تتسارع وتيرة الأحداث والتكهنات بقرب توقيع السودان اتفاق سلام مع إسرائيل، في ضوء زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح برهان إلى الامارات يومي الأحد والاثنين 20 و21 سبتمبر (أيلول) الحالي للقاء وفد من الإدارة الأميركية كان متواجداً في العاصمة أبو ظبي، لبحث هذا الملف الذي تم ربطه برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
لكن، على الرغم من تباين الآراء حول مسألة التطبيع داخل مكونات الشعب السوداني سياسية كانت أم شعبية، إلا أنه لأول مرة يلتقي الإسلاميون في السودان بتنظيماتهم المختلفة، واليساريون الممثلون في الحزب الشيوعي السوداني، في رفض مبدأ التطبيع على الرغم من اختلافاتهما الفكرية والأيديولوجية والسياسية، ما يثير التساؤل حول آلياتهما لمناهضة هذا القرار في حال حدوثه، وهل سيكون هناك تنسيق بينهما لمنع اعلان اتفاق التطبيع؟
مكاسب سياسية وانتخابية
يقول القيادي بحزب المؤتمر الشعبي، أحد مكونات الحركة الإسلامية في السودان أبو بكر عبد الرازق، “من حيث المبدأ نحن ضد احتلال أي دولة من دول العالم بغض النظر عن دياناتها إذا كانت إسلامية ام مسيحية أم يهودية وغيرها، وإننا في الوقت نفسه مع مبدأ الحريات العامة، وحق تقرير المصير إذا كان ذلك كونفدرالية مع دولة، أو فدرالية في دولة موحدة أو غيره. بمعنى أننا مع حق الدول والشعوب في تقرير مصيرها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، لكن في ما يختص بفلسطين، فإنه طالما تحررت القدس قبل ذلك على يد صلاح الدين الأيوبي بعد 100 عام من الاحتلال، فإن القدس المحتلة الآن منذ 72 عاماً، سيأتي اليوم الذي ستتحرر منه لا محالة”.
أضاف عبد الرزاق لـ “اندبندنت عربية”، “في اعتقادي أن مشاكل السوداني التي يعاني منها خصوصاً في شقها الاقتصادي لا تحل عن طريق التطبيع مع إسرائيل، ففي الواقع لست متفائلاً بما يجري من أحداث متواترة بهذا الشأن، لأن الأمر لا يعدو كونه مسعى لتحقيق مكاسب سياسية للحكومتين الأميركية والإسرائيلية لقربهما من الانتخابات المقبلة، إذ تريدان لافتة للتطبيع مع السودان لكسب مزيد من الأصوات الانتخابية، فالتطبيع بالنسبة للجانبين الأميركي والإسرائيلي مرحلي فقط، لكن تجاهلتا أن التطبيع يكون مع الشعوب وليس مع الحكومات، وأنه لن يكون طوق نجاة لإسرائيل”.
ولفت إلى أن اسرائيل دولة شحيحة الموارد ودخيلة، وأن كل الدول التي طبّعت معها من قبل لم تجد منها مصلحة تذكر مثل المغرب، وموريتانيا، والسنغال، وغانا، وأريتريا، وأثيوبيا، بل بالعكس، أن دولة جنوب السودان التي تقيم معها علاقات واسعة ومتميزة تعتبر دولة فاشلة بكل المقاييس، إذ تعيش حالة من الانهيار التام.
وقال عبد الرازق، “بالنظر إلى ما رشح من أخبار بأن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح برهان طلب 13 مليار دولار مقابل التطبيع مع إسرائيل، فإذا صح ذلك، فإن وجهة نظره صحيحة بأن لا يتم التطبيع من دون مقابل، فهي مسألة بيع وشراء، كما أن السياسة الأميركية تقوم على الأخذ والعطاء، لكن بالنسبة لنا كحزب إسلامي ضد أي خطوة باتجاه التطبيع في كل الأحوال، ونعتقد بأنه لن يعود بخير للبلاد انطلاقاً من التجربة التاريخية، فما يحدث غباء لا يحسد عليه، فإذا تم التطبيع بمقابل، فهذا لوحده لا يكفي لنهضة الاقتصاد السوداني”.
لكن ما هي أدوات مناهضة الحركة الإسلامية في السودان للتطبيع، يجيب أبو بكر عبد الرازق، “سنقاوم بكل السبل المتاحة لمناهضة هذا التوجه، وإذا اكتملت مسألة التطبيع وأصبح أمراً واقعاً، فلكل مقام مقال، وستخضع كيفية مقاومة هذا الأمر لقرار الحزب الذي سيعلنه في وقته، ولا ينفرد به شخص محدد، لكن بشكل عام نحن مع المقاومة الفلسطينية إلى النهاية من أجل نيل حقوق شعبها المشروعة والمسنودة بالقرارات الصادرة من المنظمات الدولية، فضلاً عن اتخاذ كل الوسائل الحضارية المتاحة للتعبير عن مساندتهم للشعب الفلسطيني لينال حقوقه وسيادته على أرضه ومنها القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، كما أنهم يربأون أن تكون بلادهم في مقدم الدول المباركة لانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني بتطبيع العلاقة مع إسرائيل”.
وحول إمكانية تنسيق دورهم مع الحزب الشيوعي في رفض التطبيع مع إسرائيل، يقول “نحن حريصون على توحيد الموقف حتى في ما يختص بمشاكل السودان مع الحزب الشيوعي، وإيجاد موقف موحد، والعمل على استقرار البلاد والمحافظة على مسألة التحول الديمقراطي، كما نثمن موقف الحزب الشيوعي الإيجابي تجاه القضية الفلسطينية، وكذلك موقف القوميين العرب الذي يتوافق مع اللاءات الثلاث التي انطلقت في المؤتمر العربي الذي استضافته الخرطوم عام 1967 وأصدر قراراً بأنه لا تصالح، ولا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل”.
املاءات واشنطن
وفي سياق متصل، يقول عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي السوداني صديق يوسف، “طبعاً إذا اعتقد البعض أن التطبيع مع إسرائيل سيحل كل مشاكل السودان، هذا لن يحصل بتاتاً حسب تجارب سابقة لدول خاضت مثل هذه المسألة، فالأميركيون كانوا يتحدثون معنا عن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من دون ربطه بقضية التطبيع، لكن المسألة أصبحت متعلقة بالانتخابات الأميركية، وعندما جاء وزير خارجية أميركا بومبيو لزيارة السودان في أغسطس (آب) الماضي، عقدنا اجتماعاً كحاضنة سياسية للحكومة الانتقالية مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وتوافقنا على أننا غير مفوضين للبت في مثل هذه القضايا التي تعنى بها حكومة منتخبة من الشعب، وليس تعنى بها حكومة انتقالية ذات مهام محددة، وهذا ما ذكره حمدوك لبومبيو وصرح به الناطق الرسمي للحكومة السودانية وزير الثقافة والاعلام فيصل محمد صالح”..
أضاف يوسف لـ “اندبندنت عربية”، “نحن ضد ضغوط الأميركيين، وهذا قرار يترك لحكومة مفوضة من الشعب السوداني، فإسرائيل قامت كدولة قبل 72 عاماً، وماذا استجد الآن حتى نسرع في عملية التطبيع، وهل سيساعدنا تطبيع العلاقات مع الجانب الإسرائيلي في شيء، وما هو الضمان لمنحنا معونة، فليس هناك منطق أن نستسلم لقرارات واملاءات واشنطن، كما لا يهمنا أن يفوز ترمب بدورة انتخابية ثانية أم غيره، فهذا أمر يخص الشعب الأميركي وحده”، لافتاً إلى أنهم لم يطلعوا على نتائج زيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح برهان للإمارات الأسبوع الماضي، إذا كان بالفعل تطرق لموضوع التطبيع أم لا.
لكن ما الموقف الذي سيتخذه الحزب الشيوعي في حال اعلان التطبيع بين الجانبين السوداني والإسرائيلي؟، قال يوسف “إذا حصل التطبيع يكون هذا فعل تآمر، ويعني أنه تم تضليلنا كحاضنة سياسية، لكن سيكون موقفنا كحزب شيوعي واضح برفضنا أي اتجاه أو قرار للتطبيع مع الإسرائيليين، لأننا لا نساوم في مواقفنا ومبادئنا السياسية مهما كان الثمن، أما مناهضتنا لهذا الاتفاق فستستخدم طرق مختلفة من دون الخوض في تفاصيلها”.
سجال بين المؤيدين والمعارضين
ويسيطر موضوع التطبيع مع إسرائيل على المشهد السياسي والاجتماعي في السودان، إذ لا يخلو منتدى أو نقاش في الشارع السوداني من تناول هذه القضية بشكل علني، من دون أي تحفظات تذكر كما كان يحدث في الماضي القريب، وليس أدل على ذلك ما شهده المؤتمر الاقتصادي القومي الأول الذي ينعقد في الخرطوم حالياً، لمناقشة الأزمة الاقتصادية والحلول الناجعة لها، حيث شهد المؤتمر سجالاً بين المؤيدين للتطبيع والرافضين له في المداخلات التي أعقبت ورقة رئيس الوزراء السوداني عبد الله التي قدمها بعنوان “الرؤى، التحديات، وأولويات التنمية لحكومة الفترة الانتقالية” نحو دولة وطنية ديمقراطية مستدامة وفق مشروع نهضوي متكامل.
ويأتي ذلك في ظل ظهور كيانات شعبية عدة تؤيد هذا التوجه انطلاقاً من أن ابرام اتفاق مع الجانب الإسرائيلي من شأنه خدمة مصالح السودان العليا، وينهي عزلته الخارجية مع المجتمع الدولي، بل يعيده أكثر قوة إلى الأسرة الدولية، لا سيما وأن الشعب السوداني ممثلاً في فئاته الشابة تمكّن من الإطاحة بأكثر الأنظمة التي كانت تهدد الأمن والسلم القوميين في العالم.
نتائج المباحثات
ويترقب الشارع السوداني بتلهف نتائج المباحثات التي أجراها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، برفقة وزير العدل نصرالدين عبد الباري، في الامارات على أجهزة الحكم الانتقالي في البلاد، لمناقشتها والوصول إلى رؤية موحدة تحقق مصالح الشعب السوداني، وبحسب البيان الصادر عن مجلس السيادة السوداني، فإن لقاء أبو ظبي تطرق إلى قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعملية السلام في إقليم دارفور، ومستقبل السلام العربي الإسرائيلي، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وفقاً لرؤية حل الدولتين ودور السودان في ذلك.
وكان عبد الفتاح البرهان قد التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مدينة عنتيبي الأوغندية، مطلع فبراير (شباط) الماضي، ووصف اللقاء بأنه “تاريخي” في مسار العلاقات بين البلدين، غير أن الناطق الرسمي باسم الحكومة الانتقالية في السودان نفى وقتها، علم مجلس الوزراء باللقاء.
ونفت وزيرة الخارجية السودانية السابقة علمها المسبق باللقاء ايضاً، واعتبر قياديون في قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، أن ذلك اللقاء غير مقبول ويخالف نصوص الوثيقة الدستورية ولا يحقق عائداً إيجابياً للسودان.
محمد علي
اندبندت عربي