في أمريكا، حيث نشأت خلال عهد رونالد ريجان، كانت الحروب الصغيرة بالوكالة التي خاضتها الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي مقالات رئيسة معتادة في نسخ صحيفة “بوسطن جلوب” التي كنت أوزعها كل صباح. كانت الصفحة الأولى تحمل أخبارا مأساوية من أفغانستان في يوم، ومن السلفادور أو نيكاراجوا في اليوم التالي.
فازت الولايات المتحدة في تلك المنافسة عندما تفكك الاتحاد السوفياتي في أوائل التسعينيات، ومر ما يقارب 30 عاما قبل أن تقرر الطبقة السياسية في واشنطن أن لديها منافسا جيوسياسيا آخر ذا أبعاد سوفياتية، الصين في عهد الرئيس شي جينبينج. لكن الآن الحروب بالوكالة بين القوتين العظميين الحاكمتين تدور رحاها حول الشركات، وليس الدول العميلة، وتحوز الصين صدارة مبكرة.
سلط الخلاف حول “تيك توك” الضوء حول مباريات الشطرنج التي تخوضها الشركات وانخرط فيها شي ونظيره الأمريكي، دونالد ترمب، لأكثر من عامين حتى الآن.
لا يبدو أن ترمب يتخذ قرارا بشأن ما إذا كان سيوافق على صفقة تسمح لشركة “بايت دانس”، الشركة الأم لتطبيق الفيديو ومقرها بكين، بالحفاظ على السيطرة على أغلبية عمليات تيك توك في الولايات المتحدة – وإن كان ذلك مع بعض الضمانات للحفاظ على أن تكون بيانات المستخدم الأمريكي في الداخل. من ناحية أخرى، حافظت إدارة الرئيس الصيني على الصمت الصارم بشأن ما ستقبله في نهاية الأمر.
في هذا الصدد، يذكرنا هذا الخلاف بأول حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة والصين في ربيع 2018 حول “زد تي إي” ZTE، شركة الاتصالات الصينية وشركة كوالكوم الأمريكية العملاقة لأشباه الموصلات. في ذلك الوقت تقلب رأي ترمب أيضا بينما حافظ شي على هدوئه وانتصر في النهاية.
تم ضبط شركة زد تي إي وهي تنتهك بشكل صارخ ضوابط التصدير الأمريكية على الشحنات إلى إيران، وانتهكت أيضا اتفاقية تسوية وقعتها مع وزارة التجارة لحل المسألة. لذلك أصدر ويلبر روس، وزير التجارة، أمرا يمنع شركات التكنولوجيا الأمريكية من بيع مكونات لشركة زد تي إي – وكان ذلك في الواقع حكما بالإعدام على الشركة. شي، لأسباب تشمل الفخر الوطني وإنقاذ آلاف الوظائف، كان بحاجة إلى عكس هذا القرار.
في الوقت نفسه، ترمب كان بحاجة إلى شيئين من شي: صفقة تجارية ضخمة وموافقة الجهات التنظيمية الصينية على استحواذ كوالكوم المقترح على “إن إكس بي” مقابل 44 مليار دولار، وهي شركة مقرها هولندا – طلب ذلك لأن الشركتين تمارسان أعمالا مهمة في الصين.
ترمب أعطى شي ما يريده فيما يخص زد تي إي – إعفاء مؤقت في شكل تسوية من وزارة التجارة الأمريكية سمحت للشركة بالاستمرار في العمل – وافترض بشكل خاطئ أن هذا التنازل سيسهل الأمور الأخرى. أخذت الصين الهدية بسرعة لكنها استمرت في الامتناع عن الموافقة على صفقة كوالكوم – إن إكس بي.
عندما بدأت المحادثات التجارية تتعثر لاحقا، جعل شي صفقة كوالكوم – إن إكس بي تعاني مشكلات تنظيمية، قادتها في نهاية المطاف إلى الموت.
أطلق ترمب سراح رهينة في وقت مبكر جدا. كان يجب عليه ربط إعفاء شركة زد تي إي بموافقة متزامنة على صفقة كوالكوم – إن إكس بي – وهو تبادل متساو على الأقل – ثم حول تركيزه مرة أخرى إلى المحادثات التجارية.
بينما كان من الواضح أن شي تفوق على ترمب في ذلك الوقت، لم يتضح بعد من الذي سينتصر في حربهما الثانية بالوكالة عبر الشركات الكبرى، التي تم إطلاق الطلقة الأولى فيها بعد عام من المساومات حول زد تي إي وكوالكوم.
مرة أخرى، كانت ورقة المساومة شركة اتصالات صينية – هواوي منافسة زد تي إي – ومرة أخرى كان نفاد الصبر المتعلق بالمحادثات التجارية هو الذي أثار ترمب.
غاضبا من “تراجع” شي عن صفقة تجارية شبه كاملة في ربيع 2019، وضع ترمب شركة هواوي على “قائمة كيانات” هددت إمكانية وصول الشركة الصينية إلى مكونات أمريكية بالغة الأهمية.
سلسلة من الإعفاءات أكسبت هواوي شيئا من الوقت وأبرم ترمب وشي أخيرا “المرحلة 1” من اتفاقهما التجاري في كانون الثاني (يناير). لكن مع أن الاتفاق وآفاق إعادة انتخاب ترمب قد طغت عليهما جائحة فيروس كورونا الذي انطلق من وسط الصين، شدد الرئيس الأمريكي الخناق على هواوي. وباتت استمرارية الشركة الآن أمرا مشكوكا فيه.
من المفارقات، أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ شركة هواوي هو فوز ترمب على المنافس الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر). إذا خسر، سيحرص بالتأكيد قبل مغادرته المنصب على أن يعمل ما في وسعه لزيادة الضغط على هواوي، وهي شركة أكثر أهمية بكثير في نظر بكين من تيك توك. في المقابل، لن يكون لدى بايدن حافز كبير لمنح شي هدية أخرى بحجم زد تي إي في بداية إدارته.
لكن إذا فاز، يمكن أن يكون ترمب رحيما تجاه هواوي، مع التركيز على إبقاء المحادثات التجارية على المسار الصحيح والمساعدة على إصلاح الاقتصاد الأمريكي المتضرر من الجائحة.
صحيفة الاقتصادية