تساءل «رأي القدس» بداية الشهر الماضي إن كانت استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي ستوقف القتل، وكان الجواب طبعا هو تصعيد مرعب ضد المتظاهرين والمحتجين في مدن العراق المنتفضة وهذا يعني إما أن الحكومة التي أعلنت استقالتها احتراما لدماء العراقيين وجدت أنها قادرة على متابعة سفك الدماء وارتكاب المجازر رغم أنها لم تعد تملك الشرعيّة، أو أنها، في الحقيقة، لا تملك زمام أمرها، وأن من يسيّر آلة القتل في العراق هو أقوى من هذه الحكومة نفسها.
يطرح إعلان تكليف الرئيس العراقي برهم صالح لمحمد توفيق علاوي بتأليف حكومة عراقية جديدة مصداقية لهذه التساؤلات أعلاه، وقد خاطب علاوي المتظاهرين في الشارع واعدا إياهم بالعودة إليهم «في حالة تعرضه لضغوط»، ورغم أن الرئيس المكلّف لم يحدد المقصود من الضغوط، أو يشير إلى من لديهم قدرة الضغط عليه، ولكنه على الأغلب، لا يعني الضغوط المعتادة في الدول الديمقراطية التي يتعرض لها رؤساء الوزارات، والدليل الساطع على ذلك هو ما ذكرناه من استمرار عمل آلة القمع والبطش والقتل والاغتيالات والخطف والتعذيب بقوّة أكبر بعد استقالة الوزارة السابقة منها قبل استقالتها.
قابل الحراك العراقي تعيين رئيس الوزراء الجديد بالرفض مجددا نتيجة اتهامات له بارتباطه بملفات فساد، وعلى رأسها ملف رشاوى من شركة اتصالات، ونتيجة رفض المحتجين لتعيين شخص من الطبقة السياسية الحالية أو السابقة عبر المحاصصات الطائفية والحزبية، وقد اندفع مئات من المتظاهرين إلى الشوارع للتعبير عن رأيهم الواضح بهذا الخصوص، وفي المقابل فقد عبّر رموز من السلطات الأمنية والعسكرية العراقية، كما فعل العميد علي مشاري، قائد «قوة الصدمة» والشهير بين المتظاهرين بلقب «جزار البصرة» عن الاتجاه السائد ضمن النظام لاستمرار القمع بهدف إنهاء الانتفاضة، مضيفاً إليه عنصراً جديدا وهو حض عناصر عشيرته للمساهمة في قتل المتظاهرين، مما يدفع باتجاه الاقتتال الأهلي والعشائري، في حال قامت عشائر المتظاهرين للوقوف مع أبنائها، كما حصل عدة مرات.
معلوم طبعا أن جزءاً كبيراً من عمليات الاختطاف والاغتيال والقمع تقوم بها، إضافة إلى بعض أجهزة السلطة الأمنية نفسها، الفصائل المسلحة المنتظم أغلبها ضمن ما يسمى «الحشد الشعبي»، غير أن العامل المستجدّ كان انضمام ميليشيات وأنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر إلى حلف الدولة والفصائل المسلحة ضد المتظاهرين، والأغلب أن هذا المستجد يرتبط بمقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الحدث الذي اضطر الصدر، المقيم حاليا في إيران، إلى اتخاذ موقف واضح لصالح طهران، التي اعتبرت الحادثة فاصلا يجبّ ما قبله، ويقتضي تفعيل كل أدواتها لتحقيق انتصارات سياسية وعسكرية وأمنية تعيد ضبط التوازنات التي اختلّت بمقتل جنرالها الشهير، والتي كشفت أيضاً أن «آلة القتل» ضمن الجغرافيا العراقية، ليست مطوّبة باسمها، بل تتنافس بها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصا بعد ابتعاد المسارين إثر الخلاص من تنظيم «الدولة الإسلامية».
ضمن هذا السياق، لن يكون علاوي، في الحقيقة، غير وجه جديد سيتم حرقه عبر قرار «سيادي» إيراني بكسر الانتفاضة الشعبية العراقية بأي طريقة ممكنة، وهو ما سيرفع سقف المراهنة بين «آلة القمع»، من جهة، ومطالب الانتفاضة العراقية، من جهة أخرى، ويجعل الصراع أكثر وضوحا وخطورة على المنطقة برمّتها.
القدس العربي