يكافح المغتربون العرب للتكيف مع نمط الحياة الجديد، الذي فرضه تفشي وباء كورونا، بعد فقدانهم وظائفهم وأعمالهم الحرة، ما تسبب في تراجع تحويلاتهم، وهو ما ينذر بتفجر أزمات اجتماعية في بلدانهم الأصلية قد تجعل بعض الحكومات في مأزق لا يقل تعقيدا من مواجهة المتسبب في هذه الأزمة.
لندن – أطلق خبراء اقتصاد صفارات الإنذار من تبعات استمرار فترة الإغلاق في العديد من دول العالم بسبب انتشار وباء كورونا، على تحويلات المغتربين العرب بعد أن رصدت المؤشرات انحسارا كبيرا في تدفق الأموال منذ بداية الأزمة.
وتصاعدت المخاوف من أن تؤدي المشكلة إلى تفجر أزمات اجتماعية خاصة وأن آلاف الأسر العربية أصبحت مهددة بفقدان مصدر إعالتها، الذي قد يكون الوحيد أحيانا.
واضطر الآلاف من المهاجرين العرب في منطقة الخليج والقارتين الأوروبية والأميركية ودول أخرى من حول العالم، إلى التوقف عن العمل في ظل التدابير الاحترازية التي اتخذتها الدول للحد من تفشي فايروس كورونا.
وتعيش في المهجر جاليات كبيرة من دول عربية في مقدمتها لبنان والأردن وسوريا ومصر وتونس والمغرب والجزائر، وهي منتشرة في كافة أنحاء العالم.
وتوقع مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث في تقرير حديث نشره على موقعه الإلكتروني أن يكون تراجع تحويلات المغتربين في العالم بشكل أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية. وقال خبراء المركز إن توقف مؤسسات كثيرة عن النشاط سيدفع بعضها إلى التعثر في دفع رواتب الموظفين، ما سينعكس سلبا على تحويلات المغتربين بسبب تراجع قدرة الأفراد على الادخار.
وأوضح المركز أن فرص نسبة كبيرة من العمالة غير المنتظمة لمزاولة الأعمال اليومية الحرة تقلصت، وقد انعكس ذلك سلبا على تراجع الدخل الفردي في الدول الموظفة للمهاجرين العرب.
ومن المرجح أن تدفع فترات الإغلاق الطويلة جراء الوباء، العديد من الشركات إلى توقع زيادة تعثر مالي يضطر بعضها إلى اتخاذ قرارات صعبة كزيادة تسريح موظفيها وخاصة من المهاجرين مقارنة بالعمالة المحلية.
وكان البنك الدولي قد قال في تقرير الشهر الماضي إن موجة تسريح للموظفين عبر العالم تلوح في الأفق وبدأت بالفعل في بعض الدول جراء زيادة تعثر مرجح لعدد كبير من المؤسسات خاصة الصغيرة والمتوسطة.
وذكر التقرير أن ذلك الأمر قد يدفع بعض الشركات إلى مواجهة الانهيار أو التصفية أو الاندماج على غرار الأزمة المالية العالمية 2008 ما لم تسارع الحكومات في تفعيل خطط إنقاذ اقتصادية حقيقية.
ومن المتوقع أن تنخفض التحويلات العالمية عموما بشكل حاد بنحو 20 في المائة بنهاية هذا العام بمقارنة سنوية، بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الوباء وإغلاقه لأكبر اقتصادات العالم.
ويرجع الانخفاض المتوقع، والذي سيكون أكبر انخفاض لتحويلات المغتربين في التاريخ الحديث، وفق البنك الدولي، إلى حد كبير إلى انخفاض أجور العمال المهاجرين ونسبة توظيفهم.
ويقدر ذلك التراجع إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بنسبة 19.7 في المئة، لتستقر عند حوالي 47 مليار دولار، بعدما نمت خلال العام الماضي بواقع 2.6 في المئة، مما يمثل خسارة في شريان الحياة الأساسي لتمويل نفقات العديد من الأسر الضعيفة.
ومن المرجح أن طول فترة تداعيات الوباء قد تقلص بشكل أكبر وتدريجي تحويلات المهاجرين، حيث سيفقد الكثير منهم القدرة على ادخار الأموال بسبب استنزاف مدخراتهم في الإنفاق الاستهلاكي طيلة فترات الحجر الصحي، التي فاقت في أغلب دول العالم أكثر من 3 أشهر وما زالت مستمرة، وهي فترة طويلة قياسا بتكلفة المعيشة دون دخل مكافئ.
وتدفع مؤشرات أخرى لتوقعات تراجع تحويلات المغتربين أبرزها احتمال ارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير بين المهاجرين بسبب تباطؤ النمو في اقتصادات الدول المستضيفة خاصة في مرحلة ما بعد الوباء. ويتزايد القلق من تصاعد موجة احتجاجات اجتماعية قد تعيق استئناف عمل الشركات والمؤسسات الاقتصادية بشكل سلس، وهو ما قد يؤخر التعافي الاقتصادي وعودة حركة التوظيف إلى وتيرة ما قبل الوباء.
وقد يترتب عن تراجع تحويلات المغتربين العرب أيضا تعميق الأزمة الاجتماعية لعشرات الآلاف من الأسر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يعول كثير منها على تحويلات ذويها من العمال المهاجرين.
كما قد يقود ذلك إلى زيادة نسبة الفقر ما قد يتسبب في احتقان شعبي قد يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي في دول عربية كثيرة على المدى القريب.
وهذا المعطى سوف يشكل عامل ضغط جديد على الحكومات العربية خاصة المعولة على تحويلات المغتربين من العملة الصعبة.
وتعتبر تحويلات العاملين في الخارج، من أهم روافد الاقتصادات العربية، إلى جانب قيمة الصادرات السلعية والخدمية، والمنح والقروض والمساعدات الخارجية.
وتتجلى أهمية التحويلات أكثر في علاقتها بالنمو، إذ تمثل في المغرب نحو 7 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، وترتفع في فلسطين إلى 17.7 في المئة و12.7 في المئة في لبنان و11.7 في المئة في اليمن و11.6 في المئة في مصر.
ورغم تراجع التحويلات، إلا أن البنك الدولي يتوقع انفراجة في العام المقبل، وقال إنها ستنتعش وستكون بوتيرة بسيطة، بزيادة نسبتها 1.6 في المئة، تحت تأثير نمو متواضع في منطقة اليورو وضعف التحويلات من دول الخليج.
العرب