تساءل المعلق في مجلة “أويل برايس” سايمون واتكينز عن أهمية سوريا لاستراتيجية الطاقة الروسية. وقال إن سوريا مهمة لثلاثة أسباب رئيسية. أولا، تعتبر النقطة الغربية والأساسية للهلال الشيعي الذي يمتد من لبنان وسوريا وعبر العراق إلى إيران ومن ثم جنوبا إلى اليمن وهو المحور الذي تقوم موسكو برعايته ولعدة سنوات كنقطة مواجهة لمجال التأثير الأمريكي ومركزه السعودية. أما السبب الثاني، فلأن سوريا تمنح موسكو شريطا ساحليا طويلا تستطيع من خلاله نقل منتجات الغاز والطاقة الروسية لحلفائها (خاصة إيران) أو لمراكز الغاز الطبيعي في اليونان وإيطاليا أو إلى شمال وغرب وشرق أفريقيا. فيما يعود السبب الثالث إلى الأهمية العسكرية حيث تدير القاعدة البحرية في طرطوس وقاعدة جوية في اللاذقية وقاعدة تنصت أخرى خارج اللاذقية.
وتمتلك سوريا كميات مهمة من الغاز الطبيعي والنفط وقد تجنب روسيا الكلفة التي تتحملها كجزء من المناورات الجيوسياسية. وتعمل روسيا الآن على 40 مشروعا رئيسيا في هذا القطاع. وبحسب يوري بوريسوف نائب لرئيس الوزراء الروسي تعمل روسيا الآن على إعادة تأهيل 40 منشأة للطاقة في سوريا وكجزء من إعادة تأهيل قطاع الغاز والنفط ولكي يعود إلى العمل كما كان عليه قبل عام 2011 عندما قام المنشقون عن الجيش السوري بتشكيل الجيش السوري الحر وبدأوا حربا مسلحة في عموم البلاد.
تمتلك سوريا كميات مهمة من الغاز الطبيعي والنفط وقد تجنب روسيا الكلفة التي تتحملها كجزء من المناورات الجيوسياسية
وقبل هذا كانت سوريا دولة منتجة للنفط والغاز بقدرة 400 ألف برميل في اليوم. وهناك احتياط مؤكد بـ 2.5 مليار برميل. وقبل أن يبدا معدل التعافي بالانخفاض نتيجة لنقص الأساليب الفنية المتقدمة المستخدمة في حقول النفط الواقعة بشكل عام في شرق البلاد قرب الحدود مع العراق وقريبا من مدينة حمص، كانت سوريا تنتج 600 ألف برميل نفط في اليوم. وعندما وقع أكبر حقول النفط في دير الزور وحقل العمر تحت سيطرة داعش، انخفض انتاج النفط الخام إلى 25 ألف برميل في اليوم. إلا أن المستوى تحسن إلى ما بين 35- 40 ألف برميل في اليوم حسب إدارة معلومات الطاقة. وبحسب المفوضية الأوروبية كانت أوروبا تستورد نفطا بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي في العام حتى بداية 2011، حيث كانت معظم البنية التحتية للنفط في مكانها. وتم تكييف معظم مصافي النفط الأوروبية لكي تتعامل مع النفط السوري الخام “سويدي” الذي يشكل معظم الناتج السوري الخام، أما الباقي فهو نفط خفيف حلو. وكان معظمه يذهب، حوالي 150 ألف برميل إلى المانيا وفرنسا وإيطاليا. وينقل من إحدى مصافي النفط الثلاث على البحر المتوسط في بانياس وطرطوس واللاذقية. وكمساعد كانت معظم شركات النفط الدولية تعمل في سوريا بما فيها شركة رويال داتش شيل العملاقة والفرنسية توتال وشركة النفط الصينية ومجموعة النفط والغاز الطبيعي الهندية وشركة سنكور للطاقة الكندية وشركة بتروفاك أند غالفساندس البريطانية وشركة النفط الروسية ناتنفط وشركة الهندسة سترويترانسغاز. وكان قطاع الغاز السوري نشطا مثل قطاع النفط ولم يدمر إلا جزء منه في النزاع الأخير. ولدى سوريا كميات من الغاز ثابتة بـ 8.5 تريليون قدم مكعب.
كانت سوريا دولة منتجة للنفط والغاز بقدرة 400 ألف برميل في اليوم
وفي عام 2010 بلغ إنتاج سوريا اليومي من الغاز الطبيعي الجاف 316 مليار قدم مكعب في اليوم. وبدأ بناء منطقة الغازا الجنوبية المركزية- وبنتها سترويترانسغاز عام 2009. مما زاد من انتاج سوريا للغاز بنسبة 40% مع بداية 2011. ومثلت صادرات الغاز والنفط معا ربع موارد الحكومة السورية، مما جعلها من أهم منتجي الغاز والنفط في منطقة شرق المتوسط. وبعد بداية النزاع المحلي المسلح في تموز/ يوليو 2011 وتحرك تنظيم الدولة من غرب العراق إلى سوريا في أيلول/ سبتمبر 2014 انخفض انتاج الغاز إلى 130 مليار قدم مكعب في اليوم ولكنه تعافى الآن حيث وصل 170 مليار قدم مكعب في اليوم. وفهمت “أويل برايس” من مصادر روسية في صناعة النفط والغاز في موسكو أن المشاريع التي تحدث عنها نائب رئيس الوزراء الأسبوع الماضي هي عبارة مذكرة تفاهم معدلة وقعتها سوريا مع روسيا في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2017 ولا تشمل على 40 مشروع طاقة فقط بل وأكثر. وكبداية سيتم التركيز على توسيع قطاع الطاقة بناء على الخطة الأصلية التي وقعها وزير الكهرباء في حينه محمد زهير خربوطلي ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك. ويغطي الاتفاق عملية إعادة إعمار وتأهيل شاملة المحطة الحرارية في حلب ومنشآت الطاقة في دير الزور وتوسيع قدرات محطات محردة وتشرين بهدف إعادة تفعيل شبكة كهرباء سوريا وإصلاح مراكز التحكم للشبكة حتى دمشق. بالإضافة لهذه الاتفاقيات التصريحات التي تعود إلى كانون الاول/ ديسمبر 2017 وبعد لقاء نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين مع بشار الأسد وقال فيها إن “روسيا هي البلد الوحيد الذي سيلعب دورا في إعادة بناء منشآت الطاقة السورية”. وبالترادف مع هذا، هناك أولوية لمشروع البنية التحتية وهو إصلاح وتقوية وتحديث مصفاة النفط في حمص (وكذا بانياس) التي تضررت في الهجوم في تشرين الأول/ ديسمبر الماضي. وتقود المشروع العملي شركة مابنا الإيرانية وعدد من الشركات الروسية بمرحلة انتاج أولى 140 ألف برميل في اليوم. أما المرحلة الثانية فستكون 240 ألف برميل في اليوم وفي الثالثة 360 ألف برميل في اليوم.
ونقل “أويل برايس” عن مصدر مقرب من وزارة النفط الإيرانية قوله إن “الهدف هو استخدامها لتكرير النفط الإيراني المنقول عبر العراق حالة الحاجة وقبل نقله إلى جنوب أوروبا”. وتهدف روسيا لجعل سوريا ممرا لنقل النفط إلى أوروبا بعد نهاية الحرب. وقال المصدر “في مرحلة التخطيط لما بعد النزاع التي تقوم بها أمريكا وأوروبا وروسيا، سيكون هناك ثلاث خيارات لسوريا على الطاولة”.
تهدف روسيا لجعل سوريا ممرا لنقل النفط إلى أوروبا بعد نهاية الحرب
الخيار الذي تقوده أمريكا وهو نقل الغاز من قطر عبر السعودية إلى الأردن ومن ثم إلى سوريا حيث يتدفق نحو تركيا وبقية أوروبا، مما سيخفف من اعتماد القارة على إمدادات الغاز الروسية.
أما الخيار الذي تفضله أوروبا وتشترك به قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في سوريا فيقوم على إحضار خبراء الطاقة من مجلس الأمن الدولي وترك أنابيب الغاز تتطور مع مرور الوقت، سواء كان خط قطر- سوريا- تركيا أم خط إيران- العراق- سوريا. وسيعطي دول الإتحاد الأوروبي الفرصة لكي تقوم مصادر الطاقة تدريجيا وبالتساوق مع خططها لتخفيف اعتمادها على الغاز الروسي. ومن بين هذه الخيارات، الخيار الروسي هو الباقي على الطاولة ويقوم على إنعاش خط إيران – العراق- سوريا. ونقل الغاز الإيراني ولاحقا الغاز العراقي من حقل غاز الشمال إلى سوريا ومن ثم إلى أوروبا. وقال المصدر الإيراني “سيشجع خيار كهذا على التعاون بين منبر الدول المصدرة للغاز ولكن الكتلة الأمريكية- السعودية والأوربية تعارض هذا الخيار لأن منبر الدول المصدرة للغاز يتكون من 11 دولة في العالم تقود عملية انتاج الغاز (وهي: الجزائر، بوليفيا، مصر، غينيا الإستوائية، إيران، ليبيا، قطر، روسيا، ترينداد أند توباغو وفنزويلا”. وبعيدا عن كون كل من قطر وإيران وروسيا في مركز المنبر إلا أن هناك دولا أخرى مثل ليبيا وفنزويلا في القائمة. وتسيطر المجموعة على 70% من احتياطي الغاز في العالم و38% من أنابيب تجارته و 85% من الغاز الطبيعي المسال مما يجعلها منظمة أوبك للغاز زائد وتمثل تهديدا على أمريكا وأوروبا كما يقول المصدر الإيراني.
القدس العربي