تبقى آفاق تعافٍ سريع للاقتصاد العالمي من تداعيات جائحة كورونا رسميا شبه منعدمة، خاصة وأن كبرى المؤسسات المالية والمختصين يتنبؤون بخسائر تراكمية كبرى، وخروج غير متساو من بوتقة الانحسار الاقتصادي الأشد الذي يشهده العالم منذ حوالي 80 عاما.
ويؤكد موقع ستراتفور الأميركي -في تقرير له- أن النماذج الاقتصادية أثبتت خلال الأزمة الحالية عدم جدواها في التعامل مع حالة عدم اليقين التي عمت اقتصادات العالم، لكن وبرغم اختلافها تجمِع كلها على خلاصة واحدة، وهي أن مؤشرات التنمية عالميا أخذت نفس المنحى نحو الانخفاض.
ويتوقع صندوق النقد الدولي خسارة اقتصادية تراكمية بقيمة 12.5 تريليون دولار جراء تداعيات جائحة كورونا عامي 2020 و2021، مع انخفاض بنسبة 4.9% في الإنتاج العالمي هذا العام، وانتعاش بنسبة 5.4% العام المقبل.
كما يرجح الصندوق أن تبقى احتمالات الانتعاش “غير مؤكدة بشكل كبير” بسبب احتمال وقوع موجات إصابة ثانية خلال 2021 مما قد يتسبب في انخفاض إضافي بنسبة 2.5% في وتيرة النمو.
ورغم توقعاته السلبية، يبقى صندوق النقد أكثر المتنبئين تفاؤلا، حيث يتوقع أن تبلغ نسبة الانكماش الاقتصادي هذا العام 5.2%، في حين تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية انخفاضًا بنسبة 6%. أما القطاع الخاص فيرسم أسوأ السيناريوهات على الإطلاق، ويتوقع انخفاضا عالميا قد تصل نسبته إلى 12%.
ويرى موقع ستراتفور أن هذا الركود الاقتصادي تزيد من حدته عوامل كثيرة، منها طبيعة التباطؤ “المتزامنة” التي تعم 95% من اقتصادات العالم، وغياب دولة أو مجموعة دول بإمكانها لعب دور “القاطرة” التي تجر باقي المتضررين.
الصين استثناء
تبقى الصين الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي لا تزال لديه فرصة لنمو إيجابي نوعا ما هذا العام بنحو 1%، لكن هذا يفترض في حالة عدم تطور ظهور الفيروس مؤخرا بالعاصمة بكين إلى موجة تفش ثانية تمتد إلى كامل التراب الصيني.
ويتوقع موقع ستراتفور تبقى وتيرة الانتعاش الاقتصادي في العالم بطيئة وغير متكافئة حتى ولو تم احتواء جائحة كورونا خلال الأشهر المقبلة، لأن البلدان تخرج من إجراءات الحجر والإغلاق بوتيرة متفاوتة.
ويرجح أن تواصل الزيادة بالمدخرات “الاحترازية” كبح الطلب العالمي خاصة مع استمرار قلق الأسر على مداخيلها. كما سيؤدي انخفاض الاستثمارات التجارية، الذي كان فعليا في مسار سلبي بالولايات المتحدة حتى قبل اندلاع أزمة كورونا، إلى مزيد من تقييد الطلب العالمي.
وسيؤدي الإنفاق الحذر على المصانع والمعدات، على وجه الخصوص، إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية، مما يعني تباطؤا لنسب الإنتاج المستقبلية والنمو الاقتصادي.
ومن المرجح أيضا -وفق الموقع الأميركي- أن تظل تكاليف الاقتراض منخفضة لفترة طويلة، خاصة وأن البنوك المركزية تنخرط في سياسات “تقشف” مالي للتحكم في تكاليف الدين العام.
من ناحية أخرى، فإن سداد الديون من قبل الأسر والشركات سيبقى في الغالب ثابتا بغض النظر عن حجم دخلهم وإيراداتهم، وهذا يعني أن هناك حاجة إلى التحكم في التكاليف المتغيرة لتجنب حالات الإفلاس التي تتزايد بالفعل بسبب تداعيات كورونا.
تدابير تحفيزية
ويرى موقع ستراتفور أن عمق ومدة حالة الركود الاقتصادي العالمي سيعتمدان ليس فقط على مسار انتشار عدوى كورونا وحالات الإغلاق المرتبطة بها، ولكن أيضا على تدابير التحفيز الحكومية المتخذة لدعم انهيار الإيرادات ودخل الأفراد.
ولا تزال هذه الإجراءات متأخرة في الأسواق الناشئة التي تعتمد بشكل كبير على التمويل الأجنبي.
من ناحية أخرى، تبدو الأسواق المالية منفصلة عن الاقتصاد الحقيقي، حيث حذر صندوق النقد الدولي من أن المخاطرة المفرطة يمكن أن تؤدي إلى “توقفات مفاجئة” لتدفق رأس المال إلى الأسواق الناشئة إذا تغيرت المعنويات مرة أخرى.
كما تتوقع منظمة التجارة العالمية انخفاضا لحجم المعاملات التجارية هذا العام بنسبة تتراوح ما بين 13و32% (أي ما يعادل انخفاضا بحوالي 2.5 إلى 8.8% في حجم الناتج الإجمالي العالمي) مما سيؤثر بشكل خاص على البلدان التي تعتمد اقتصاداتها على حركة التصدير.
المصدر : ستراتفور