليمنيين والمغاربة والمصريين والعراقيين واللبنانيين وغيرهم ممن عاشوا وهاجروا في ظروف مختلفة، فليس هناك تاريخ موحد ومبسط لهذه المجتمعات المتباينة.

ضحية الضحية
يرى المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد أن الفلسطينيين كانوا ضحية الضحية، ويقصد أن اليهود كانوا ضحايا الغرب المسيحي، ويقول في مقاله “أوسلو وما بعدها” إن “اليهود يُنظر إليهم بحق كضحايا تاريخ طويل من الاضطهاد الغربي المسيحي المناهض للسامية بشكل أساسي، وقد توج بفظاعات المحرقة النازية التي تكاد تتجاوز حدود التصديق، لكن بالنسبة إلى الفلسطينيين فإن دورهم هو دور ضحايا الضحايا”.

الجزيرة