موارد “المتوسط” الهيدروكربونية… كيف حجزت روسيا نصيبها من حصة دمشق؟

موارد “المتوسط” الهيدروكربونية… كيف حجزت روسيا نصيبها من حصة دمشق؟

أواخر العام الجاري ينتهي عقد للتنقيب عن الموارد الهيدروكربونية في مياه المتوسط السورية أبرمه النظام مع شركة روسية تلاعبت باسمها وجنسيتها مرات عدة، رغم كونها غير مؤهلة فنيا للصفقة، التي تدار بطريقة غير شفافة وفق ما توصل إليه تحقيق “العربي الجديد”.

– هل تحتوي المياه الإقليمية السورية على كميات من النفط أو الغاز القابل للاستثمار؟ سؤال أجابت عن نصفه دراسات متخصصة، ففي عام 2005، أجرت شركة INSEIS النرويجية عمليات المسح السيزمي، وأظهر التقرير الذي نشرته شركة CGGVertitas الفرنسية عام 2011 بعد استحواذها على الشركة النرويجية “نتائج مشجعة” لوجود مكامن للنفط والغاز.

كما يتحدث تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية الصادر في مارس/آذار 2010 عن احتياطي لحوض شرق البحر المتوسط بنحو 1.7 مليار برميل من النفط، و122 تريليون متر مكعب من الغاز، ويشمل حوض المشرق، قبالة سواحل سورية ولبنان و”إسرائيل”.

ولا تقدم وزارة النفط السورية أي معلومات حول الاحتياطات المؤكدة، إلا أن صحيفة “الثورة” الحكومية، أوردت في 2013 معلومات مصدرها الوزارة، تقول إن الجزء السوري يقدر “بنحو 6.5 % من إجمالي مساحة حوض المشرق”.

تحقيق الجوازات السورية المزورة 1
الأرشيف
الفساد الكروي… برازيليون يحترفون عبر جوازات سفر سورية مزورة
كيف ظهر الروس؟

في مايو/أيار 2007 طرحت وزارة النفط السورية 4 قطاعات بحرية للتنقيب، ولم تتقدم وقتها سوى شركة Dove Energy البريطانية، وتم تجاهل عرضها لكونه وحيداً بلا منافسين، وفي 24 مارس/آذار عام 2011، تم طرح مناقصة في أربعة قطاعات، بمساحة تصل إلى 7750 كيلومتراً مربعاً، ولم تتقدم أي شركة رغم تمديد المهلة.

عقب العرض قابل اثنان من معدي التحقيق وزير النفط السابق سفيان علاو في إبريل/نيسان 2011، ليعزو ضعف الإقبال إلى ظروف سياسية معقدة ترافق الطرح.

بعد عامين وفي 26 ديسمبر/كانون الأول 2013 وقعت وزارة النفط عقد “عمريت البحري” في “البلوك” II، بالتراضي مع شركة “سيوز نفتغاز إيست ميد” وينص على إجراء عمليات المسح والتنقيب جنوب شاطئ طرطوس إلى محاذاة بانياس، وبمساحة 2977 كيلومتراً مربعاً، بكلفة 100 مليون دولار، على أن تقتصر فترة التنقيب على 60 شهراً.

الصورة
تحقيق سورية 4

شركة غير مؤهلة فنياً

رغم أن “سيوز” وقعت عقودا للتنقيب في العراق وسورية منذ عام 2003، إلا أنها كانت برية فقط، ولم تحفر بئرا بحرية منذ تأسيسها.

مؤهلات الشركة تتحدث عنها وثيقة رسمية مسربة في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 وصادرة عن وزارة النفط السورية، وتم التأكد من صحتها عبر مسؤول رفيع في الوزارة، أي قبل توقيع العقد بنحو شهرين، تفيد بأن الشركة لا تتمتع بالأهلية للاستكشاف البحري العميق.

مدى أهلية الشركة يقيّمها الخبير الدولي محمود سلامة الباحث المتخصص في شؤون الطاقة لدى جهات عدة، من بينها أوبك والبنك الدولي وجامعات كبرى، قائلا إنه رغم مشاركة “سيوز” في إدارة مشاريع طاقة داخل روسيا وحول العالم، إلا أنها “شركة خدمات مثل Haliburton أو Schlumberger وأيضًا مدير استثمار، وعندما يتعلق الأمر بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية، سيكون لها دور استشاري فقط”، مرجحا أن “الحكومة الروسية ستطلب من شركات النفط والغاز الروسية الكبرى مثل Rosneft و Gazprom القيام بالتنقيب والحفر الحقيقيين في مرحلة لاحقة”.

وتواصل فريق التحقيق أيضا مع مسؤول احتل موقعا اقتصاديا مهما في الحكومة السورية أثناء فترة توقيع العقد للاستيضاح حول أهلية الشركة وجديّة العقد، غير أنه اشترط عدم الكشف عن هويته حفاظا على أمنه الشخصي، ويؤكد المسؤول أن استثمار الغاز البحري مع الشريك الروسي خارج المنطق العلمي، مؤكداً فرضية أن الملف يجري استخدامه بطريقة سياسية أكثر منها اقتصادية.

في يوليو/تموز 2014، نشرت الجريدة الرسمية السورية المرسوم التشريعي الخاص بتصديق العقد الموقع عام 2013، بعنوان “تصديق العقد بين سورية وشركة سيوز بنما للتنقيب عن البترول”.

وفي أغسطس/آب 2017 نشر موقع رئاسة الوزراء القانون رقم 27 الذي يصادق على ملحق لعقد التنقيب مع “سيوز”، إلا أن التصديق جاء باسم شركة جديدة وهي “أيست ميد عمريت إس أي”.

كما ينص القانون الملحق الجديد على تسمية مختلفة للشركة “سيوز” الأم، مضيفا لها صفة “الروسية” بدل “البنمية”.

المسؤول الاقتصادي السوري والذي تابع تفاصيل تتعلق بتأخير التصديق بحكم مسؤوليته المباشرة، قال إن التأخير يتعلق بخلاف حول عجز “سيوز” عن تنفيذ التزاماتها لضعف خبرتها، وأشار إلى أن تغيير الأسماء يتعلق بصورة وثيقة بالعقوبات الأميركية المفروضة على سورية، إذ تحاول الشركة الروسية إيجاد بديل يجنبها العقوبات الجديدة التي فرضها قانون “قيصر”، خصوصا أن نص القرار يؤكد على معاقبة المتعاونين الخارجيين ويشير صراحة إلى روسيا.

الفرضية المتعلقة بالعقوبات الأميركية يؤكدها الخبير الدولي ممدوح سلامة الذي يرى أن روسيا لن تخاطر بإخضاع شركتيها الكُبريين “روسنفت” و”غازبروم” للعقوبات، ويرى أن الشركتين الأخيرتين ستباشران التنقيب، ربما، بموجب نصيحة من “سيوز” بعد انتهاء العقوبات.

ويتابع بأن التدخل العسكري الروسي في سورية كلفها مليارات الدولارات، وأنها قامت بتوقيع العقود لهذا السبب لاسترداد أموالها من أي غاز ونفط مكتشفين مستقبلا.

ولم تجب وزارة النفط السورية عن الأسئلة الموجهة إليها في سبتمبر 2019 ويوليو 2020 حول سبب التغيير في اسم الشركة الموقعة للعقد من سيوز البنمية، إلى الروسية ثم عمريت، ومدى وطبيعة ارتباطها جميعا بالشركة الأم سيوز نفتغاز الروسية (SNG). بدورها أيضا لم تستجب “سيوز” لرسالة رسمية على بريدها تم إرسالها في يونيو/حزيران الماضي.

تحقيق سورية 1
الأرشيف
استنزاف دولار الشمال السوري…كيف تصل العملة الصعبة لنظام الأسد؟
النفط مقابل الغذاء

يرجع إنشاء شركة “سيوز نفتغاز” إلى عام 2000، علي يد رئيس مجلس إدارتها الحالي، يوري شفرانيك، والذي تكشف سيرته المهنية علاقاته الحكومية الوثيقة، إذ شغل منصب وزير الطاقة في روسيا بين عامي 1993 و1996، كما يشغل حاليا منصب رئيس اتحاد منتجي النفط والغاز في روسيا.

ومن خلال مراجعة تقرير لجنة التحقيق المستقلة حول الفساد في برنامج “النفط مقابل الغذاء”، والتي شكلتها الأمم المتحدة في مارس/آذار 2004، وبناء على تقرير “فولكر” الذي صدر في سبتمبر/أيلول 2005، يتبين أن “سيوز” متورطة في تلك الفضيحة، إذ حصلت عبر رئيسها شافرانيك على 25.5 مليون برميل من النفط العراقي، وهو جزء من كمية أعادت شركات روسية تسويقها وبيعها في السوق الأوروبية.

وبخلاف شركة “سيوز” التي تتوافر عنها معلومات وتاريخ سابق، فإن شركة “عمريت إس إي”، لا تملك موقعا على الإنترنت أو أية بيانات رسمية معلنة.

حصل معدو التحقيق على وثائق تسجيل الشركة، والتي ظهر أنها مسجلة في بنما وليس روسيا، وأن تاريخ إنشائها يعود إلى 11 سبتمبر 2013، أي قبل نحو 3 أشهر فقط من ظهورها في الوثائق السورية، وحملت الاسم الرسمي SNG East Med S.A.

كما يظهر بالوثائق أن الشركة غيرت اسمها لاحقا في أكتوبر/تشرين الأول 2015 إلى EAST MED AMRIT S.A، كما تم تعديل نظامها بنفس العام لينص على تكوينها من 100 سهم كل منها بقيمة ألف دولار، ليصبح رأس مال الشركة 100 ألف دولار.

لا يظهر بوثائق الشركة في بنما مطلقا أسماء رئيس مجلس إدارة الشركة الأم يوري شفرانيك، أو المدير المفوض بالتوقيع في سورية غيسى غوتشتيل، بينما تظهر أسماء ممثلين قانونيين من بنما، وهي وسيلة تُستخدم لصالح المُلاك الراغبين في إخفاء هوياتهم.

مدير الشركة وقت تأسيسها هو حامل الجنسية البنمية فيرنون إيمانويل سالازار زيوريتا، والذي ظهر اسمه بعد تسريبات “أوراق بنما”، متورطا في فضيحة فساد، حيث تم القبض عليه في إطار التحقيقات بقضية استيلاء نائب عمدة بنما العاصمة على أموال عامة.

مدير آخر للشركة تورط باتهامات شبيهة، هو دليو خوسيه دي ليون ميلا، والذي تم إدراجه في 2018، وظهر أنه نائب المدير وشريك بشركة Quijano y Asociados للمحاماة، والتي أنشأت أكثر من 15 ألف شركة ظهرت ضمن تسريب “أوراق بنما”. وفي ديسمبر 2019 خضع خوسيه للتحقيق القضائي لتورط شركته في فضيحة فساد في كولومبيا.

لكن من هو المدير التنفيذي الذي وقع على عقد الغاز البحري في سورية ممثلا للجانب الروسي؟ اسمه غيسى غوتشتيل Gissa Guchtel، ويعرفه معهد الدراسات الشرقية للأكاديمية الروسية للعلوم بأنه يحمل شهادة دكتوراه في التاريخ، وليس في الإدارة أو علوم الطاقة، كما هو متوقع من شخص بمنصبه.

عبر مزيد من البحث ظهر اسم غوتشتيل في وثائق “أوف شور ليكس”، ووثائق “بنما”، المتعلقة بالشركات المسجلة في ملاذات ضريبية، والتي تستخدم السرية لجذب التدفقات المالية، بما فيها غير المشروعة أو المرتبطة بشخصيات سياسية، وفق ما جاء في بيان صادر عن الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين الذي نشر وثائق بنما في 2016 منددا بنظام التهرب الضريبي العالمي.

وورد اسم غوتشتيل كمالك ومدير لشركة “ديكسوود (Dexwood Global Investment Limited) والتي كانت تستثمر في قطاعات استثمارية متعددة ونشطت في جزر العذراء البريطانية وجمهورية لاتفيا. وتُظهر البيانات أن شركة “ديكسوود” لم تعد عاملة حاليا، إلا أن هناك شركتين متفرعتين عنها تنشطان في لاتفيا.

ويظهر اسم آخر كشريك ومدير مع غوتشيل بهذه الشركة وهو رجل الأعمال البريطاني إيان تايلور (توفي في يونيو الماضي)، والذي حفل تاريخه بدوره بنقاط مثيرة للجدل، كاتهامه بالتعامل مع أحد مجرمي الحرب الصرب إبان حرب البوسنة، وكذلك تورطت شركته “فيتول” في فضيحة فساد برنامج النفط مقابل الغذاء العراقي، وصدر ضدها حكم من محكمة نيويورك عام 2007 بدفع غرامة قيمتها 17.5 مليون دولار، وهي نقطة أخرى تشترك فيها الشركة مع “سيوز نفط غاز” الروسية.

بعد نحو 18 شهرا من حصولها على الترخيص أعلنت “سيوز” الروسية أنها لن تستطيع تنفيذ التزاماتها التعاقدية في سورية، حيث أعلن يوري شافرانيك في سبتمبر 2015 أن القرار جاء “بسبب الصراع” كاشفا عن أن المشروع سيحال إلى شركة روسية أخرى لم يذكر اسمها، لتظهر بعدها “أيست ميد عمريت إس أي”.

ما سبق يتقاطع مع تناقض آخر جاء من داخل سورية، حيث تسرب تقرير من وزير النفط علي سليمان غانم إلى رئيس الوزراء السابق عماد خميس يشير إلى أن الشركة توقفت تحت ظرف القوة القاهرة، وأنها نفذت التزاماتها العقدية للعديد من الأعمال خلال عامي 2013 – 2014.

مضمون التقرير الذي نشرته صحيفة البعث الرسمية يتناقض مع القانون 31 لعام 2011 والذي تم تعديله عام 2013، وينص على أنه لا يجوز للوزير المختص التصديق على العقود الاستثمارية التي تتجاوز قيمتها 200 مليون ليرة سورية، والتي تتطلب تصديقا من رئيس الجمهورية أو البرلمان، وهو التصديق الذي صدر بالفعل منتصف 2014 في حالة سيوز، لذلك من غير القانوني أن تكون قد بدأت العمل في 2013، ما يعني أن الوزير قدم تبريرات غير صحيحة أو أن العمل قد بدأ بالفعل قبل التصديق بالمخالفة للقانون.

لاحقا صدر القانون 27 بتاريخ 3 أغسطس 2017، وينص على تعديل الاسم وتعديل المادة الثالثة “منح الحقوق والمدة” التي تنص على أن مدة التنقيب الكلية هي 60 شهرا من تاريخ نفاذ العقد وليس من تاريخ توقيعه، قبل صدور مرسوم تشريعي بالتصديق عليه. كما تم تمديد العقد 20 شهرا لتصبح الفترة الكلية للتنقيب 80 شهرا.

وبالرغم من التعديل السابق وفي منتصف إبريل 2019 انقضت السنوات الخمس لاستكشاف حقول النفط والغاز والتنقيب من دون نتيجة معلنة، ونهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2020 ينتهي التمديد الإضافي، من دون أية معلومة عن عمليات حفر تمت خلال الفترة.

مصطفى السيد، علي عيد، محمد أبو الغيط

العربي الجديد