إيران والانتخابات الأمريكية: فرصة للتدخل؟

إيران والانتخابات الأمريكية: فرصة للتدخل؟

هل يا ترُى ستحاول إيران التأثير على الانتخابات الأمريكية المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر سعيًا إلى “تغيير النظام” في واشنطن؟ ما من أدنى شك في أن إيران تريد رؤية الرئيس ترامب مهزومًا، فهو الذي أعاد فرض العقوبات الأمريكية الاقتصادية عليها، ولم يتوقف عند هذا الحد بل أرغم الكثير من الشركات الأجنبية على حذو حذوه، وبالنتيجة شُلّت حركة الاقتصاد الإيراني.

ومن المفترض أن إيران تفضّل فوز المرشح الديمقراطي المرجّح ونائب الرئيس السابق “بايدن”، خصوصًا وأنه يُحتمل أن يغيّر سياسة الولايات المتحدة في إيران فيعاود القبول بالاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس أوباما عام 2015 (المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”)، وبموجبه ترفع الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية الراهنة مقابل معاودة إيران الالتزام بالقيود التي فرضها الاتفاق على برنامجها النووي. وفى هذا الصدد، تداولت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية بشكل منتظم أخبار تحمل انتقادات من سياسيين ديمقراطيين، بما فيهم بايدن، وموجهة لسياسات الرئيس ترامب بعد مقتل سليماني. ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت إيران لديها الوسائل والدوافع اللازمة لتحاول فعليًا التأثير على الانتخابات لمحاولة التأثير فعليًا على الانتخابات.

كيف تحاول الدول التأثير على الانتخابات

دائمًا ما تحاول الدول التأثير على المضمار السياسي في الدول الأخرى، ولكن تحديد نتيجة انتخابات معينة ينطوي على صعوبة أكبر وقلّما ينجح. من جهة، هناك ثمة خيارات متاحة لبعض الدول – التي غالبًا ما تكون أقوى – والتي يُستعبد أن تستطيع إيران اتباعها.

ففي بعض الحالات مثلاً، تقوم الدولة الأقوى بالتصريح علنًا عن مرشحها المفضل في الدولة المستهدفة وعن نيتها بعرقلة شؤونها ما لم يتم انتخاب هذا المرشح. وهذا ما حدث في العديد من الانتخابات الماضية حين حذّرت الصين الناخبين التايوانيين من عواقب وخيمة في حال انتخابهم مرشحًا معاديًا للصين. ومنذ فترة أبعد، حثّت فرنسا الأمريكيين على انتخاب المرشح المحبّ لفرنسا المدعو جيفرسون بدلاً من جون آدمز في العام 1796، وذلك على الرغم من أن جيفرسون لن يتم انتخابه حتى عام 1800. ولكن نظرًا إلى تفاوت القوة بين الولايات المتحدة وإيران، ليست هذه الأخيرة طبعًا في موقع يخوّلها توجيه تهديد مماثل.

في بعض الأحيان، قد يبذل زعيم دولةٍ ما مسعىً ألطف للكشف علنًا عن مرشّحه المفضّل في انتخابات دولة أجنبية، آملاً التأثير على الناخبين. في العام 2012 مثلاً، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عن تفضيله للمرشح الجمهوري ميت رومني على الرئيس أوباما، على أمل أن يؤثر على رأي الناخبين اليهود الأمريكيين، مع أن محاولته لم تلقَ نجاحًا يُذكر. وهذا الخيار أيضًا غير متاح أمام إيران بما أن معظم الأمريكيين من أصل إيراني يمقتون النظام الإيراني.

وفي أكثر الأحيان، تحاول حكومةٌ ما التأثير على انتخابات دولة أخرى عن طريق الدعم السرّي – وغالبًا ما يكون ذلك بتدخل مالي أو بتدخل سيبراني كما يحدث مؤخرًا. فالرئيس الروسي بوتين دفع المال لحملات المرشحة القومية الفرنسية مارين لوبان والرئيس الهنغاري فيكتور أوربان وغيرهما من القوميين الأروبيين اليمينيين. كما شنّت روسيا هجمات سيبرانية على حملة هيلاري كلينتون تماشيًا مع تفضيلها للمرشح دونالد ترامب.

ويُذكر أيضًا أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي قدّما خلال الحرب الباردة دعمًا ماليًا للمرشحين المعادين للشيوعيين في فرنسا والمرشحين الشيوعيين في إيطاليا على التوالي وربما أيضًا في أمريكا اللاتينية. أما في حالة إيران، وبالرغم من التقارير المتداولة عن تقديمها الدعم المادي للمرشحين الموالين لها في العراق ولبنان، فمواردها المالية المتواضعة لا تسمح لها بالتأثير على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

ولكن إذا لم تكن الدولة تملك أدوات الضغط هذه، قد تحاول في بعض الحالات إحراج رئيس الدولة المستهدفة على أمل التأثير على الانتخابات بواسطة تكتيكات عنيفة. من المشكوك فيه أن يكون الطلاب الإيرانيون الذين أخذوا الدبلوماسيين الأمريكيين رهائن خلال تشرين الثاني/نوفمبر 1979 قد أرادوا التأثير في الانتخابات الأمريكية لعام 1980، ولكن من الممكن أن الحكومة الإيرانية آثرت في النهاية فكرة استغلال الأزمة لهزيمة الرئيس كارتر عام 1980. وبما أنها نجحت إلى حدٍّ ما (فحظوظ كارتر تضررت أيضًا بسبب تردّي الوضع الاقتصادي)، فهل تفكر إيران في استخدام قواتها الوكيلة لشنّ هجمات علنية أو سرية على الأهداف الأمريكية للتأثير في انتخابات العام 2020؟

أسباب تدعو إيران إلى توخي الحذر

إذا افترضنا أن نائب الرئيس بايدن هو مرشح الحزب الديمقراطي، قد تستنتج إيران في مرحلة ما أنه سيفوز على الأرجح بالانتخابات وبالتالي قد تترك الأمور تجري بدون تدخّل كبير منها. وإذا بدا أن السباق بين ترامب وبايدن محتدم والتعادل وشيك، قد تحاول إيران اللجوء إلى أعمال سافرة وعنيفة لإحراج الرئيس ترامب، من بينها – سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائها – إسقاط طائرة مدنية أمريكية أو اختطاف مواطنين أمريكيين أو حتى تنفيذ هجوم على الأراضي الأمريكية. ففي محاكمة أخيرة أجريت في مدينة نيويورك، كشف أحد عملاء “حزب الله” النائمين ويدعى علي كوراني أن “حزب الله” يملك خلايا نائمة في الولايات المتحدة، ومهمتها الاعتداء على أهداف أمريكية في الظروف القصوى على غرار وقوع أعمال عدوانية واضحة بين إيران والولايات المتحدة.

لكن إيران قد تتخلى عن هذه الأعمال السافرة لأسباب عدة. السبب الأول هو أن ترامب قد يردّ عليها كما فعل باغتيال سليماني في بغداد. والثاني هو أن أعمال العنف العلنية قد تؤتي بنتائج عكسية فتصب في خدمة ترامب خلال الانتخابات. فاحتجاز الرهائن الأمريكيين في تشرين الثاني/نوفمبر 1979 خدم في البداية مصلحة الرئيس كارتر السياسية، ولم يصبح احتجازهم مشكلة إلا بعد مرور أشهر عدة على بدء الأزمة. أما السبب الثالث فهو أن أي تطاول من الجانب الإيراني سيؤدي إلى نفور إضافي لدى الرأي العام الدولي في وقتٍ تشتد خلاله عزلة إيران بشكل خاص بعد أن أسقطت الطائرة الأوكرانية في كانون الثاني/يناير وتفشّى فيروس كورونا فيها بشكل كبير.

ممارسة النشاط المعتاد

بالرغم مما سبق، تتوفر أمام إيران خياراتٌ أكثر حذرًا إلى حدٍ ما. فهي تواصل السعي إلى إخراج القوات العسكرية الأمريكية من العراق للتخلص من عدوها الأمريكي والانتقام لسليماني الذي لقي مصرعه خلال كانون الثاني/يناير الفائت. وبحسب وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية، فقد صرح الأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، على شمخاني في 8 مارس / آذار أن العد التنازلي لطرد القوات الأمريكية من المنطقة قد بدأ؛ جاءت تصريحات شمخاني في لقاء مع رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي مصطفى الكاظمي.

بينما تواصل “كتائب حزب الله” الحليفة لإيران إطلاق الصواريخ على القوات العسكرية الأمريكية المنتشرة في قاعدة عين الأسد الجوية وعلى السفارة الأمريكية إنما بوتيرة أقل. فقد قتل التنظيم جنديَّين أمريكيين وآخر بريطاني في 11 آذار/مارس وأصاب عدة جنود آخرين بجروح بالغة في 14 آذار/مارس. وكان من شأن الرد الأمريكي على معاقل “كتائب حزب الله” في 13 آذار/مارس أن تسبب بتوتر حاد مع الحكومة العراقية التي زعمت أن الردّ أودى بحياة جنودٍ عراقيين. والواقع أن إيران تأمل إحباط عزيمة أمريكا بالبقاء في بغداد، والضغط على هذه الأخيرة لإجبار الولايات المتحدة على الرحيل عن أراضيها. وسوف تعتمد إيران والميليشيات العراقية الحليفة لها هذه السياسة بغض النظر عن الانتخابات، ولكنها قد ترفع من حدتها مع اقتراب موعد الانتخابات.

من الممكن أيضًا أن تستأنف إيران هجماتها في الخليج. إذ عمدت إيران في العام 2019 إلى ضرب ناقلات نفط وخط أنابيب شرق-غرب السعودي فضلاً عن طائرة أمريكية بدون طيار ومجمّع بقيق النفطي العملاق بدون أي رد فعل يُذكر من الجانب الأمريكي. وفيما بدا أن الهجمات على الأهداف الخليجية تراجعت منذ هجوم بقيق في 14 أيلول/سبتمبر، من الممكن أن تُسنأنف لإحراج ترامب مع اقتراب الانتخابات ولضرب الخصم السعودي.

الخيار السيبراني

نظرًا إلى تدنّي كلفة الهجمات السيبرانية وقلّة مخاطرها، من الممكن أن تستخدمها إيران ضد الرئيس ترامب في محاولة لإضعاف ترشيحه. فقد سبق أن شنّت هجمات سيبرانية على شركات أمريكية، وبوسع القراصنة الإيرانيين سرقة معلومات تخص الحزب الجمهوري أو نشر افتراءات عن الرئيس الأمريكي عبر الادعاء بأنهم مواطنون أمريكيون على الإنترنت. وفي الواقع، يمكنهم تعلّم الكثير في هذا الخصوص من روسيا التي تعمل شريكةً لهم في بعض الأحيان، إذ لدى إيران وروسيا مصلحة مشتركة في تقويض الانتخابات الأمريكية، لكنهما ببساطة تشجعان مرشحين مختلفين.

الخلاصة

يمكننا توقّع استمرار الهجمات ضد الأهداف الأمريكية في العراق إلى حين إجراء الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر وما بعدها. في نهاية المطاف، حتى إذا أصبح بايدن رئيسًا واستأنف العمل بالاتفاق النووي المبرم عام 2015، من الممكن أن يقرر إبقاء فرقة عسكرية أمريكية صغيرة في العراق لمحابة “داعش” والتصدي لإيران. وبالتالي، من مصلحة إيران ان تواصل الضغط على القوات الأمريكية الموجودة هناك بغض النظر عمّن يفوز في السباق الرئاسي. فالزعماء الإيرانيون يعتقدون أن الغلبة لهم في العراق نظرًا لمقربته من إيران وللميليشيات العراقية الشريكة لهم، ناهيك عن ضعف النظام العراقي وموقف الشعب الأمريكي المسالم بالدرجة الكبرى إزاء احتمال وقوع عدوانٍ مع إيران، وربما أيضًا موقف الرئيس ترامب المتناقض من الوجود الأمريكي هناك.

حتى إذا لم تترك هذه الهجمات وقعًا كبيرًا على الناخبين الأمريكيين، تستطيع إيران الادعاء أنها ساهمت في هزيمة الرئيس ترامب في حال خسارته: وهذا هو الانتقام الأسمى على مقتل سليماني.

توماس باركر

معهد واشنطن