بغداد – ترك الصدريون والتحالف السني ومجموعات عراقية برلمانية أخرى الإطار الشيعي الذي يعد الخاسر الأكبر في الانتخابات التشريعية ليقوم باستعراض مثير لا يحمل أيّ جدوى سياسية في أول جلسات البرلمان المنتخب الجديد؛ إذ اعتدى ممثلو الإطار على رئيس الجلسة وهو النائب البرلماني الأكبر سنا محمود المشهداني (73 سنة)، ثم فشلوا في منع انتخاب محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان لدورة جديدة.
وشهدت الجلسة الأولى مشادات تعكس فشل الإطار الشيعي في إقناع مقتدى الصدر الذي تصدر تياره نتائج الانتخابات بأن تكون الحكومة القادمة توافقية تحافظ على المكاسب السياسية المتراكمة لحكم حزب الدعوة والأحزاب والمجموعات المدعومة من إيران، وإصرار الصدر على تشكيل حكومة أكثرية تعكس نتائج الانتخابات.
وأربكت التطورات المتسارعة في الساحة السنية الإطار الشيعي؛ إذ تم التوافق بين زعيمي تحالفي “تقدم” و”العزم” (أكبر تحالفين للسُنة) السبت على ترشيح الحلبوسي لرئاسة جديدة للبرلمان واختيار خميس الخنجر رئيسا لتحالف “تقدم” و”العزم”.
وحل تحالف “تقدم” الذي يتزعمه الحلبوسي في المرتبة الثانية في الانتخابات برصيد 37 مقعدا (من أصل 329)، خلف الكتلة الصدرية المتصدرة التي فازت بـ73 مقعدا، فيما حصل تحالف “عزم” الذي يتزعمه الخنجر على 14 مقعدا، قبل انضمام قوى سنية أخرى إليه لتصبح مقاعده 34 مقعدا.
التيار الصدري يتجه إلى التحالف مع كتل سنية وكردية بارزة للحصول على الغالبية المطلقة
وترك الصدر الإطار الشيعي في وضع سياسي ضعيف، إذ لم يتمكن “زعيمه” رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي من توحيد الصف الشيعي السياسي بعد دخول تيارات الحشد الشعبي الموالية لإيران كقوة سياسية وعسكرية ضاغطة، ثم خسارتها المدوية في الانتخابات الأخيرة.
وقال النائب مثنى أمين من الاتحاد الإسلامي الكردستاني “بدأت الجلسة بشكل طبيعي برئاسة رئيس السن وتمت تأدية اليمين الدستورية”. وأضاف “بعدها تقدم أعضاء الإطار التنسيقي (الأحزاب الشيعية الموالية لإيران) بطلب تثبيت كونهم الكتلة الأكبر مشيرين إلى أن كتلتهم مؤلفة من 88 نائبا. عندها طلب رئيس السن تدقيق هذه المعلومة، وحصلت مداخلات، وقام بعض النواب بالاعتداء عليه”. ونقل المشهداني إلى المستشفى لكن حالته مستقرة.
وأكد النائب رعد الدهلكي من كتلة “تقدّم” برئاسة الحلبوسي أن “مشادات حصلت ووقع تدافع بين الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي حول أحقية أحدهما بأنه الكتلة الأكبر”. وبعدما سادت الفوضى فترةً معينةً استُؤنفت الجلسة برئاسة خالد الدراجي من تحالف “عزم” السني (14 مقعدا). وأعلن إثر ذلك فوز الحلبوسي.
وفشلت مداولات مكثفة سبقت انعقاد الجلسة الأولى في ثني الصدر عن قراره، والذي كرر مرارا إصراره على تشكيل “حكومة أغلبية”، وهو ما سيشكّل قَطعًا مع التقليد السياسي الذي يقضي بالتوافق بين الأطراف الشيعية الكبرى.
وتوحي تطورات المشهد السياسي في البرلمان الأحد بأن التيار الصدري يتجه إلى التحالف مع كتل سنية وكردية بارزة من أجل الحصول على الغالبية المطلقة (النصف زائد واحد من أعضاء البرلمان)، وتسمية رئيس للوزراء يقتضي العرف أن يكون شيعيّا.
وقال الصدر في تغريدة عشية الجلسة “اليوم لا مكان للطائفية ولا مكان للعرقية، بل حكومة أغلبية وطنية”.
ويضمّ الإطار التنسيقي تحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي الذي حصل على 17 مقعدا فقط مقابل 48 مقعدا في البرلمان السابق، فضلا عن تحالف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (33 مقعدا).
وعلى مدى عدة أسابيع شددت القوى الموالية لإيران على رفضها لنتائج الانتخابات وقدّمت طعنًا إلى المحكمة الاتحادية لإلغائها، لكن المحكمة ردت الدعوى.
وتظاهر مناصرون لها أمام بوابات المنطقة الخضراء على مدى أسابيع تنديدا بالنتائج، فيما وصل التوتر في البلاد إلى ذروته إثر محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في نوفمبر الماضي.
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي والباحث العراقي إحسان الشمري أن الوضع يشي بأن “شكل الحكومة القادمة قد يكون وفق مبدأ جديد هو ما يسمى بتوافق الأغلبية؛ هي حكومة ائتلافية لكن بصيغة جديدة”، على عكس الحكومات السابقة التي شاركت فيها جميع الأطراف.
ويشرح “قد نكون أمام مفهوم جديد يسمى توافق الأغلبية؛ أي أن يتحالف الصدر مع البيت السني الذي يمثله ‘عزم’ و’تقدم’، ومع البيت السياسي الكردي (الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني)، وحتى جزء من الإطار التنسيقي قد يلتحق بمشروع السيد مقتدى الصدر”.
ويفترض أن ينتخب البرلمان بعد جلسته الأولى، خلال 30 يوما، رئيسا جديدا للجمهورية عليه بدوره أن يكلّف رئيسا للحكومة خلال 15 يوما من تاريخ انتخابه، يكون مرشح “الكتلة النيابية الأكبر عددا” وفق الدستور. واعتبارا من يوم تكليفه سيكون أمام الرئيس الجديد للحكومة 30 يوما لتشكيلها. ويبلغ عدد النساء في البرلمان الجديد 95 فيما كان في البرلمان السابق 75.
ويضمّ البرلمان أيضا كتلتين من المستقلين، الأولى تضم 28 نائبا من حركة “امتداد” المنبثقة من الحركة الاحتجاجية وحركة “الجيل الجديد” الكردية، والثانية تضمّ تسعة نواب من كتلة “إشراقة كانون” ومستقلين. ومعظم هؤلاء يدخلون البرلمان للمرة الأولى.
العرب