استقبلت العاصمة السورية وفداً حكومياً روسياً ترأسه يوري بوريسوف نائب رئيس مجلس الوزراء وانضم إليه لاحقاً وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي يعود إلى سوريا بعد غياب دام ثماني سنوات. وأعلنت سانا وكالة أنباء النظام الرسمية أن هدف الزيارة هو متابعة مباحثات اللجنة السورية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي، التي كانت قد انعقدت في موسكو وترأسها عن الجانب السوري وزير خارجية النظام وليد المعلم.
لكن حضور بوريسوف يشير إلى مغزى أعمق من مجرد متابعة تلك الجولة الأولى، ذلك لأنه رجل الكرملين بصدد مشروعات الاستثمار الاقتصادي للوجود العسكري الروسي في سوريا، الذي كان قد بدأ في خريف العام 2015 واتخذ صيغة عمليات قصف جوية وبحرية وإقامة قاعدة جوية في حميميم قرب اللاذقية على الساحل السوري، وأسهم بأشكال متعددة في إنقاذ النظام السوري من هزائم مريرة على جبهات عديدة، ومنع سقوط دمشق باعتراف لافروف نفسه.
وكان بوريسوف قد زار دمشق أواخر العام الماضي واجتمع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد وأعلن توسيع الاستثمارات الروسية في سوريا لتشمل 500 مليون دولار في ميادين متعددة، بينها تطوير مرفأ طرطوس الذي حصلت موسكو على حقوق استثماره لمدة 49 سنة، ومدّ خط نقل حديدي يربط موانئ الساحل السوري بموانئ البصرة في العراق، وإقامة صوامع حبوب تتيح تخزين الحبوب الروسية وتصديرها. كذلك كانت زيارة بوريسوف قد مهدت الطريق أمام شركة سترويترسانغاز الروسية التي يرأسها غينادي تيمشنكو صديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للبدء في أعمال التنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري ومناطق أخرى، حيث بدأت عمليات الاستكشاف فعلياً.
على الجانب السياسي تؤكد مشاركة لافروف في الوفد، إلى جانب مساعده ميخائيل بوغدانوف المختص بالملف السوري تحديداً، أن موسكو ترى ضرورة عاجلة في بحث جملة من القضايا السياسية، مثل موضوع الدخول الأمريكي على خط الحوارات الكردية الكردية، وترتيبات الشمال السوري لجهة استثمار النفط خصوصاً، وأوضاع شرق الفرات عموماً. كذلك سوف ينقل لافروف مقترحات تركية جديدة بصدد منطقة إدلب كما تردد في الصحافة الروسية، وسيحمل تصورات المبعوث الأممي غير بيدرسن حول أعمال اللجان الدستورية، بعد اجتماع عقده في موسكو مع لافروف وزميله وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
ومن الواضح أن هذا الوفد الحكومي الروسي هو الأرفع منذ زيارة بوتين القصيرة إلى دمشق مطلع هذا العام، مما يعني أن موسكو تعلق عليها أهمية خاصة في الظروف الراهنة تحديداً، سواء لجهة مشهد الاستثمارات الروسية في سوريا، أو التسخين الميداني الإسرائيلي الإيراني عبر الغارات الإسرائيلية المتعاقبة في مختلف الأراضي السورية، أو التوتر السائد شرق المتوسط والتي تتعلق أيضاً بمستقبل تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا. وقد يكون المحتوى الأهم هو أن موسكو أخذت تضيق ذرعاً بابتعاد آجال استثمارها الأكبر، أي فوز الشركات الروسية بحصة الأسد في المليارات التي سوف تخصصها الجهات الدولية المانحة على سبيل إعادة إعمار سوريا.
وليس اختلاط كبار ممثلي الاقتصاد والسياسة الخارجية في تركيبة الوفد الحكومي الروسي الذي زار دمشق سوى الدليل الأحدث على حساسية الملفات التي تقلق موسكو، وأما الزمن القصير الذي استغرقته الزيارة فهو المؤشر على نفاد صبر الكرملين خاصة في أجواء الاحتقان المحلية والإقليمية والدولية.
القدس العربي