«الأمن القومي» قضية عائلية في حقبة ترامب!

«الأمن القومي» قضية عائلية في حقبة ترامب!

تقدّم الشذرات المتناثرة التي تعرضها وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية من كتاب «الغرفة التي جرى فيها هذا الأمر: مذكرات من البيت الأبيض» لجون بولتون، المستشار السابق لشؤون الأمن القومي، حول رئيسه دونالد ترامب، تأكيدات جديدة على اختلاط القضايا الشخصيّة للرئيس الأمريكي، والتي تتعلّق بنزواته ورغباته، وشؤون عائلته، بالقضايا الكبرى لكوكب الأرض ودوله العظمى والصغرى وساكنيه عموما، بشكل مفزع ومثير للسخرية في الوقت نفسه.
الحقيقة أن ترامب لم يهتمّ أبدا بالفصل بين قضاياه الشخصية، وشؤونه العائلية، وقضايا السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، فقد كلّف صهره جاريد كوشنر بأخطر القضايا السياسية، ومنها القضية الفلسطينية، ورغم أن نتيجة هذا التكليف صبّت بشكل مريع، في صالح القيادة السياسية اليمينية المتطرفة في إسرائيل، فإن ذلك استدعى، على ما تقول الصحف نقلا عن الكتاب، تعليقا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سخر من قدرات كوشنر متسائلا إن كان سينجح في ما فشل فيه ثعلب الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر.
الملفت في هذا السياق أيضاً ما سرّبته وسائل الإعلام حول السبب الذي يراه بولتون لدفاع ترامب عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي وهو رغبة الرئيس الأمريكي في صرف الانتباه عن مشاكل ابنته ايفانكا (زوجة كوشنر)، حيث أشار إلى أن تصريحات مثل «العالم مكان خطير» و«ربما فعل ذلك وربما لم يفعل»، معتبرا أن القصد منها كان تصدّر عناوين وسائل الإعلام عقب الاكتشاف عن استخدام ايفانكا بريدها الشخصي في المراسلات الرسمية بصفتها مستشارة كبيرة في البيت الأبيض، وكان الأمر خطيرا في اعتقاد ترامب لأنه يرسم تشابهات مع قضية استخدام خصمه الانتخابي هيلاري كلينتون بريدها الالكتروني الشخصي وهي نقطة استخدمها ترامب بشراسة ضدها.
«البيت الأبيض» رفع دعوى أمام المحكمة الاتحادية بالعاصمة الأمريكية واشنطن لوقف نشر الكتاب باعتباره يهدد «الأمن القومي» الأمريكي، لأن ترامب يعتبر أي محادثة معه كرئيس «أمرا سريّا للغاية»، وفي الوقت نفسه اعتبر ما هو مكتوب في الكتاب «محض خيال»، وهما تصريحان متناقضان، فإما أن بولتون ينشر حقائق يعتبرها ترامب «سرّية للغاية»، وإما أنه «محض خيال»، ويجب ألا يعتدّ به.
يظهر ترامب إحساسا بالانزعاج والخطر من الأسرار التي ينشرها الكتاب، والتي تعيد قضايا طُرحت مرارا وتكرارا حول الانتهازية الكبيرة التي تطبع شخصية الرئيس الأمريكي، وتهاونه الكبير بـ«الأمن القومي» الأمريكي، حين يتعلق الأمر بحاجته للنجاح في الانتخابات، أو التمنع عن كشف سجل ضرائبه، أو قصصه الفضائحية مع مومسات، غير أن الإحساس بالخطر لا يتعلّق فقط بالكتاب، فقد نشرت الكثير من الكتب والفضائح الفظيعة حول ترامب ولم يؤثر ذلك على شعبيته الكبيرة، وخصوصا ضمن قسم من الشعب الأمريكي الذي تحوّل إلى ما يشبه طائفة معجبة بالرئيس بغض النظر عما يفعل، ولكن الخطورة تكمن في المسار الذي أخذته الشهور الأخيرة، وخصوصا فيما يتعلق بطريقة تعامله مع وباء كوفيد 19 ثم مع الاحتجاجات الكبيرة ضد العنصرية.
لقد كشف ترامب عن سوء إدارة مذهل فيما يخص الجائحة التي كانت بعيدة عن بلاده، لكنه لم يتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية مواطنيه، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية، إحدى أكبر بؤر انتشار المرض في العالم، كما أنه كشف خلال تعامله مع قضية الاحتجاجات على أنه رئيس لجزء من الأمريكيين وليس لكل مواطنيه، وبذلك فقد صورة الزعيم الذي يوحد شعبه خلفه، مما جعل شعبيته تترنح وحظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة خلال شهور تتراجع.

القدس العربي