تجنب إثارة ملف حزب الله يحيط زيارة ماكرون إلى لبنان بالشكوك

تجنب إثارة ملف حزب الله يحيط زيارة ماكرون إلى لبنان بالشكوك

لم تبد أوساط سياسية لبنانية تفاؤلا بشأن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، الثلاثاء، بسبب ما أسمته غموض الموقف الفرنسي من ملفّ الحكومة اللبنانية ومن سيطرة حزب الله عليها، فضلا عن شراكة متينة بين الحزب الموالي لإيران وأصدقاء تاريخيين لفرنسا.

وقالت هذه الأوساط إنّ الرّئيس الفرنسي يحيط زيارته إلى لبنان بالتّصريحات والوعود القوية، لكن من دون وضع الإصبع على أسباب الأزمة العميقة، ذلك أن الفساد المستشري هو أحد عناوين سيطرة حزب الله على القرار الحكومي، فضلا عن القبضة الأمنية على البلاد في ظلّ صمت تام عن موضوع نزع سلاحه كشرط لأيّ استقرار سياسي، وهو ما تتجنّب باريس الإشارة إليه من قريب أو بعيد.

ويعود ماكرون إلى بيروت في محاولة ضغط جديدة لتشكيل “حكومة بمهمّة محددة” تخرج البلاد من أزمتها العميقة، لكن محاولته تبدو بالنسبة إلى كثيرين عقيمة، طالما أنها تتوقع تشكيل حكومة “محايدة” دون الاصطدام بحزب الله الذي نجح في أن يحوّل الحكومات الأخيرة إلى واجهة يختفي وراءها.

وتجنب الرئيس الفرنسي مجرّد الإشارة إلى إيران وذراعها في لبنان في تصريحات الجمعة قال فيها “إذا تخلّينا عن لبنان في المنطقة وإذا تركناه بطريقة ما في أيدي قوى إقليمية فاسدة، فستندلع حرب أهلية” وسيؤدي ذلك إلى “تقويض الهوية اللبنانية”.

ومن الواضح أن ماكرون يميل إلى التعويم في اتهام “قوى إقليمية فاسدة” لعدم استثارة حزب الله ودفعه إلى إفشال مساعي فرنسا للإمساك بالملف اللبناني، ظاهريا على الأقل، مع أن مغانم هذه العودة وما قد يتبعها من دعم مالي واقتصادي ودبلوماسي للبنان سيعود ريعها بالدرجة الأولى لحزب الله ومن ورائه إيران.

وأشار إلى “القيود التي يفرضها النظام الطائفي” في لبنان والتي “إذا ما أضيفت – لكي نتحدث بتحفظ – إلى المصالح ذات الصلة”، أدت “إلى وضع يكاد لا يوجد فيه أيّ تجديد (سياسي) وحيث يكاد تكون هناك استحالة لإجراء إصلاحات”.

وتأتي هذه الزيارة، وهي الثانية إلى بيروت بعد الانفجار الذي وقع في بيروت في الرابع من أغسطس، بينما يبدأ الرئيس اللبناني ميشال عون صباح غد الاثنين استشارات مع الكتل النيابية لتكليف شخصية جديدة بتشكيل حكومة بعد ثلاثة أسابيع من استقالة حكومة حسان دياب تحت ضغط الشارع الذي حملها مسؤولية الانفجار بسبب الإهمال وفساد المؤسسات.

ويحفل جدول أعمال ماكرون بلقاءات سياسية وأخرى ذات طابع رمزي. وأعلنت الرئاسة الفرنسية أنه “لن يتخلّى” عن المهمّة التي أخذها على عاتقه لناحية دعم لبنان عقب الانفجار الذي تسبّب بمقتل أكثر من 180 شخصاً وألحق أضراراً جسيمة بعدد من أحياء العاصمة.

ولزيارة ماكرون، وفق الرئاسة الفرنسية “هدف واضح وهو ممارسة الضغط حتى تتوفّر الشروط لتشكيل حكومة بمهمة محددة قادرة على الاضطلاع بإعادة الإعمار والإصلاح”، مع ضمان أن يلتزم المجتمع الدولي بدعم لبنان الذي نضبت موارده ويشهد أسوأ أزماته الاقتصادية.

وأكد ماكرون على هذه النقطة الجمعة مشددا على وجوب “تمرير قانون مكافحة الفساد وإصلاح العقود العامة وإصلاح قطاع الطاقة” والنظام المصرفي. وحذّر من أنه “إذا لم نفعل ذلك فإن الاقتصاد اللبناني سينهار”.

ويعقد الرئيس الفرنسي سلسلة اجتماعات يبدأها لدى وصوله مع السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه، على أن يجتمع على طاولة الغداء مع الرئيس عون الثلاثاء، ويلتقي مساء ممثلي تسعة من القوى السياسية الرئيسية في لبنان.

وسبق لماكرون أن عقد لقاء مماثلاً في قصر الصنوبر، مقر السفير الفرنسي في بيروت، خلال زيارته الأولى في السادس من أغسطس دعا خلاله الفرقاء السياسيين إلى إجراء “تغيير عميق” عبر “تحمّل مسؤوليّاتهم” و”إعادة تأسيس ميثاق جديد” مع الشعب لاستعادة ثقته.

وتقول الرئاسة الفرنسية إنها تحتفظ “بقدر جيّد من الأمل” في إعطاء دفع للمحادثات، خصوصاً أن الزيارة ستتزامن مع استشارات تكليف رئيس حكومة جديد.

وكرّرت باريس الخميس دعوتها لبنان إلى الإسراع في تشكيل حكومة واعتماد إصلاحات “عاجلة”. وحذّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان من أن “الخطر اليوم هو اختفاء لبنان، لذلك يجب اتخاذ هذه الإجراءات”.

ولم تظهر حتى الآن أيّ بوادر توافق على اسم رئيس الوزراء المقبل جراء التباين في وجهات النظر بين القوى السياسية الرئيسية.

علما أن هذه القوى تبدو وقد سدّت أذنيها عن سماع صوت اللبنانيين الغاضبين المحبطين الذين يصرّون على محاسبة الطبقة السياسية كاملة ويرفضون عودة أيّ من رموزها إلى السلطة.

وأعلن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري هذا الأسبوع أنه لا يعتزم العودة إلى السلطة، منتقداً “بعض القوى السياسية” التي قال إنها “ما زالت في حال من الإنكار الشديد لواقع لبنان واللبنانيين”.وكان حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز، استبق مشاورات التكليف بإعلانه على لسان أمينه العام حسن نصرالله رفضه تشكيل أيّ حكومة “حيادية”، وهو المطلب الذي يرفعه بعض المحتجّين والبطريرك الماروني بشارة الراعي الذي سيكون له لقاء مع ماكرون.

ودعا نصرالله الذي يشكّل مع حلفائه أكثرية في البرلمان إلى “تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإن لم يكن ذلك ممكنا، حكومة ذات أوسع تمثيل ممكن من سياسيين واختصاصيين”.

ولم تكن آخر تجربة “حكومة وحدة وطنية” برئاسة الحريري ناجحة، إذ سقطت بعد نحو ثلاث سنوات من تشكيلها على وقع احتجاجات ضخمة في الشارع في أكتوبر الماضي. وكانت تضم ممثلين عن معظم الأحزاب السياسية وولدت بعد سنتين من فراغ في سدة رئاسة الجمهورية إثر تسوية هشّة شلّت المؤسسات وعطّلت القرارات.

وقال مصدر دبلوماسي في بيروت إن كارثة المرفأ “لم تغيّر في طريقة تعامل الأطراف السياسية مع موضوع تشكيل الحكومة وتكليف رئيس لها”.

وأوضح أن تكليف رئيس حكومة جديد “لا يعني أن تشكيل الحكومة سيتمّ بسهولة”، وهو ما تظهره العديد من التجارب السابقة، لافتاً إلى أنه “ما من التفات جديّ للشارع” الذي يطالب بتغيير سياسي ويتهم الطبقة الحاكمة بالفساد والفشل في إدارة الأزمات.

وعقب انفجار المرفأ توالت الدعوات الغربية، لاسيما الفرنسية والأميركية، للإسراع في تشكيل حكومة تعكس “تغييراً حقيقياً”، إلا أن أوساط الرئاسة الفرنسية تؤكد أنه “لا يعود لنا تشكيل الحكومة”، نافية أن تكون مساعيها الجارية بمثابة “تدخل” في الشأن اللبناني.

صحيفة العرب