الاقتصاد العراقي وأزمة إقرار الموازنة

الاقتصاد العراقي وأزمة إقرار الموازنة

الباحثة شذى خليل*

يعيش العراق توترا سياسيا اجتماعيا اقتصاديا، منذ 2003 ولغاية اليوم، ولكن بوتائر وازمات متنوعة، واهمها واخطرها التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من احتجاجات متواصلة في الشارع التي أدت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي.
حيث تعد مهمة الحكومة الجديدة صعبة للغاية، مع كل علامات الاستفهام والانتقادات المحيطة بها، فهي تشكل نصف الصورة الواقعية لما يحدث في العراق، وما الذي سيؤول إليه مستقبل الاقتصاد، والنصف الآخر والأهم بردّ فعل المتظاهرين الذين يشكِّلون القوة الدافعة التي تهزّ شوارع البلاد.
الاقتصاد العراقي اليوم منهك متوارث من حكومات فاشلة، فاسدة ضعيفة، تسيطر عليها مليشيات جماعات مسلحة وأحزاب دينية، والأخطر النفوذ الإيراني في العراق وتحكمه في الميليشيات التابعة له ضد مصلحة البلد، سيكون تشكيل الحكومة المقبلة مصحوباً بحملات ضغط خارجية أكثر كثافة من أي وقت مضى، وهذا ما سيؤدِّي إلى ضبابية الرؤية المستقبلية والأفكار المطروحة لإدارة الاقتصاد العراقي.
في تلك الفوضى التي تعصف بالبلد، هل ستنجح الحكومة الجديدة ببناء العراق الجديد؟
الموازنة العامة لم تقر ماذا يعني :
من الناحية القانونية يشير الخبراء بأنه لا يمكن الاستمرار في تنفيذ تعليمات موازنة عام 2019 إلى العام 2020، لأن قانون الموازنة نافذ لمدة سنة واحدة وتترتب على ذلك آثار قانونية كاملة سواء على مستوى الانفاق أو تنفيذ الموازنة، والإجراءات القانونية تشير إلى أن عام 2020 ينبغي أن يُفتتح بقانون موازنة جديد يستجيب ويعالج كل الإشكاليات التي حدثت في موازنة العام الماضي.
حيث تبلغ موازنة العام الجاري التي لم تقر (وفق المشروع المقترح من الحكومة) 162 تريليون دينار (135 مليار دولار)، بعجز مالي مخطط يبلغ 48 تريليون دينار (40 مليار دولار)، منها ثلاثة تريليونات دينار (2.5 مليار دولار) لتنفيذ المشاريع المتفق عليها مع الصين، وان تأخر الحكومة في إرسال مشروع الموازنة من أجل إدراج القرارات الإصلاحية التي كلفت الدولة أكثر من عشرة تريليونات دينار (8.3 مليارات دولار).
وحذر الاقتصاديون العراقيون من مخاطر عدم إقرار مشروع موازنة العام الجاري ودخول العراق مرحلة الكساد في الفترة القريبة المقبلة.
• الموازنة تتضمن جانبين تشغيلي واستثماري، وان تأخير إقرارها يعني تحويل الموازنة إلى موازنة دفع رواتب فقط وإلغاء الاستثمار، وبالتالي ارتفاع البطالة، وما يتبعه من عواقب اقتصادية مثل دخول البلاد في ركود اقتصادي، خاصة في ظل انخفاض الطلب على النفط (المصدر الرئيس للدخل في البلاد) بعد ازمة انتشار فيروس كورونا في الصين ، ومن جانب اخر سيعطل التنمية، ولن تنفذ الاتفاقية مع الصين، بسبب تأخر الحكومة المستقيلة في إرسال مشروع القانون إلى البرلمان بسبب ارتفاع نسبة العجز.

• رسالة غير مطمئنة للمستثمرين ويؤجل عمليات الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة الكبيرة المتوقفة أصلا، كما أنه سيعطي إشارة سلبية للمستثمرين في القطاع الخاص للشروع باستثماراتهم.
• ان عدم إقرار الموازنة سيخلق ركود اقتصادية ، وفي حال استمراره لأكثر من ستة أشهر يقود لا محالة إلى الكساد، ما يعني أن الخسائر الاقتصادية ستتسع لمفاصل اجتماعية خطرة .
• خطر الكساد وانعكاسه على الاقتصاد والمجتمع كبير جدا ، حيث يشكل الإنفاق العام في العراق نحو 45% من الناتج المحلي الاجمالي، وإن هذا الإنفاق وتركيبته المرتفعة عبر موازنة سنوية مخططة، لها مؤثرات موجبة واسعة على تحقيق معدلات النمو المخططة الحقيقية في الناتج الوطني نفسه وبشكل خاص استخدام قوى الإنتاج الرئيسة.

• الأخطر هو البطالة الطاحنة، أي زيادة عدد الشباب العاطلين عن العمل من هم في سن العمل من القادرين على العمل ولا يجدون عملا، هذه هي الأخطار في تدمير المجتمعات، وتدني معدلات النمو المتدنية، فكلها عوامل قد تؤدِّي إلى مزيد من الانهيار، حيث يبلغ عدد سكان العراق أكثر من 30 مليون نسمة، ومن المُتوقع أن يصل عددهم إلى 50 مليون نسمة خلال عقد من الزمن، كما أنّ أكثر من 60% من العراقيين تقِلّ أعمارهم عن 24 سنة، و700 ألف مواطن يحتاجون إلى وظائف كل عام.

• تعثر الإنفاق الاستثماري المخطط أو الجديد سيقودان إلى تزايد معدلات الفقر بسبب النمو السنوي للسكان والقوى العاملة التي تتطلع إلى العمل ولا تجده، وبهذا ستتعطل الكثير من المصالح المترابطة والمعتمدة على الإنفاق الاستثماري ولا سيما الحكومي الجديد الذي يقود في النهاية مشاكل بشل الاقتصاد وتوقف عجلة النمو الاستثماري.
الحكومة الجديدة وتحديات الإصلاح:
هل يمكن للعراقيين ان يتفاءلوا بالحكومة الجديدة، بتحقيق إصلاحات جذرية، يجب ان تكون الحكومة قوية بما يكفي للنهوض بالواقع المرير، والقدرة على السيطرة على منابع الفساد، وحشد نخبة من المسؤولين العراقيين ، التي تحترم مؤسسات الدولة وتلتزم بالإصلاح وتتعهَّد بما تستطيع الوفاء به، للوصول إلى الأهداف المرجوة، وتوجيه أموال وثروات البلد بعيدا عن بؤر الفساد، وتجاه الانتعاش وإعادة الإعمار، كما أنّه بحاجة إلى الاستثمار في تحسينات البنية التحتية الرئيسية، خاصّة الطاقة والنقل، حتى يتمكَّن الاقتصاد من النمو.
كما ويجب تشجيع تطوير القطاع الخاص من دون زعزعة استقرار المؤسسات المملوكة للدولة والتي تعدّ أكبر مصدر موفِّر لفرص العمل في العراق كونه يعاني من ضعف في الاداء، لتلبية احتياجات سكان.
وأزمة انخفاض موارد المياه في العراق الى 30% منذ ثمانينيات القرن الماضي، يجب ان تأخذ حيزا من الانتباه كونها تهدد الحياه بأكملها بالعراق ، حيث تواجه إمدادات المياه انخفاضاً سيصل إلى 60% بحلول عام 2025، الأمر الذي تترتَّب عليه آثار وخيمة على إنتاج الغذاء والكهرباء.
وغياب عوامل الاستقرار والأمن والشفافية والإرادة القوية، والتي تعدّ بمثابة شروط مسبقة ضرورية لإعداد وتنفيذ أيّ برنامج قادر على دفع الاقتصاد العراقي إلى الأمام، وكما هو معروف يعتمد الاقتصاد العراقي، إلى حدّ كبير، على النفط الذي يوفِّر حوالي 90% من العائدات الحكومية، ولكن يتمّ تخصيص 70% من الميزانية لدفع أجور موظفي القطاع العام الذين يتسمون بقلة إنتاجيتهم، فقد قدَّر البنك الدولي أنّ الإنتاجية لكل موظَّف عراقي محرجة وجدّ متدنية وتصل إلى مدة 17 دقيقة يومياً.
اما النظام التعليمي العراقي هو الاخر يعاني من نقص التمويل، حيث تحصل قطاعات التعليم والتعمير والصحة على حوالي 8% فقط من الميزانية، كما أنّ الملايين من الأطفال العراقيين لا يذهبون إلى المدرسة ويتَّجهون بدلاً من ذلك إلى البطالة الدائمة.
يجب السيطرة على الثروة السائبة في المنافذ الحدودية العراقية ، والسيطرة على واردات المنافذ ، حيث اكد مسؤولون، أن وارداتها تصل إلى أكثر من 15 تريليون دينار عراقي سنويا، وهو مبلغ كبير، لكن المشكلة التي تبرز في هذا الموضوع الحساس أن ما يصل من مجموع هذه الواردات لا يتجاوز واحد تريليون دينار فقط، وهذا يعني تسرب النسبة الأكبر من هذه الواردات إلى جيوب الميليشيات والعصابات ، والقوى السياسية التي تسيطر عليها وتديرها، ولو كانت الحكومة تمسك بهذا الملف وتديره بالشكل الصحيح فإنها ستوفر ايرادات مالية يمكن استثمارها في حل مشاكل المجتمع .
خاتما.. ويبقى الحوار مفتوحاً أمام عدّة أسئلة حول إمكانية الحكومة الجديدة في الاصلاح، في ظلّ استمرار الاضطرابات والطريقة المستخدمة في إدارة الازمات، حيث يحتاج العراق الى رجل ينتشل الواقع الاجتماعي السياسي والاقتصادي من حضيض التدهور والفساد، لبنائه من جديد .

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية