المالكي.. فتى إيران المدلل

المالكي.. فتى إيران المدلل

349

بمنتهى الأريحية، وباستقبال كبير من أعضاء ائتلاف دولة القانون، عاد إلى بغداد نوري المالكي، نائب رئيس الجمهورية المعفى من منصبه، وفقا لقرار حيدر العبادي رئيس الحكومة، عاد بعد زيارة استغرقت أياماً إلى طهران، حضر خلالها مؤتمرا عقدته إيران لشخصيات شيعية من مختلف دول العالم. عاد بعد يومين من صدور تقرير برلماني كشف أنه، و35 قيادياً ومسؤولاً آخرين، هم من تسبب في سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم الدولة في يونيو/حزيران 2014.
عندما تناقلت وسائل الإعلام نبأ مغادرة نوري المالكي إلى طهران، توقع الجميع أنه فر من الملاحقة، خصوصاً وأن الدلائل كانت توضح أنه المتورط والمسؤول الأول لعملية سقوط الموصل، ناهيك عن سجل حافل آخر يضم كل ما يمكن أن يفعله رئيس حكومة فاسد وطائفي.
بعد يومين من سفره، ظهر المالكي في مؤتمر طهران، متحدثا بلسان سليط ومهاجما المملكة العربية السعودية، كعادته كلما سنحت له الفرصة. وفي التوقيت نفسه، ظهر تقرير لجنة سقوط الموصل، ليتهمه صراحة بالتسبب في ذلك. هنا زادت شكوك بعضهم في أن الأمر قد يكون دبر بليل، بين ظهور نتائج التحقيق وسفر المالكي، غير أن الأمر لم يكن كذلك، فلقد عاد المالكي بعد ظهور التقرير بيومين، على متن طائرة إيرانية، وتحدث لمستقبليه من أعضاء كتلته أنه يملك أدلة ووثائق تدين الجميع.
سبقت عودة المالكي إلى بغداد زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وعقده لقاءات مع قيادات عراقية نافذة ومسؤولة، فقد ذكرت وسائل إعلام أن سليماني حذر العبادي من التعرض للمالكي، وربما أخذ منه تعهدا بذلك، فعاد المالكي أقوى من قبل، على الرغم من أن المتظاهرين العراقيين رفعوا سقف المطالب، وباتوا يطالبون علناً بإعدامه، لدوره الكارثي طوال سني حكمه.
في خضم هذا المشهد، تأتي تداعيات الخلافات بين التحالف الوطني الشيعي على رئاسة التحالف وملفات أخرى ظلت عالقة، فيظهر العبادي جالساً إلى جانب نوري المالكي، بحضور قيادات في الائتلاف الشيعي، وهي علامات أصابت الشارع العراقي المتظاهر والمطالب بالإصلاح، بوعكة ثقة بالعبادي وإصلاحاته. ويدرك حيدر العبادي، كما تدرك من خلفه إيران، وقبله نوري المالكي، أن فترة الثمانية أعوام التي قضاها المالكي في الحكم، بعقليته الطائفية التي تجيد حياكة الدسائس، كانت كافية وكفيلة بأن تجعل المالكي شخصَ إيران المدلل، ليس فقط لما قدمه لها من خدمات وحسب، وإنما أيضا لما قدمه هو نفسه لمرحلة ما بعد إزاحته من كرسي رئاسة الحكومة.
نعم، يملك المالكي بمساعدة إيران وثائق يمكن أن تطيح بكل من يسعى إلى الإطاحة به، وليس هناك في الحكومة العراقية الحالية، أو في مجلس نوابهم، أو في رئاسة الجمهورية، أو حتى على مستوى مدراء عامين أو قيادات عسكرية كبرى، أحدٌ إلا وله ملف فساد وإجرام لدى نوري المالكي وإيران، بمن فيهم رئيس الحكومة، حيدر العبادي.

المشهد معقد. الدعوات للإصلاح التي خرج بها الشعب العراقي في بغداد ومدن الجنوب تسعى إلى استعادة الحقوق، بعد أن وصلت مستويات الفساد والبطالة والفقر في العراق إلى مستوى لا يمكن السكوت عليه. وبالتالي، كان لزاما على العبادي أن يتخذ خطوات لترضية الجماهير الغاضبة، غير أن هذه الخطوات لم تكن أكثر من محاولات لترقيع شق كبير. مع ذلك، حتى هذه المحاولات يبدو أنها في طريقها إلى الفشل، فلا المالكي، ولا أحد من المسؤولين الفاسدين أو المدانين تم اعتقالهم، بل حتى إعفاء العبادي نواب رئيسي الجمهورية والحكومة ما زال قراراً حبراً على ورق، فرئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، لم يوقع بعد عليه.
المالكي أقوى من العبادي، حقيقة يدركها الأخير منذ تولى رئاسة الحكومة قبل عام، كما يدرك أن للمالكي مرجعية سياسية، ونفوذاً أقوى بكثير منه، فهو ما زال في نظر إيران الفتى المدلل، الذي يمكن أن يلعب دوراً في العراق، ليس بالضرورة سياسياً، كما أن لإيران ملفات معقدة مع أذرع المالكي في العراق، لا تريد أن تنكشف، ولا أن تنتهي. ومن هنا، سيبقى دعم إيران له متواصلا. ويعني ذلك فشل إصلاحات العبادي، فبعد أكثر من أسبوعين على قراراته، ما زال الشعب يتظاهر، وارتفعت سقوف المطالب، وباتت تنادي بحل كامل للعملية السياسية وكل مخرجاتها منذ 2003، حتى وصل بها الحال إلى مهاجمة شخصيات ورموز دينية عند الشيعة، كانت، إلى ما قبل التظاهرات، خطاً أحمر.
لن يحدد العبادي أو المالكي أو حتى إيران الخطوة المقبلة، ولا حتى مرجعية النجف ممثلة بالسيستاني. سيحددها العراقيون الذين قرروا التظاهر، في محاولة منهم للبحث عن عراقهم الذي سرقه الساسة ورجال الدين. وستأتي، هذه المرة، من ساحات التظاهر وميادينه، فإما الاستمرار وحشد الطاقات بشكل أكبر وتوحيد الرؤى والمطالب لاقتلاع عملية سياسية فاسدة أنتجت مفسدين، أو تدخلات أمنية وحزبية وملشياوية تفضي إلى ما لا يحمد عقباه. وعند ذاك، لن تختلف مدن الجنوب عن مدن غربي العراق وشماله.

إياد الدليمي

صحيفة العربي الجديد