الرد الفلسطيني على مشروع التسوية (أو التصفية) الأمريكي الجديد «صفقة القرن» يجب أن لا يكون أقل من حل السلطة الفلسطينية بشكل كامل، والعودة إلى الشارع ومربع ما قبل اتفاقات أوسلو، التي التهمها الاحتلال الاسرائيلي، إذ أن التسوية المطروحة تعني القبول بمسح الشعب الفلسطيني كاملاً بكل تفاصيله، بمن في ذلك الهوية والأرض والمقدسات واللاجئون، وتحويله إلى أقلية معزولة في أرض لا تصلح أن تكون دولة مطلقا، ولو دولة ناقصة السيادة.
السلطة الفلسطينية كانت وما زالت، ويجب أن تبقى وسيلة أو مجرد خطوة من أجل بناء الدولة الفلسطينية، وعليه فإن القبول بها كصيغة نهائية للحل يشكل خيانة لنضالات الشهيد ياسر عرفات، الذي رفض في «كامب ديفيد» صيف عام 2000 التفريط في القدس، أو التنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، بعد كل هذه العقود من الانتظار في المخيمات.
وقد بدا واضحا من مسار الأحداث، خلال السنوات العشرين الماضية، أن اسرائيل لا تريد للفلسطينيين المضي في مشوار بناء دولتهم، لا عبر المفاوضات ولا غيرها، بل تريد إلهاء الفلسطيني بالسلطة وإفرازاتها وتحويل الصراع مع الاحتلال من نضال لتحرير الأرض والإنسان، وإنهاء الاحتلال، إلى نضال يرمي إلى تحصيل رواتب الموظفين وإطلاق سراح الضرائب المحتجزة وأموال الجمارك، ومساعدات الدول المانحة التي يقوم الإسرائيليون بالقرصنة عليها. يُشكل حل السلطة الفلسطينية اليوم مطلباً ملحا ومهما كرد مناسب ووحيد على مشروع ترامب، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: يعوّل الأمريكيون والإسرائيليون على خليفة الرئيس محمود عباس، وليس عليه شخصياً، ما يعني أن المشروع طويل الأمد، وأن رفض الرئيس عباس له حالياً لا يضمن عدم تمريره مستقبلاً، خاصة مع ضبابية مستقبل السلطة التي تعاني من الانقسام الداخلي والجمود السياسي وتعطل الانتخابات.
ثانياً: يتفق كل الفلسطينيين على أن السلطة الوطنية ليست سوى خطوة في اتجاه بناء الدولة المستقلة، وهذا ما فعله عرفات عندما وقع اتفاقات «أوسلو»، ولا خلاف على ذلك، لكنَّ «صفقة القرن» وفرضها بالقوة على الأرض سيؤدي إلى استحالة أن تلعب السلطة هذا الدور، وبالتالي ينتفي مبرر وجودها.
الأجدى أن يُترك الاحتلال في مواجهة الشعب، ليتحمل الأعباء كلها وعندها ستجد إسرائيل نفسها بحاجة للتفاوض من أجل الخروج من أزمتها
ثالثا: منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الأخرى، أهم وأسبق من السلطة، وهي المشروع الوطني الأصلي للشعب الفلسطيني، وعليه فإن العودة لها لا يشكل تراجعا للوراء، بل عودة إلى الأصل بعد «تجربة فاشلة»، إذ ما دامت السلطة نواة للدولة المستقلة فيمكن القبول بها، أما عندما تكون بديلاً فإن المعادلة الحسابية تختلف، ويصبح السؤال: هل يقبل الفلسطينيون بحكم ذاتي على أقل من 15% من أرضهم كحل نهائي لصراع استمر سبعة عقود؟ وهنا فإن المؤكد أن أغلب الفلسطينيين سيكون جوابهم (لا، لا نوافق على ذلك).
رابعاً: السلطة الفلسطينية بوضعها الحالي، ومع استمرار التنسيق الأمني وإدارة الشؤون المدنية للفلسطينيين، فإن الخدمات التي تقدمها للاحتلال أكبر بكثير من تلك التي تقدمها لشعبنا الفلسطيني، إذ أن حصيلة هذه المعادلة هو «احتلال خمسة نجوم مرفه ويعيش حالة استرخاء كاملة»، وهذه الحالة لا مصلحة للفلسطينيين بها، إذ أن الأجدى اليوم أن يُترك هذا الاحتلال في مواجهة هذا الشعب، وأن يُترك ليتحمل الأعباء المدنية والأمنية وغيرها من التكاليف السياسية والاقتصادية، وعندها ستجد اسرائيل نفسها بحاجة للتفاوض من أجل الخروج من أزمتها، وهي الحالة التي كانت قائمة في عام 1990 عندما ذهب الاسرائيليون إلى مؤتمر مدريد، وكانت قائمة في 1993 عندما وقعوا اتفاق «أوسلو».. ومن دون أن يواجه الاحتلال التكاليف، فإنه لن يقبل بتقديم أي تنازلات.
وخلاصة القول هنا هو أن الشعب الفلسطيني بكل تفاصيله ومكوناته يرفض صفقة القرن الأمريكية الاسرائيلية، والموقف الذي تبناه الرئيس عباس يتوجب البناء عليه، لا التوقف عنده، وعليه فإن عباس هو رئيس منظمة التحرير قبل أن يكون رئيساً للسلطة، والمطلوب اليوم العودة إلى المنظمة وفصائلها من أجل تحصين القضية الفلسطينية من هذه التصفية المجحفة، وضمان أن عرقلتها وضمان أن لا تجد من يوافق عليها مستقبلاً.
محمد عايش
القدس العربي