ينبغي على دول الخليج أن تكثف من تدابيرها الأمنية وتحتاط من التخبط الذي تعيشه إيران هذه الأيام. كرقصة الذبيح تحاول طهران تعبئة وكلائها في المنطقة لجولة جديدة من التخريب لإنقاذ واقعها المتردي، وسط كل هذه التحديات الخانقة التي تشدّ من قبضتها على الداخل الإيراني، وتزيد من وطأة منظومة العقوبات وإحباط المشكلات التي تثقل كاهل الإيرانيين.
بلوغ المواجهة الإيرانية الإسرائيلية مستوى جديدا، بعد الهجوم الكبير على منشأة نطنز النووية، لن يبقي لدى طهران ذرة من عقل يمكن أن يحجزها عن ارتكاب حماقة تصعيدية، بعد أن أعجزتها الحلول واشتدّ على رأسها الضغط، وستكون الباحة الإقليمية هي المفضلة لردة فعل إيرانية قاصرة ومحدودة تحفظ ماء الوجه، ولا تتجاسر على تصعيد مكلف وغير مضمون العواقب مع الولايات المتحدة.
لا يكاد يمرّ يوم، إلا ويتصاعد دخان انفجار جديد وغامض في طرف من الداخل الإيراني، تقرر معه القيادة السياسية في طهران عدم الإفصاح عن تفاصيل وابتلاع غصص الهزيمة والانكسار، أو بلورة رد فعل أعمى وهستيري، سيتناثر أذاه وشظاياه في المحيط الإقليمي.
يتسبب الضغط المتتابع على إيران في زيادة التخبط وفقدان البصيرة، حتى أن الخلافات البينية داخل ما يعتقد أنه بيت إيراني موحد ومتماسك، أخذت تظهر على السطح بنحو ما حدث من صبّ زيت الانتقادات والخلافات مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف فوق منصة البرلمان الإيراني.
التردد الذي يشلّ إيران عن اتخاذ أي رد فعل تجاه الكثير من المناسبات التي وقعت مؤخرا وخسرت فيها أحد رموزها أو جنودها أو منشآتها أو ذخائرها، ربما سيكون له انعكاس أمني وسلبي تجاه الحلقة الأضعف دائما، وهي الدول والعواصم العربية الرخوة تجاه نفوذ إيران وقبضة ميليشياتها المؤدلجة، وقد حاولت أخيرا بعض عناصر الميليشيات في العراق اقتحام المنطقة الخضراء والوصول إلى السفارة السعودية وارتكاب حماقات لصالح المعيل الإيراني، ومن جهة استجابت ميليشيا الحوثي لطلب إيراني بنقض مشاورات المبعوث الأممي، فيما أزبد المتحدث باسم جماعة الحوثي وتوعد باستهداف ما يسميه بنكا من الأهداف داخل السعودية.
يزيد من حيرة طهران، مستقبل ما ستكون عليه السياسة الأميركية وما ستفصح عنه الانتخابات الرئاسية الوشيكة، فإما ولاية ثانية للرئيس دونالد ترامب، وبالتالي جولة جديدة من المواجهة السافرة مع “الشيطان الأكبر” ستكون أكثر زخما وأعتى قوة، أو تنتهي المنافسة لصالح جو بايدن، وعندها لكل حادث حديث.
وحتى ذلك الوقت، فإن المنطقة مرشحة لصيف سياسي ساخن، تزيده لهيبا درجات حرارة الطقس، وسيكون لهذا التصعيد المتبادل ثمن وفاتورة باهظة يتوجب على دول المنطقة دفعها والاستعداد لتحمل تكلفتها وأعبائها.
الأمر الذي يحتم على دول الخليج والإقليم تكثيف جهودها في هذه المرحلة الحساسة لتطويق الشر الإيراني، ودعم المناخ الدولي العام للقضاء على أي أمل بإنعاش دورها التخريبي أو تزويده بأسباب استمراره واستفحاله.
ومن ذلك الاستمرار في الجهد المهم والضروري الذي بدأ الأسبوع الفائت لدعم قرار تمديد حظر السلاح على إيران وتشجيع تقليم أظافرها ومنعها من الوصول إلى أي من عناصر القوة التي تموّل سلوكها العدواني.
كما ينبغي استثمار المناخ العربي الذي تبلور ويتطور لتقويض نفوذها في كل من لبنان واليمن والعراق وسوريا، وقد تجاسرت الشعوب على توجيه أصابع الاتهام نحو الدور الإيراني السلبي في بلدانها، الأمر الذي كبدها خسائر فادحة ونزيفا في مقدرات بلدانها وحقها الطبيعي في التنمية والاستقرار والسيادة.
العرب