العراق.. البحث عن رئيس وزراء وخلاف حول المهلة الدستورية

العراق.. البحث عن رئيس وزراء وخلاف حول المهلة الدستورية

انتهت الإثنين المهلة المحددة في الدستور العراقي دون أن يكلّف رئيس الجمهورية شخصية بتشكيل الحكومة، على وقع احتجاجات شعبية تطالب برحيل ومحاسبة النخبة السياسية الحاكمة منذ عام 2003، في ظل اتهامات بفساد سياسي ومالي.
وصادق البرلمان العراقي، في الأول من ديسمبر/ كانون أول الجاري، على استقالة حكومة عادل عبد المهدي؛ تحت وطأة احتجاجات مستمرة منذ مطلع أكتوبر/ تشرين أول الماضي.
ووفق القوانين النافذة، يتعين على الرئيس تكليف شخصية بتشكيل حكومة خلال 15 يوما من قبول استقالة عبد المهدي، لكن الرئاسة تقول إنها تسلمت خطاب الاستقالة في الرابع من الشهر الجاري، أي أن المهلة الدستورية تنتهي الخميس المقبل، وفق تقديرها.

انقسام حول السوداني
حتى الآن، لم يُعلَن رسميا عن أي مرشح لرئاسة الحكومة المقبلة، ولم تظهر بوادر انفراج بشأن مرشح يحظى بدعم الأحزاب وتأييد المحتجين.
ويسعى الجناحان المقرّبان من إيران، ائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي وائتلاف “الفتح” بقيادة هادي العامري، إلى طرح اسم البرلماني، محمد شياع السوداني، لكنه يواجه رفضا من المتظاهرين وتحالف “سائرون” المدعوم من مقتدى الصدر، وائتلاف “النصر” بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
كما أن السوداني، الذي استقال الجمعة الماضي من حزب “الدعوة” بزعامة المالكي، لا يحظى بدعم المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، الذي دعا سابقا إلى ترشيح شخصية لم تتول أي منصب حكومي بعد 2003.
ورفع محتجون في أرجاء العراق لافتات مكتوب عليها: “مستقل لا مستقيل”، في إشارة إلى رفضهم ترشيح السوداني.
وسبق لـ”السوداني” أن شغل مناصب رسمية رفيعة، فهو برلماني حاليا، وكان وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية بحكومة العبادي، ووزيرا لحقوق الإنسان في حكومة المالكي الثانية (2010 -2014)، ومحافظا لميسان عامي 2009 و2010.
ويقول مصدر برئاسة الجمهورية، مفضلًا عدم نشر اسمه، إن “الرئيس (برهم) صالح، وافق على تكليف السوداني برئاسة الوزراء، ثم تراجع بعد الرفض السياسي والشعبي”.
ويضيف أن “الرئيس لا يريد أن يكون جزءا من أزمة جديدة، فهو يريد اختيارا يرضي جميع الأطراف.. حتى الآن لا يوجد اتفاق نهائي على ترشيح أي شخصية”.

الكتلة البرلمانية الأكبر
البرلمان أجاب الإثنين، على استفسار للرئيس صالح بشأن هوية الكتلة الأكثر نوابا في البرلمان، والتي يُفترض، وفقا للدستور، أن تقدم مرشحا لرئاسة الوزراء.
وقال النائب الأول لرئيس البرلمان، حسن الكعبي، في كتاب رسمي: “سبق وأن أعلم مجلس النواب رئاسة الجمهورية بالكتلة النيابية الأكثر عددا، في الثاني من (أكتوبر) تشرين الأول 2018، وعلى أساسها كلفتم مرشحها رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، بتشكيل الحكومة الحالية”.
ويشير الكعبي بذلك إلى كتل نيابية توافقت فيما بينها على تسمية عبد المهدي، بينها الكتلتان المتنافستان حاليا، وهما “سائرون” و”الفتح”.
ويصر تحالف “سائرون” حاليا على أن يكون رئيس الوزراء المقبل مستقلا، استجابة للمحتجين.

ترشيحات المحتجين
المحتجون وسط وجنوبي العراق، اقترحوا خمسة مرشحين لمنصب رئيس الوزراء، وخولوا الرئيس صالح لاختيار أحدهم.
ورفع المحتجون في ساحات التظاهر بالعاصمة بغداد ومحافظات أخرى صور كل من الفريق الركن عبد الغني الأسدي، والفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، والقاضي رحيم العكيلي، ومحافظ البنك المركزي السابق، سنان الشبيبي، ووزير الاتصالات الأسبق محمد علاوي، مطالبين الرئيس بتكليف أحدهم.
وذكرت الوكالة الرسمية للأنباء، نقلا عن مصادر لم تسمها، أن الرئيس صالح تسلم قائمة تضم مرشحين، أبرزهم: محمد شياع السوداني، ومحافظ البصرة (جنوب)، أسعد العيداني، ورئيس جهاز المخابرات، مصطفى الكاظمي.
وأضافت أنه تسلم أيضا أسماء من متظاهرين، أبرزها القاضي رائد جوحي.
ولفتت إلى أن عبد المهدي أبلغ رئيس الجمهورية بأن آخر موعد لحكومة تصريف الأعمال هو الخميس المقبل.
ويقول جميل الشمري، عضو اللجنة التنسيقية لاحتجاجات محافظة ديالى، إن “أي مرشح من الكتل السياسية سيواجه رفضا واسعا.. هناك اتفاق بين تنسيقيات الاحتجاجات على عدم السماح بمصادرة ثورة أكتوبر بتبديل الوجوه”.
ويرى الشمري أن “الكتل السياسية ليس لديها خيار سوى الرضوخ لإرادة الشعب، ونحن قلنا بأنه لن يُسمح بأن يكون رئيس الوزراء المقبل مرشحا من الأحزاب السياسية الحالية”.

فراغ دستوري
في حال انقضاء الـ15 يوما من دون أن يكلف الرئيس صالح شخصية بتشكيل الحكومة يدخل العراق في حالة فراغ دستوري لا يعالجها الدستور.
ووفق الخبير القانوني، عضو نقابة المحامين العراقيين، طارق حرب، فإن “عبد المهدي سيواصل أداء مهامه في إدارة حكومة تصريف الأعمال حتى يكلف الرئيس صالح شخصية أخرى بإدارة المنصب”.
ويوضح حرب أنه “في حال عدم الاتفاق (على رئيس للوزراء)، حتى لو طالت المدة لعام كامل، يواصل عبد المهدي إدارة حكومة تصريف الأعمال”.
ويتابع: “وفقا للدستور العراقي يمكن أن يتولى الرئيس منصب رئيس الوزراء، في حال وفاة أو اغتيال أو اختطاف أو مرض رئيس الوزراء الحالي”.
وفي ظل هذه الخلافات السياسية والضغوط الشعبية، تشهد بغداد مشاورات مكثفة بحثا عن مخرج حتى الخميس المقبل، في وقت تتواصل فيه احتجاجات تتخللها أعمال عنف.
ومنذ بدء الاحتجاجات سقط ما لا يقل عن 492 قتيلاً وأكثر من 17 ألف جريح، استنادا إلى أرقام مفوضية حقوق الإنسان (رسمية) ومصادر طبية وأمنية.
والغالبية العظمى من الضحايا هم من المحتجين، وسقطوا، وفق المتظاهرين وتقارير حقوقية دولية، في مواجهات مع قوات الأمن ومسلحين من فصائل “الحشد الشعبي” على صلة بإيران، المرتبطة بعلاقات وثيقة مع الأحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد. لكن الحشد ينفي أي دور له في قتل المحتجين.

(الأناضول)