تيك توك.. حلبة صراع تكنولوجي تعمق ترنح الاقتصاد العالمي

تيك توك.. حلبة صراع تكنولوجي تعمق ترنح الاقتصاد العالمي

تطرح تبريرات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحظر تيك توك وويتشات الصينيتين في الولايات المتحدة تساؤلات حول خلفيات هذه الحملة في ظل تشكيك الصين وخبراء في التكنولوجيا في مخاوف ترامب على الأمن القومي في وقت يزيد فيه هذا الصراع من ترنح الاقتصاد العالمي.

تونس – تسود الشكوك حول خلفيات الحملة التي يشنها ترامب ضد تيك توك بسعيه لإرغام شركة بايت دانس على بيع التطبيق قسرا حيث تعتبر الصين ذلك سطوا وسرقة وحملة انتخابية في حين يرى خبراء أن ذلك لهيب مستعر من ألسنة نيران الحرب التجارية التي لم تخمدها ضغوط كورونا.

تسعى الشركة المالكة لتطبيق تيك توك لدى محكمة فيدرالية لمنع الرئيس دونالد ترامب من حظر تطبيق الفيديوهات القصيرة معتبرة أن الدوافع لتلك الخطوة تتعلق بسياسات انتخابية أكثر منها بالمخاوف المشروعة على الأمن القومي.

والتطبيق المملوك لشركة دانس بايت الصينية، والرائج جدا في الولايات المتحدة، يتعرض لهجوم وسط تصاعد التوتر بين بكين وواشنطن، فيما هدد ترامب بحظره ما لم يتم بيعه لشركة أميركية.

وعرض المحامون دفاعهم الخميس أمام قاض فيما سيتم اتخاذ قرار حول مسألة تعليق أوامر ترامب إلى حين إغلاق ملف دعوى الحظر.

وبالإشارة إلى “تصريحات مربكة ومتناقضة حول تيك توك” من جانب الرئيس ووكالات أخرى، يعتبر طلب صدور أمر قضائي أولي أن الحظر ليس بدافع “مخاوف أمنية حقيقية، بل بالأحرى لاعتبارات سياسية تتعلق بالانتخابات العامة المرتقبة”.

وتيك توك الذي أصبح ظاهرة عالمية لخدمة تسجيلات الفيديو القصيرة لديه قرابة 100 مليون مستخدم في الولايات المتحدة.

فيسبوك وأبل وغوغل ثبت بالكاشف أنها تخزن البيانات وتبيعها والأخطر من ذلك أنها باتت تؤثر في الانتخابات الأميركية

وبات اتفاق لإعادة هيكلة ملكية التطبيق في مهب الريح منذ الاثنين عندما تعهد ترامب منع اتفاق يسمح للشركة الصينية الأم بايت دانس بالاحتفاظ بسيطرة ما على التطبيق.

وكان تطبيق تيك توك قد أكد أنه سينشئ مجموعة جديدة تضمّ شركة أوراكل لتكون المزود التقني له في الولايات المتحدة وشركة وولمارت لتكون الشريك التجاري. وستكون المجموعة باسم “تيك توك غلوبل”.

وتفاقم تلك التصريحات الغموض حول مستقبل التطبيق. وأعلنت بايت دانس في وقت سابق أن تيك توك غلوبل تعتزم إطلاق “جولة تمويل صغيرة قبل الطرح للاكتتاب العام” تصبح بعده مالكة له بنسبة 80 في المئة.

لكن ترامب قال لشبكة فوكس نيوز إن الشركة الصينية الأم لتيك توك “لن تكون لها علاقة بذلك”.

وأكد أن “هناك شراكة” بين شركتي أوراكل وولمارت بشأن تيك توك و”ستشتريان” التطبيق وستكون “لهما السيطرة الكاملة عليه … ستمتلكان غالبية” الأسهم.

وتيك توك مهدد منذ أسابيع بالحظر في الولايات المتحدة التي تتهم الشركة المالكة للتطبيق بالتجسس لصالح بكين من دون تقديم أي دليل.

وقال الصحافي التونسي المختص في تكنولوجيا الاتصال محمد علي سويسي خلال مقابلة خاصة مع “الـعرب” إن “كل المؤشرات تؤكد أن بايت دانس ستخضع للضغوط الأميركية. لكنها لن تتخلى نهائيا عن خدمة تيك توك”. وأضاف “شركة بايت دانس وافقت على صفقة جديدة بمقتضاها ستشتري كلّ من أوراكل ووالمارت أسهما في رأس مال تيك توك وحسب المعلومات الأولية فإن نسبة مشاركة الشركتين في رأس مال بايت دانس لن تتجاوز نحو 20 في المئة”.

وأشار إلى أن “الشركتين تؤكدان بأن بايت دانس لن تكون لها الأغلبية في رأس مال تيك توك حيث أن بايت دانس قررت التنازل نوعا ما لإنقاذ نشاط تيك توك في الولايات المتحدة”.

وفي ما يتعلق بالشروط المجحفة التي وضعتها إدارة ترامب لتقويض سيطرة بايت دانس على التطبيق أكد الخبير المختص في تكنولوجيا الاتصال أن “بكين بعد التزامها الصمت قررت أن ترد الفعل، وردة الفعل الأولى هي الإعلان عن رفضها لهذه الصفقة التي وصفتها بالاستيلاء القسري على أساس التخويف والابتزاز وهي تخير إغلاق التطبيق على إتمام صفقة بيعه”.

وأوضح “الصين اتهمت الولايات المتحدة بأنها تستعمل ذريعة التهديدات الأمنية للاستيلاء على شركة تدر أموالا كثيرة خاصة في الولايات المتحدة التي تعتبر مصدر الدخل الثاني بالنسبة لعائدات الإعلانات لتيك توك بعد الصين. دون أن ننسى أن الصين حددت منذ نهاية الشهر الماضي صادرات التكنولوجيا حتى تعطل الصفقة”.

هاجس اقتصادي
اعتبرت الصين أن الحملة على تيك توك قوّضت قواعد ونظام التجارة الدولية. مشيرة إلى أن تيك توك “هي شركة تجارية بحتة؛ واستخدام السلطة الوطنية من قبل الولايات المتحدة

لتطويقها وقمعها زعزع بشكل خطير عملية إرساء القواعد الاقتصادية والتجارية العالمية”.

ويرى خبراء أن الصين بدأت تترنح أمام حملة ترامب غير أنها لم تفقد بعد فرص المناورة، وفي هذا السياق يقول محمد علي السويسي إن “بكين لم تفقد فرص المناورة بل ما زالت تمتلك نقاط ضغط مهمة أبرزها أهمية السوق الصينية للشركات الأميركية إذ يؤكد بعض المختصين أنه في صورة ما تم حظر تيك توك وويتشات في الولايات المتحدة فإن مبيعات أيفون ستتراجع بين 4 و6 في المئة”.

وأضاف “أما إذا تم الحظر على المستوى العالمي فإن هذه النسبة ستصل إلى 30 في المئة نظرا لأن نقطة القوة الثانية هي الحضور القوي لهذه الخدمات في أسواق أخرى مثل أوروبا والشرق الأوسط وآسيا”.

ورغم النزيف الذي سببته جائحة كورونا للاقتصاد العالمي لم يكبح ذلك ترامب على ممارسة ضغوط تجارية على بكين عبر العقوبات ما زاد حسب تقارير دولية في بطء الاقتصاد العالمي.

وسبق واعتبر خبراء أن سياسة واشنطن في خلق جدران من الحظر والقمع والعقوبات والتهديدات أدت إلى زيادة الآثار السلبية التي يعاني منها الاقتصاد في العالم.

وقالت الحكومة الصينية إن “استخدام سلطة الدولة بشكل متكرر لقمع هذه الشركة الخاصة دون أي مبرر مناسب، رغم الاحتجاجات الواسعة من العديد من مستخدمي تيك توك ومخاوف مراقبي الصناعة، فقد كشفت واشنطن عن نيتها الحقيقية وهي تنفيذ سرقة في وضح النهار”.

وفندت الصين اتهامات ترامب بأن المنصة تتجسس لصالح السلطات حيث قالت إن “ما تسميه إدارة ترامب مخاوف الأمن القومي ليست سوى ورقة توت. مؤكدة أن الخبراء، الذين فحصوا رمز تيك توك وسياساتها المتعلقة بالخصوصية، أنهما لا يختلفان كثيرا عن منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، بما في ذلك فيسبوك. وذكرت بيزنس إنسايدر ووسائل إعلام أخرى أن ساسة أميركيين اتهموا تيك توك مرارا بسرقة معلومات المواطنين وتهديد الأمن القومي، لكنهم لم يعثروا على أي دليل. وخلصت لويز ماتساكيس، مراسلة مجلة وايرد، إلى أن “ممارسات جمع البيانات في تيك توك ليست فريدة بشكل خاص بالنسبة لعمل تجاري قائم على الإعلانات”.

وصرح مسؤول بالحكومة الألمانية لبلومبرغ بأن البلاد لم تر أي علامات على أن التطبيق يشكل خطرا على الأمن القومي. علاوة على ذلك، رفض الاتحاد الأوروبي اعتبار تيك توك تهديدا للأمن القومي.

التجسس محض ذريعة

يرى سويسي أن “شركة بايت دانس أكدت منذ بداية الأزمة أن معطيات المستخدمين من الولايات الولايات المتحدة تخزن في الولايات المتحدة ولا وجود لأي نقل أو تخزين في الصين. مشيرا إلى أن الملفت للانتباه هو أن الولايات المتحدة الأميركية لم تقدم أي دليل على اتهاماتها وهو نفس الشيء بالنسبة لشركة هواوي”.

وشدد سويسي على أن “سياسة ترامب تندرج في سياق حرب تجارية بالأساس خاصة وأن الشركات الصينية أثبتت أن لديها قدرة قوية على البحث والتطوير والإنتاج”.

ولفت إلى أن “شركة هواوي الصينية لم تتأثر كثيرا من ضغوط ترامب على تيك توك لكنها تعيش بعض الصعوبات في الحصول على بعض المكونات الأساسية لصناعة الهواتف الذكية. وهي تركز جهودها على تطوير نظام التشغيل الخاص بها حتى تتخطى أندرويد وحلول شركة غوغل”.

وتكافح هواوي حظر مبيعات الشرائح. ما جعلها تقف عاجزة عن صنع شرائح الكيرين التي تستخدمها في هواتفها وألواحها وتعتمد هذه الشرائح على تقنيات أي.أر.أم وهي شركة بريطانية أصبحت اليوم أميركية بعد أن استولت عليها شركة نيفيديا.

ويعاضد الخبير سويسي فكرة أن هواجس ترامب هي تجارية واقتصادية بالأساس مبينا أن “الولايات المتحدة تعمل على حماية شركاتها ضمان أسبقيتها وبالخصوص غوغل وأبل ومايكروسوفت وفيسبوك وغيرها من الشركات التكنولوجية الكبرى”.

وفي محاولة لمنافسة خدمات تيك توك سبق وأطلق إنستغرام ميزة ريلز وهي تحاكي خدمات تيك توك في تصوير ومشاركة الفيديوهات القصيرة كما أطلق يوتيوب شورتس وهي نسخ مطابقة للأصل لتيك توك.

وحسب الخبير “الحرب التكنولوجية ليست إلا فصلا من فصول الحرب التجارية والأمن والخصوصية محض وسيلة يدخل منها ترامب لمحاولة التضييق على شركات أثبتت أنها قادرة على منافسة الشركات الأميركية في الولايات المتحدة وخارجها وأثبتت أيضا أنها قادرة على در الملايين من الدولارات في الولايات المتحدة الأميركية.

وتابع “كل المؤشرات كانت تقول إن شركة هواوي ستصبح المصنع رقم واحد للهواتف الذكية في نهاية 2020”.

كما كشف أن شركة هواوي بدورها تعلقت بها شبهات ضربت سمعتها قائلا “للصين فضائح بالنسبة للتعامل مع المعطيات الشخصية لمستحدميها. فشركة هواوي لديها قضية تعود إلى العام 2004 حين تم إثبات تهمة التجسس على المعطيات الشخصية في الولايات المتحدة”.

وكانت صحيفة لوموند الفرنسية قد كشفت منذ سنوات قيام هواوي بنقل كل المعطيات المخزنة في مراكز تخزين وضعتها في القارة الأفريقية إلى الصين.

اختراق أبل وغوغل للخصوصية

أوضح الخبير سويسي في هذا الإطار أن “هذه القضايا والاتهامات القديمة كانت بوابة ترامب ليستند عليها لشرعنة حملته ضد الصين وعرقلة تقدم شركاتها في الولايات المتحدة وفي العالم”.

وشدد أن “تهم اختراق الأمن القومي تحتاج إلى إثباتات وأدلة لافتا إلى أنه حتى لو صحت هذه الاتهامات فإن البيانات الشخصية للمستخدمين لن تفوق تلك التي تصل إلى واشنطن عن طريق فيسبوك وغوغل وأبل وغيرها”.

وأشار إلى أن “هذه الشركات ثبت بالكاشف أنها تخزن المعطيات الشخصية وتبيعها بل الأخطر من ذلك باتت تؤثر في الانتخابات وتؤثر في سلوك المجتمع وغيرها من المخاطر التي نعيشها اليوم مع وسائل التواصل الاجتماعي”.

وشدد أنه “إذا صحت المقاربة الأميركية فإن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الصينية معرضة حتما لنفس التأثير الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي الأميركية”.

من جانبه قال أنيش شوبرا، الذي شغل منصب أول كبير مسؤولي التكنولوجيا في الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، في رسالة بعث بها بالبريد الإلكتروني إلى إن.بي.سي نيوز “أعتقد أنه في أي وقت تقوم فيه دولة قومية بإصدار حكم يمكن أو لا يمكن بموجبه تشغيل تطبيقات ‘في الدولة’ فإنها حينذاك توفر ‘غطاء جويا’ للدول لفرض ما يمكن أن أصفه بالحواجز التجارية ‘غير الجمركية’”.

وأضاف “من دون توافر بيئة عادلة ومستقرة، ستكون جميع الشركات متعددة الجنسيات، بما في ذلك الشركات الأميركية، في خطر. فقد تفيد حملة واشنطن العشوائية على تيك توك منافساتها الأميركية مثل فيسبوك على المدى القصير، لكن مثل هذا السلوك على المدى الطويل سيفضي حتما إلى تقويض المناخ العالمي على حساب جميع المستثمرين”.

وقالت وزارة التجارة الصينية السبت في بيان نشرته عبر الإنترنت “إذا استمرت الولايات المتحدة في التصرف حسب هواها، فإن الصين ستتخذ تدابير ضرورية لحماية الحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية بحزم”.

وأضافت “لقد حان الوقت لأن ترى البلدان الأخرى حقيقة المهزلة الفاضحة لمسرحية تيك توك، وتعرف ما الشيء الذي يتعرض فعلا للخطر، وتتكاتف في معارضة مثل هذه السرقات الصارخة وفي الحفاظ على بيئة أعمال عالمية عادلة”.

 

العرب