لا تزال المليشيات الولائية تمارس دورها التخريبي في العراق خدمة للمشروع الإيراني الذي يسعى للحفاظ على نفوذه وتأثيره عليه، ففي هذا الشهر فقط قامت تلك المليشيات بمجموعة من الاعتداءات الصاروخية على المصالح الأمريكية” السفارة الأمريكية، والمواقع العسكرية كمطار بغداد” في العراق، ولعل آخر اعتداء وقع ليلة أمس، إذ كان من المقرر أن تستهدف تلك المليشيات معسكرا بـ 18 صاروخا، لكن صاروخا واحدا فقط هو الذي انطلق باتجاه معسكر التاجي الذي يضم طائرات مروحية تابعة للقوة الجوية العراقية والأمريكية والتحالف الدولي، كما يوجد بهذا المعسكر طيارون وجنود وشركات صيانة للطائرات العراقية.
هذه المليشيات الولائية تمارس هوايتها البغيضة والمتمثلة بالعبث بأمن واستقرار وسمعة العراق داخليا وخارجيا، فلو فرضنا بأن تلك الصواريخ المعادية للعراق قبل أن تكون معادية للولايات المتحدة الامريكية والتحالف الدولي، سقطت جميعها على معسكر التاجي، لك أن تتخيل حجم الخسائر المادية والبشرية!، ولك أن تتخيل أيضًا ردة الفعل الأمريكية، ولك أن تتخيل أيضًا حجم الكارثة التي تنتظر العراق!!.
وهذه بعض الصور للأسلوب العشوائي الذي اعتمدته المليشيات الولائية في اعتدائها على معسكر التاجي.
فمصطفى الكاظمي لن ينتظر وقوع هذه الكارثة للعراق، فقد تعهد بالأمس، في اجتماع قادة بالكشف عن تلك المليشيات وإلقاء القبض عليهم وتحويلهم إلى القضاء لينالوا الجزاء العادل عن الأعمال المشينة التي ارتكبوها بحق العراق.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت في وقت سابق أبلغت رئيس الوزراء أنها سوف تفرغ معسكر التاجي من التواجد الأمريكي فيه، وربما هذه المليشيات الولائية على علم بهذا الأمر، فالسؤال الذي يطرح في هذا السياق.. لماذا تقوم بالاعتداء على معسكر تنوي الولايات المتحدة الأمريكية مغادرته؟ هل من أجل أن تستفزها؟ أم أنه من باب استعراض قوتها وأن اعتداءاتها هي التي أجبرت الأمريكيين على مغادرة ذلك المعسكر؟! أم أنها باعتداءاتها المتكررة تهدف إلى تعريض السلم الأهلي في العراق إلى الخطر؟
هذه المليشيات الولائية التي تتقاضى رواتبها من خزينة الدولة العراقية، ومجهزة بأسلحة الدولة العراقية، توسع من حجم خرابها فهي لاتكتفي بالاعتداء على المصالح الأمريكية بالعراق فقط، وإنما أيضًا يعم خرابها المؤسسات والمواقع العراقية! فبعد الاجتماع الذي عقد بحضور الرئاسات الثلاث” رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب” وحضور الكتل السنية والشيعية والكردية النيابية، وانتهى إلى الإشادة بالمفاوض العراقي الذي لا يعجب تلك المليشيات! ، اطلقت تلك المليشيات بعد انتهاء ذلك الاجتماع مجموعة صواريخ على مواقع عراقية.
العراق اليوم، مع تغول المليشيات الولائية وغير الولائية التي هي في الأساس ضد فكرة أو مفهوم الدولة المدنية التي تقوم على سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة فقط، في امتحان خطير ويجب عليها النجاح فيه، لإثبات أن الدولة العراقية قادرة على فرض عناصر القوة غير المادية” الهيبة، والطاعة، والنفوذ” على كامل التراب العراقي من أفراد ومؤسسات.
فمصطفى الكاظمي لن يقبل ولن يتساهل في أمر يمس عناصر قوة الدولة غير المادية، لأن فقدان الدولة العراقية تلك العناصر، سيلحق بالعراق الضرر الكبير في الداخل والخارج العراقي.
لا نبالغ بالقول إذا قلنا بأن المليشيات الولائية وغيرها هي مرض العراق المعاصر لأنها تعطل مفهوم الدولة المدنية التي تستند إلى حكم الدستور وليس ولاية الفقيه، وتقبل بالتعددية والرأي الآخر ولا تميز بين المواطنين بسبب الدين أو اللغة أو اللون أو العرق. كما أنها تعطل مشاريع التنمية الاقتصادية من خلال فسادها، وتعصف بأمن العراق من خلال اعتداءتها المتكررة واستقوائها على الدولة. وتتبنى شعار سائد في العلاقات الدولية لتعكسه على الواقع العراقي ومفاده “من ليس معي فهو ضدي”.
خلاصة القول.. إن وجود المليشيات نقيض الدولة المدنية التي يسعى مصطفى الكاظمي إلى تعزيز أسسها في الدولة العراقية المعاصرة.
وحدة الدراسات العراقية