بعد تكبده الخسائر، تنظيم «الدولة الإسلامية» يخطط للعودة

بعد تكبده الخسائر، تنظيم «الدولة الإسلامية» يخطط للعودة

بالنسبة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، لم تكن خسارة الأراضي صادمة بالضرورة. فمنذ عام 2016، كان قد وضع خطة للصمود رغم خسارة الخلافة تستقي العبر من الانتكاسات التي عاشها بين عاميْ 2007 و 2009. وفي خطاب ألقاه في أيار/مايو 2016، أعدّ المتحدث باسم تنظيم «داعش» آنذاك أبو محمد العدناني أنصار التنظيم للصمود في وجه هزيمة تكتيكية أخرى. وقال “النصر هو هزيمة الخصم”، ثم سأل المستمعين، “هل هُزِمنا عندما فقدنا المدن في العراق وكنا في الصحراء دون أي مدينة أو أرض؟ وهل سنُهزَم [إذا فقدنا] الموصل أو سرت أو الرقة؟ بالتأكيد لا! الهزيمة الحقيقية هي فقدان قوة الإرادة والرغبة في القتال”.

كما أعدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» أتباعه لاحتمال مقتل أبو بكر البغدادي. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2016، حذّر البغدادي قائلاً “اعلموا أنه في حالة مقتل بعض قادتكم فإن الله سيخلفهم بأشخاص مساوين لهم أو أفضل منهم. الله لن يهملكم، فلا تشعروا بالإحباط. حقاً، إن الله معنا”.

ومن غير المرجح أن تردع هذه الانتكاسات مناصري تنظيم «الدولة الإسلامية» الأكثر ولاءً. غير أن خسارة الأراضي قوّضت قدرتهم على تجنيد أتباع جدد على الصعيدين المحلي والعالمي بالقدر نفسه كما فعلوا في الفترة 2012-2015، حين دفعت بهم رسالتهم المتمحورة حول الفوز وحشد الزخم إلى تعليق آمال أكبر من مجرد إعلان الخلافة.

كيف تعاطى تنظيم «الدولة الإسلامية» مع الخسائر في رسائله؟

في آذار/مارس 2019، حين كان تنظيم «الدولة الإسلامية» يخسر بلدة الباغوز، آخر قطعة من الأرض كان لا يزال يسيطر عليها، صرّح المتحدث باسمه آنذاك أبو الحسن المهاجر قائلاً إنه “بمشيئة الله، لا يزال أبناء الخلافة يثبتون أنهم الصخرة الصلبة والراسخة التي ستكسر تحالف الكفار … سوف ينسحبون … بخزي وعار”. وقال ذلك في معرض شرحه بأن الخسارة كانت مجرد اختبار من الله للمساعدة على تطهير صفوف التنظيم: “النصر يأتي بالصبر، والراحة تأتي بعد المعاناة … وبالصبر يكون تحقيق الوعود”.

وردّ البغدادي على خسارة الأرض في رسالة مصوّرة في نيسان/أبريل 2019، هي الثانية فقط التي يُظهر فيها وجهه خلال أعوامه التسعة كزعيم لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، أشاد فيها بأولئك الذين حاربوا في سبيل الله ضد ما وصفهم “بوحشية الصليبيين”. وكرر بأن المعركة الحالية “هي معركة استنزاف” ستعيق “العدو” على المدى الطويل. كما سلّط أبو بكر الضوء على الأنشطة التي كانت تنفذها الولايات الخارجية للتنظيم خارج العراق وسوريا للتأكيد على عزم التنظيم المستمر وعلى أن خسارة الأراضي لم يكن نهاية تنظيم «داعش»، مشيراً إلى أنها كانت مرحلة جديدة فقط.

كيف أثرت الخسائر على قدرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على تجنيد المقاتلين – أو إبقاء قواته سالمة؟

في أعقاب خسارة تنظيم «الدولة الإسلامية» للأراضي، أطلق حملة مصوّرة بعنوان “النتيجة الأفضل يحققها الصالحون” لإعادة تأكيد الولاء للبغدادي. وكان الهدف منها أن تُظهر فروع التنظيم ضمن شبكته العالمية أنها لا تزال منضوية تحت مظلته. وقد حشدت الحملة الدعم من أبرز فروع التنظيم في العراق وسوريا وكذلك من المحافظات البعيدة وأنصار «داعش» في بنغلاديش واليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق والصومال وتونس وتركيا وليبيا وأذربيجان وأفغانستان والشيشان والفلبين ومصر ونيجيريا.

وبعد مقتل البغدادي، أطلق تنظيم «الدولة الإسلامية» مرة أخرى حملة تقوم على مجموعة من الصور تظهر قواته المقاتلة في “محافظاتها” وهي تقوم بمبايعة زعيمه الجديد أبو إبراهيم الهاشمي القرشي. وتضمنت الصور فروعاً في مصر وبنغلاديش والصومال وباكستان واليمن وسوريا وأفغانستان وتونس ونيجيريا والفلبين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق ومالي وبوركينا فاسو والعراق وليبيا وإندونيسيا وأذربيجان.

وقد أطلق تنظيم «الدولة الإسلامية» الحملة لسببين. أولاً، ترتبط الولاءات بقائد معيّن وليس بالتنظيم، وبالتالي لا بدّ من تجديدها عند كل خلافة جديدة. ثانياً، كانت طريقة إضفاء الشرعية على حكم القرشي وإطلاق حدث إعلامي لكي يتمكن التنظيم من الترويج لنفسه في ظل انتقاله إلى مرحلة جديدة. واكتست هذه العملية أهمية بالنسبة لشرعية قيادة التنظيم والقضاء على أي تمرد محتمل قبل أن يتبلور إلى تحرك أكبر، كما حدث عندما تمرد تنظيم «الدولة الإسلامية» على تنظيم «القاعدة» في الماضي.

هل هناك أي دليل على انشقاق أعضاء تنظيم «الدولة الإسلامية» أو انضمامهم إلى جماعات أخرى بما فيها فروع تنظيم «القاعدة»؟

كلا، لم تبرز أي أدلة على ذلك حتى الآن.

في عام 2019، قدّر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يزالون في العراق وسوريا. ما الذي يفعلونه هناك؟ ما هي أهدافهم؟

واصل تنظيم «الدولة الإسلامية» العمل كحركة متمردة في كلا البلدين. ويكرس أعضاؤه وقتهم لمحاولة تهريب السجناء وربما إعادة السيطرة على الأراضي. ومن خلال حرب استنزاف، يعتقدون أنهم سيرهقون أعدائهم. كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.

وفي الفترة الممتدة بين سقوط الباغوز في نهاية آذار/مارس 2019 و 12 كانون الأول/ديسمبر، أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن تنفيذ أكثر من 1500 عملية في العراق وسوريا. ففي سوريا، ادعى تنفيذ:

• 424 هجوم في محافظات دير الزور، و

• 129 في الحسكة،

• 115 في الرقة،

• 37 في حمص،

• 20 في درعا،

• 11 في حلب،

• و 3 في دمشق.

وفي العراق، ادعى التنظيم تنفيذ:

• 336 هجوم في محافظات ديالى، و

• 133 في كركوك،

• 111 في نينوى،

• 111 في بغداد،

• 107 في الأنبار

• 54 في صلاح الدين،

• و 27 في بابل.

وقد تبدو الأرقام مبهرة، لكن نشاط الجماعة لم يقترب حتى من الذروة التي بلغها بين عامي 2014 و 2016. واعتباراً من تشرين الثاني/نوفمبر 2019، سجل عدد الهجمات الشهرية في العراق أدنى مستوياته منذ غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، وفقاً للخبير في الشؤون العراقية جويل وينغ.

ما هي أكثر الأماكن التي ينشط فيها التنظيم؟ هل هناك قواعد جديدة لعمليات المقاتلين أو لأماكن تمركزهم؟

لقد نشط تنظيم «الدولة الإسلامية» بشكل خاص في محافظة دير الزور في سوريا ومحافظة ديالى في العراق، مستفيداً من المناطق ذات الحكم الضعيف ومستخدماً إياها كقواعد لإعادة رص صفوفه. وقد حدد التنظيم أهداف استراتيجيته التمردية في سلسلة مقالات صدرت في صحيفة “النبأ” الأسبوعية التابعة له في أواخر ربيع عام 2019.

وركز تنظيم «الدولة الإسلامية» على:

• عمليات المخابرات

• مفاجأة قوات العدو في المناطق الضعيفة

• الظهور والاختفاء حسب الإرادة

• عمليات التسلل الليلي

• الاعتداءات على قوات الأمن

• الاستيلاء على مواقع لفترات قصيرة من الوقت من أجل توفير الإمدادات وإعدام الأعداء (شيوخ القرى، زعماء القبائل، أولئك الذين يعملون مع أعدائهم)

• كسب غنائم الحرب بعد إلحاق الأذى بالعدو

• إطلاق سراح السجناء

• مضايقة من يتم إرسالهم كتعزيزات عبر عبوات ناسفة وكمائن،

• تخطيط طرق انسحاب آمنة ومعرفة المخارج المناسبة

• العودة إلى ملاجئ آمنة.

ماذا يُعرف عن أبو ابراهيم الهاشمي القرشي، خليفة البغدادي؟ هل هناك أي قادة آخرين بارزين قد يتولون زمام الأمور؟

لا يُعرف سوى القليل عن زعيم «الدولة الإسلامية» الجديد باستثناء أنه من قبيلة قريش (قبيلة النبي محمد)، مما يمنحه ميزة أن يصبح خليفة بفضل السلالة التي ينحدر منها. ويصف أبو حمزة القرشي المتحدث الرسمي الجديد باسم تنظيم «داعش» أبو ابراهيم بأنه عالم من العلماء “قارع حامية الصليب، أمريكا”، ربما في العراق. ويتمتع بمصداقية بين مؤيدي تنظيم «الدولة الإسلامية» بفضل خلفيته الدينية والعسكرية. وهناك شائعات بأن لقب أبو ابراهيم العسكري ربما يكون أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى (الحاج عبدالله)، رغم أن الأمر ليس مؤكداً بعد.

كيف يموّل تنظيم «الدولة الإسلامية» عملياته، ويدفع رواتب عناصره، ويشتري العتاد اللازم بالنظر إلى خسارة أصوله وسيطرته على حقول النفط السورية؟

لم تعد نفقات تنظيم «الدولة الإسلامية» كالسابق بما أنه لا يدير دولة، لكنه “لا يزال يملك ثروة متبقية كبيرة، تقدر بحوالي 300 مليون دولار…[و] يشجع على زيادة اكتفائه الذاتي المالي من خلال [ولاياته]”، وفقاً لـ تقرير صادر عن الأمم المتحدة في تموز/يوليو 2019. ومنذ خسارة معقله الأخير في الباغوز، استثمر تنظيم «داعش» مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، مثل العقارات ووكالات السيارات. ويوجد عدد منها في تركيا، وفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية التي صنفت أفراداً من تنظيم «الدولة الإسلامية» وشركات تحويل/صرف على لائحة الإرهاب. وفي أيلول/سبتمبر 2019، فككت تركيا بعض هذه الشبكات.

كما لا يزال تنظيم «الدولة الإسلامية» ينفذ مخططات ابتزاز من خلال الاختطاف مقابل الفدية؛ وفرض ضرائب على مسارات الاتجار بالبشر وخطوط إمدادات النفط؛ وبيع أصول مختلفة في السوق السوداء؛ والاستفادة من الفساد المستشري في مجال إعادة الإعمار في غرب العراق؛ وفرض دفع الزكاة على السكان المحليين عند سيطرتهم على بلدات لفترات قصيرة من الزمن.

معهد واشنطن