إمبراطورية ميردوخ لم تتعلم من كارثة العراق وتطبل لحرب ترامب ضد الصين

إمبراطورية ميردوخ لم تتعلم من كارثة العراق وتطبل لحرب ترامب ضد الصين

نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا لرئيس الوزراء الأسترالي السابق كيفن راد، قال فيه إن مملكة روبرت ميردوخ، تقوم بحملة إعلامية للترويج لنظرية المؤامرة التي يتحدث عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي يزعم فيها أن فيروس كورونا المستجد تسرب من مختبر في مدينة ووهان الصينية التي بدأ فيها الوباء قبل أن يجتاح العالم.

ويرى راد أن نزاهة وحيادية ومهنية المؤسسات الأمنية مهمة خاصة في الديمقراطيات الغربية. ولهذا يجب أن تظل هذه المؤسسات بعيدة عن النقاشات السياسية اليومية وأيضا عن القرارات التي تتعلق بالسياسات التي تقوم الحكومات باتخاذها. فمهمة المؤسسات الأمنية هي تقديم تحليل واقعي وصادم في الوقت نفسه للمناخ الذي تعمل فيه الحكومات بحيث تكون قادرة على اتخاذ أحسن القرارات لحماية الأمن العام.

 

ويقدم لنا درس العراق تذكيرا مهما، ففيه فشلت المؤسسات الأمنية وأبدت فيه معظم المؤسسات الإعلامية سذاجة، وعملت فيه الطبقة السياسية على التلاعب بالحقائق.

وفي 8 أيلول/ سبتمبر 2002 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” واحدا من أكثر المقالات التي لم تكتب في هذا القرن من ناحية التبعات التي نجمت عنه. ففي ذلك اليوم كان عنوان الصفحة الأولى الذي سربته إليها إدارة جورج دبليو بوش عن صدام حسين وأن نظامه قوّى من جهوده لتطوير أسلحة الدمار الشامل ومحاولة الحصول على المكونات الرئيسية للحصول على القنبلة النووية.

وفي بريطانيا، قدمت حكومة توني بلير ما صار يعرف بـ”الملف المراوغ” مما فاقم من خطأ الصحيفة الأمريكية. وفعل جون هاوارد، رئيس وزراء أستراليا الشيء نفسه، والمشكلة أن كل ما ورد لم يكن صحيحا.

وكانت هذه القصص مفرطة في مبالغتها لتليين الرأي العام وتحضيره لما هو آت، أي الحرب الكارثية. وغزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق في آذار/ مارس عام 2003، وقتل الآلاف أثناء الغزو وبعد الفوضى التي خلفها، ثم نتيجة لصعود تنظيم “الدولة”.

وأسهم الغزو بسيطرة إيران على كل من العراق وسوريا، ودفع بموجات اللاجئين التي اجتاحت أوروبا، مما أدى لصعود اليمين المتطرف. وفوق كل هذا، ورّط أمريكا في الشرق الأوسط على مدى العقدين الماضيين، وحرف نظرها عن صعود الصين كقوة عسكرية واقتصادية.

وتم تقديم الأكاذيب على أنها حقائق، وتم تجاهل المشككين في تلك الأكاذيب أو الهجوم عليهم بأنه غير وطنيين أو “يحاولون استرضاء الخصم”.

ويقول الكاتب إن الحدث التشويقي الذي تحمله “الخبطة الكبيرة” تفوّق على واجب الصحافة لمنع خداع الرأي العام. وبدا الصحافيون الذين يعملون لمنع التهديد الأمني القادم، أنهم لا يخدمون مصالح بلدهم الطويلة.

وفي كل هذا لعبت آلة الإعلام المردوخية كـ”مطبل للحرب في عالم المتحدثين بالإنكليزية” وقامت بتشويه أشخاص ممن عارضوها، وهو ما يقودنا للحديث عن كوفيد- 19 والدمار الصحي والإقتصادي الذي جلبه حول العالم.

فالضرر العظيم الذي حدث، يعني أن أبناء العالم لديهم الحق وكل الحق لمعرفة من أين جاء هذا. وسواء اعترفت الطبقة الدبلوماسية الصينية بهذا أم لا، فهناك أسئلة شرعية على الصين الإجابة عليها، وتضم أصل الفيروس في ووهان: هل هناك دليل جيني عن الوباء تم الحفاظ عليه للقيام ببحث مستقل، مخاطر الأسواق التي تبيع الحيوانات البرية، كيفية انتقال الفيروس، هل تأخرت السلطات المحلية بإخبار السلطة المركزية، ما هي المدة التي استغرقتها الصين كي تخبر منظمة الصحة العالمية بأن الفيروس معدٍ وينتقل من شخص لآخر، ولماذا تم إسكات بعض الأطباء المحليين ومعاقبتهم؟

وهناك أسئلة أخرى عن دور منظمة الصحة العالمية وإن قامت بممارسة دورها بشكل مناسب وقدمت تحذيرات أولية إلى المجتمع الدولي، وفيما إن كانت الحكومات الوطنية ردّت بشكل سريع على التحذيرات وتعاملت معها بالجدية المطلوبة، أو أنها تجاهلتها كما في الولايات المتحدة.

وأمام هذه الأسئلة والنقاش الموازي حول الحاجة لآلية يدار من خلالها تحقيق، نشاهد قرارا من طرف واحد اتخذه الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته مايك بومبيو، وهو أن منشأ الوباء كان من معهد ووهان للفيروسات.

وكان الباحثون فيه يدرسون فئات فيروس كورونا المستجد الذي يعيش في داخل الوطاويط. فزعم الرئيس ووزير خارجيته أن هناك “مستوى عاليا” من الثقة بهذه النظرية، مع أن وكالة الأمن القومي قامت بتقديم تقريع نادر هاجمت فيه هذه النظرية.

ويبدو أن دروس حرب العراق قد محيت من ذهن ترامب وإمبراطورية ميردوخ التي تدعمه. ثم جاءت القصة الحصرية من الصحيفة التي يملكها ميردوخ في أستراليا وهي “أستراليان ديلي تلغراف” بعنوان عريض: “علم الصين الوطواطي” وفجرت فيه قنبلة، وقدمت ملفا يضع الإتهام على باب الجمهورية الصينية.
وزعمت الصحيفة أنها سربت ملفا من 15 صفحة حصلت عليه من “حكومات غربية لم تسمها” حول مسؤولية الصين عن الوباء العالمي.

وما يمكن استنباطه من قصة تلغراف الأسترالية، هي أن الملف أعدته مجموعة “العيون الخمسة” للتجسس، والتي تضم أجهزة الأمن في بريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا إلى جانب الولايات المتحدة. وذكر عدد من صحافيي مؤسسات ميردوخ أعادوا نشر القصة، أن مصدر الملف هو في الحقيقة “العيون الخمسة”. وفي الوقت الذي لم تذكر الصحيفة المصدر، إلا أنها قدمت معلومات عن تحقيق قامت به “العيون الخمسة” لتحميل الصين المسؤولية.

وأهم جزء في تحقيق الصحيفة الأسترالية، هو ذلك الذي تحدث عن الخلافات بين المؤسسات الأمنية حول مصداقية “تسرب الفيروس من مختبر ووهان” وهنا قالت الصحيفة إن التحقيق يساعد في إثبات صحة زعم ترامب وبومبيو -الذي لم يثبت بعد- وهو أن الفيروس “صُنع” في مختبر ووهان.

وتم تنميق التقرير بقصص عن أبحاث العلماء الصينيين ومن أسمتهم “رجال الوطاويط” ونساء الوطاويط” و”مغارة الوطاويط”. ولكن الصحيفة التي قدمت دعمها لترامب وبومبيو، غطّّت على خطواتها عندما قالت أكثر من مرة إنه لم يتم إثبات صحة أي من المزاعم بعد.

والمدهش أن الصحافية التي أعدت التقرير وهي شاري ماركسون، كانت ضيفة بعد أيام على القناة التي يملكها ميردوخ “فوكس نيوز” في مقابلة مع مقدم البرامج المفضل لترامب وهو تاكر كارلسون والذي يعتبر مع شون هانتيتي من كبار المطبلين للرئيس ترامب في الإعلام. وقرأ كارلسون للضيفة أن الملف “هو أكبر إثبات لما شككنا به” و”لأنه جهد دولي فمن الصعب تجاهله كوثيقة سياسية”.

والحقيقة أن لا أحد يعرف حتى الآن مصدر الوباء، كما أن نسبة انتقاله من مختبر في ووهان لا تتعدى 5% حسب تأكيد الحكومة الأسترالية. فمن الناحية السياسية، فإن التسريب الذي زعم أنه من “العيون الخمسة” إلى صحيفة يملكها ميردوخ في أستراليا وتم الترويج له وتسويقه في أمريكا من نفس المؤسسات التابعة لميردوخ هناك، يهدف لدعم نظرية ترامب وبومبيو. ولكن صحافة ميردوخ أضافت لمزاعم الرجلين بعد “الأصالة” والتحقيق “الدولي” وليس كونه عبارة عن تسريب من البيت الأبيض إلى فوكس نيوز.

ويرى راد أن العملية كلها مصممة لخدمات سياسات الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فهناك ثلاثة موضوعات في الحملة، وهي تعامل ترامب مع الفيروس، وكيفية إخراج أمريكا من اقتصاد أثر عليه الفيروس، ومن سيكون أكثر تشددا تجاه الصين، ترامب أو “بايدن بكين” حسب وصف الجمهوريين للمرشح الديمقراطي جوزيف بايدن، ولا شيء غير هذا.

وعليه فاستخدام التسريب يدفع باتجاه تحميل الصين المسؤولية من خلال غسل الاتهام عبر دولة أجنبية ومنحه حساً من المصداقية كونه جاء نتاجا لعمل “العيون الخمسة” مساعد في السياسة الحزبية الأمريكية. وعلينا أن نكون واضحين أن ميردوخ يقوم بحملة من أجل إعادة انتخاب ترامب.

وطرح الكاتب عددا من الاسئلة على الحكومة الأسترالية وفيما إن كانت الوثيقة المسربة أولا، نتاجا “لعمل استخباراتي” أم أنها قامت على مصادر مفتوحة للرأي العام؟ وهل كانت الوثيقة عملا مشتركا من “العيون الخمسة” ، وثانيا، أنتجت في الولايات المتحدة؟ والسؤال الثالث: من سربها خاصة أن تسريب معلومات كهذه يعتبر عملا جنائيا؟ كما فعلت أمريكا مع تشيلسي مانينغ وجوليان أسانج؟ ورابعا: هل تواطأ المسؤولون في الحكومة الأسترالية بعملية التسريب؟ وإذا كانت الحكومة جادة في حماية المعلومات السرية، فلماذا لم تعلن عن تحقيق شامل؟ أو أن الحكومة خائفة مما ستعرفه عن الوثيقة وأنها محاولة لخدمة الأغراض الإنتخابية الأمريكية؟

وحقيقة ابتعاد المخابرات الأسترالية عن الملف تؤشر إلى أنها لا تريد الانجرار للسياسة المحلية أو الأمريكية، وكذا فعلت المخابرات البريطانية.

وهذان موقفان صحيحان، ويبدو أنهما تعلمتا من فشل العراق والتلاعب في المعلومات في حينه. ولكن درس العراق نُسي عند ترامب ومملكة ميردوخ التي تدعمه.

ولدى الصين الكثير لتجيب عليه، لكن في حالة لم تثبت مزاعم ترامب إما من قبل العيون الخمسة أو المخابرات الأمريكية فالرابح من هذه القصة ستكون الصين.

القدس العربي