بغداد – تجد القوى السياسية الشيعية في العراق نفسها في مواجهة اختبار حاسم يتعلق بوحدة البلاد، في حال مضت نحو استكمال إجراءات إخراج القوات الأميركية وإنهاء اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة.
وكشفت جلسة البرلمان التي شهدت التصويت على قرار يلزم الحكومة بإنهاء جميع مظاهر الوجود العسكري الأجنبي في العراق، حجم الانقسام القومي والطائفي بشأن هذا النوع من التوجهات، إذ سجل النواب الأكراد والسنّة غيابا شبه كلي عنها.
وأقر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي خلال الجلسة، بأن غياب الأكراد والسنّة عن المشاركة في هذا النوع من القرارات تطور لم يسبق حدوثه في العملية السياسية العراقية منذ 2003.
ولم يتردد ساسة أكراد في التعبير عن موقفهم الرافض لانفراد الأغلبية السياسية الشيعية في البرلمان العراقي بقرار إخراج القوات الأميركية من البلاد، وسط إشارات إلى أن مثل هذه التحولات قد تكون تبعاتها قاسية على وحدة البلاد.
ووصف القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري، الذي سبق له أن شغل منصبي وزير الخارجية ووزير المالية في حكومات عراقية سابقة، قرار البرلمان بإخراج القوات الأميركية بأنّه “قرار سياسي غير ملزم”، مشيرا في تغريدة عبر تويتر إلى أنّ مقاطعة الكتل العربية السنية والكردية للجلسة التي اتخذ فيها القرار تزيل صفة التشريع عما صدر عن الجلسة وتحتّم طرح القضية لمزيد من المحادثات السياسية.
وبرغم الرفض السني الخجول للقرار الشيعي بشأن القوات الأميركية، إلا أن غياب النواب السنة عن جلسة التصويت أوضح حقيقة الأمور للمتابعين.
ومع بدء التحالف الدولي إجراءات إعادة الانتشار تمهيدا للانسحاب من العراق مساء الاثنين وفجر الثلاثاء، ذكرت وسائل إعلام عراقية مموّلة من الحرس الثوري الإيراني أن القوات الأميركية باشرت بناء مدرج كبير يمكنه استقبال الطائرات العملاقة في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، المعقل الأكبر للسنة في العراق.
وبرغم غياب أيّ أدلة تدعم هذه المعلومات، إلاّ أن التحسينات التي أدخلتها القوات الأميركية على القاعدة المذكورة خلال العام الماضي ليست سرا.
وقال المدون الشيعي محسّد جمال الدين، إن القوات الأميركية ستنسحب من القواعد التي تقع داخل المناطق الشيعية في العراق، على أن تعيد انتشارها في المناطق السنية والكردية.
ويقول مراقبون إن تحوّلا من هذا النوع، سيكون مؤشرا واضحا على إمكانية تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق، وفقا لرؤية أميركية تعود إلى العام 2008.
ويرى الأكراد في الولايات المتحدة شريكا استراتيجيا قد يدعم طموحاتهم في تأسيس دولتهم الخاصة، برغم اعتراضها على خطوة الزعيم الكردي مسعود البارزاني باتجاه تحقيق هذا الحلم القومي عندما أصر على إجراء استفتاء على الاستقلال خريف العام 2017.
وعلى المستوى السنّي، فقد تحولت الولايات المتحدة من عدو بعد العام 2003 لتسبّبها في إسقاط نظام صدام حسين وتسليم الحكم للشيعة، إلى حليف رئيس بعد العام 2014، عندما تسبب احتلال تنظيم داعش لأجزاء واسعة من البلاد في تشريد الملايين من سكان محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين.
ولم تتلق هذه المحافظات مساعدة كافية من الحكومة الشيعية، لكن المساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة بشكل مباشر أو عبر مانحين دوليين، أسهمت في عودة معظم النازحين إلى مناطقهم.
وشارك في الحرب على تنظيم داعش بالمناطق السنيّة العراقية الآلاف من عناصر الميليشيات الشيعية. وبعد نهاية الحرب في 2017 لم تغادر الكثير من تلك الفصائل المناطق التي انتزعتها من سيطرة التنظيم بل تشبّثت بالبقاء فيها تحت مبرّر مسك الأرض والحفاظ على الأمن وملاحقة فلول داعش ومنعها من العودة.
وينظر الأهالي بقلق إلى وجود الميليشيات في مناطقهم خصوصا بعد تسجيل الكثير من التصرفات ذات البعد الطائفي وحوادث القتل ونهب الممتلكات. وهم يخشون أن يفسح انسحاب القوات الأميركية من العراق المجال لمزيد من تغوّل تلك الميليشيات وسيطرتها بالكامل على مناطقهم.
لذلك، يرحب السكان السنة علنا بالخطط التي تتحدث عن إمكانية أن تعيد القوات الأميركية تمركزها في الأنبار ونينوى على نطاق واسع، في حال نفذت فعلا خطط الانسحاب من المناطق الشيعية.
ويقول مراقبون إن هذا التحول، سيرتبط حتما بتشجيع أفكار انفصالية لدى السنّة والأكراد، الذين يقول ساستهم إن الأحزاب الشيعية في بغداد لا تهتم إلا لتحقيق مصالح إيران.
ولا يريد السنة والأكراد أن يكونوا جزءا من نظام سياسي يتعرض لعقوبات أميركية، بسبب علاقاته غير الطبيعية بإيران.
وقال محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي إن ترامب “سيضع عقوبات على بنك التجارة العراقي ويمنع البنك الاحتياطي الفيدرالي من التحويل بين الدولار والدينار من خلال البنك المركزي العراقي”، مشيرا إلى أن “هذا الإجراء سيجمد تعامل العراق المالي مع العالم ويتسبب بانهيار الاقتصاد العراقي”.
العرب