إغلاق السفارة الأمريكية مقدمة لانهيار عراقي وشيك

إغلاق السفارة الأمريكية مقدمة لانهيار عراقي وشيك

في تطور غير مسبوق أثار قلق الاوساط الحكومية، شهدت ليلة أمس هجوما صاروخيا أستهدف مطار أربيل الدولي والقاعدة العسكرية للقوات الامريكية في المدينة.

وأفاد بيان وزارة الداخلية لحكومة إقليم كوردستان بان الصواريخ انطلقت من مناطق سهل نينوى. ويأتي الهجوم الجديد بعد سلسلة الاستهدافات الممنهجة للمنشآت العسكرية والدبلوماسية للولايات المتحدة الامريكية في العراق.

وكان رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي قد تلقى مكالمة هاتفية من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أشار فيها الى أن قرارهم هو غلق السفارة الامريكية في بغداد في حال لم تستجب الحكومة العراقية لمطالب أمريكا بتأمين الأمن الكافي للبعثة الدبلوماسية الامريكية في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد وتأمين مطار بغداد الدولي ومحيطه، والعمل على وقف الهجمات الصاروخية شبه اليومي.

الى ذلك أثار عزم الادارة الأمريكية على غلق السفارة قلق المراقبين والسياسيين على حد سواء وذلك لأنه كان سريعا ومباغتا، لكن هناك بوادر كثيرة ما قبل هذا القرار، وأعطت الإدارة الامريكية سلسلة من التحذيرات والاشارات قبل اتخاذ قرار نهائي حول وجودها في العراق، إلا أن العراقيين لم يعيروا أهمية لتلك التحذيرات. فمضت الادارة الأمريكية الى تنفيذ تدابير دفاعية وهجومية، فكان اولها غلق القنصلية في البصرة في أيلول 2018، تلاه قرار وزير الخارجية بتقليص اعداد الموظفين العاملين في العراق في أيار 2019، وكذلك الانسحاب من القواعد المتقدمة تدريجيا في 2019 و2020 وكان آخرها إخلاء القاعدة العسكرية في التاجي.

فيما عمدت واشنطن الى إتخاذ إجراءات هجومية من بينها استهداف مقرات كتائب حزب الله في القائم بقصف صاروخي في 29 كانون الأول 2019 تبعته عملية اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في 3 كانون الثاني 2020.

وسط هذه التطورات المتلاحقة كان السؤال الجوهري الذي يدور في ذهن الأمريكان، الى متى يمكن الاستمرار بهذا الوضع؟ فمارسوا الضغط على الحكومة العراقية لاتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من التهديدات، لكن الحكومة العراقية وحتى اللحظة لم تتمكن من إيقافها، وانما حصل العكس، حيث تصاعدت اعداد وحِدة الهجمات في الآونة الأخيرة بشكل لافت. وتؤكد بعض المصادر المطلعة ان الامريكان حصلوا على معلومات استخباراتية تفيد بأن هجوما وشيكا ستتعرض له السفارة خلال الأسابيع المقبلة مشابه لما حصل في كانون الأول 2019، لذلك جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب واوصله وزير الخارجية مايك بومبيو الى رئيس مجلس الوزراء.

خارطة طريق الانسحاب

تؤكد المعلومات الواردة من مصادر مطلعة بأن “عملية الغلق” بدأت فعلا برسم خارطة طريق وإعداد “خطة عمل”، وهذه الخطة بحاجة الى اتخاذ قرارات والاجابة على جملة تساؤلات من بينها هل يكون الغلق مؤقتاً ام دائماً؟ هل سيتم نقل جميع الممتلكات او الإبقاء عليها خلف أبواب موصدة؟ هل ستُسَلَم منشآت السفارة الى الجانب العراقي ام الى احدى البعثات الأجنبية المتواجدة؟ هل يكون الاخلاء براً ام جواً؟ وغيرها من التساؤلات التي تحدد نوعية وآلية شكل الانسحاب وهذا ما سيتم عرضه على المسؤولين لاتخاذ القرار المناسب بصدده ومن ثم المضي بعملية الاخلاء والتي تستغرق بين 60 الى 90 يوماً.

المصادر ذاتها اكدت بأنه من السابق لأوانه الحديث عن بقاء القنصلية في أربيل من عدمه، لقد اعطى الجانب الأمريكي إشارات واضحة للقيادات السياسية وخصوصا الكوردية منها بأنه ينوي الإبقاء على عمل القنصلية في أربيل، علما بأن العمل جار على قدم وساق لإكمال منشآت القنصلية، ولكن هذا البقاء مقترن ببقاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وموافقة بغداد. بمعنى اخر، ان خططهم للانسحاب هي “عمل قيد التنفيذ” وسوف يقرر لاحقا ما يجب عمله بحسب المعطيات على الأرض.

الساسة العراقيون لازالوا يعتقدون ان القرار الأمريكي لا يعدوا عن كونه “تكتيكا سياسيا” او “عامل ضغط” على الحكومة العراقية وانهم اي الامريكان “ليسوا جادين” في قرار الاغلاق كون “العراق له مكانة استراتيجية” وله أهمية بالغة للسياسة الامريكية في المنطقة. الفاعل السياسي العراقي والحاكم الشيعي منه على وجه خاص، مازال يتجاهل جدية التحذيرات الأمريكية، ولا يدرك حقيقة عزم الادارة الامريكية على المضي في تنفيذ التدابير الدفاعية والهجومية في حال استمرار الهجمات دون ردع من الحكومة علما ان غلق السفارة يندرج ضمن التدابير الدفاعية.

وقد يكون منبع هذا التفكير من القادة العراقيين لما يرونه من ردود أفعال أمريكية وغير أمريكية منها موقف دول أوروبا الرافضة للانسحاب الأمريكي او الرسالة التي كتبها سيناتوران امريكيان من الحزبين الرئيسيين واللذين طالبا بعدم اغلاق السفارة كونه “يضر بالعلاقة بين البلدين” ويعترف المسؤولين بان انسحابهم فيه خسارة جسيمة لهم ولكنهم في نفس الوقت يعتقدون بان هذه الخسارة اهون من البقاء وانتظار تكرار سيناريو بنغازي عام 2012 او طهران عام 1979.

القلق من الانهيار

يتفق المراقبون بان العراق قبل غلق السفارة الامريكية ليس كما بعده، وان العملية السياسية ستدخل في ازمة خانقة، وقد كتبنا في مقال سابق عن تداعيات الانسحاب، ولكن يكفي هنا ان نقول بأن الحكومة ستكون تحت ضغط هائل داخليا وخارجيا من اجل حماية البعثات الدبلوماسية والسيطرة على السلاح المنفلت والموجه صوب المنطقة الخضراء على وجه التحديد. وقد التقى مبعوثين يمثلون 28 دولة مع رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم 30 أيلول الماضي واصدروا بيانا اعربوا فيه عن قلقهم البالغ “إزاء ارتفاع اعداد وتطور الهجمات ضد المؤسسات الدبلوماسية في العراق” وطالبوا الحكومة بتعزيز الإجراءات “لمعالجة المخاوف” و”تعزيز الامن في بغداد” ومطار بغداد الدولي.

وهناك تكهنات كثيرة حول ما سيكون عليه المستقبل السياسي والوضع الراهن بشكل عام، وهناك من يعتقد بان الجانب الأمريكي سوف يسعى لتوثيق علاقاته مع القوى السياسية السنية والكوردية وابرام صفقات سياسية وامنية معهما، لحماية مناطقهم فيما ستطال مناطق الوسط والجنوب موجة من الاقتتال الداخلي سواء بين الجماعات المسلحة ذاتها من جانب، او بينها وبين القوات النظامية مع استمرار حركة الاحتجاج والتظاهرات الجارية في وسط وجنوب العراق.

ويرجحون حدوث ذلك لسببين رئيسيين، أولهما إنتشار السلاح المنفلت بين فصائل عديدة وبعضها غير نظامي ولا ينتمي للحشد الشعبي ولا للحكومة، وثانيهما هو الانهيار الاقتصادي المتوقع حيث ان الدولة العراقية عليها دفع ما يقارب 7 مليار دولار شهريا رواتب للموظفين والمتقاعدين، في حين ان الدخل الحالي لا يتعدى نصف هذا المبلغ، ومن المتوقع ان يصاب الاقتصاد بركود غير مسبوق وستضطر الحكومة الى تعويم الدينار، وبالتالي فقدان قيمته الشرائية وزيادة التضخم وغلاء الأسعار، وهذا بدوره سيفاقم الوضع المعيشي في البلاد ويزيد من معدلات الفقر، وتزداد الحاجة الى شمول المزيد من العاطلين بقانون الرعاية الاجتماعية.

ويعتقد المراقبون بان تفاعل السلاح مع الانهيار الاقتصادي سوف يخلق الفوضى وتصاعد حمى الاستحواذ على مصادر الموارد المتاحة لغرض بسط السيطرة وتوسيع مناطق النفوذ، والذي سيؤدي بدوره الى الاقتتال بين المجاميع المسلحة.

وهناك من يعتقد بان أمريكا سوف تدير ظهرها للعراق وتحسبه على الجانب الإيراني وتشمله بالعقوبات الاقتصادية وبالتالي إيقاف تدفق الدولار مما سيضع العراق امام وضع صعب جدا والذي قد يفضي الى انهيار العملية السياسية برمتها، كون الحكومة ستكون عاجزة تماما عن دفع الرواتب والنفقات التشغيلية للدولة بشكل او بأخر، اما على الصعيد العسكري فلا يستبعد المراقبون ان تقوم أمريكا بضرب المقرات والقواعد العسكرية التابعة للفصائل المسلحة لتحجيم الاثار المترتبة على تهديد المصالح الامريكية.

الإجراءات الحكومية

وزير الخارجية فؤاد حسين من جانبه أعلن في مؤتمر صحفي في 30 ايلول بأن الحكومة “اتخذت الاجراءات لحماية البعثات الدبلوماسية” بدون إعطاء التفاصيل حول نوعية الإجراءات، ويرى مراقبون بان تغيير قائد الفرقة الخاصة المكلفة بحماية المنطقة الخضراء خطوة في الطريق الصحيح. فيما صرح الناطق الرسمي باسم رئيس مجلس الوزراء احمد ملا طلال بأن “القوات الأمنية ألقت القبض على عدد من مطلقي الصواريخ… وتم توقيف 19 ضابطاً ومسؤولاً أمنياً أطلقت الصواريخ من قواطع مسؤوليتهم سابقاً” والذي جاء على خلفية استهداف محيط مطار بغداد يوم 28 أيلول وراح ضحيته 5 من المدنيين بينهم أطفال ونساء في منطقة الرضوانية.

وفيما وسعت الحكومة دائرة اتصالاتها مع الدول المجاورة والصديقة للتوسط لدى أمريكا كي تتراجع عن قرارها بالمغادرة، وسوف تزداد وتيرة الوساطات في المستقبل القريب ويبدو ان هذه المحاولات قد تأتي بنوع من الثمار حيث ان حدة لغة التهديدات الامريكية حيال الاغلاق بدأت شيئاً فشيئاً، بالرغم من ان الامريكان مصرين على المعالجة الحاسمة.

لا شك ان الوضع السياسي والاقتصادي والأمني يتجه نحو انحدار خطير وتزداد خطورته يوما بعد اخر في ضل عدم وجود إجراءات حكومية فورية لمعالجة الازمات القائمة، كذلك ان الازمة الدبلوماسية الحالية ستُعقِد المشهد اكثر من ذي قبل، ولا يستبعد المراقبون انهيار العملية السياسية الحالية، والتي قد تعقبها فوضى دامية في وسط وجنوب العراق. لذا يجب على عقلاء القوم وخصوصا القيادات الشيعية الفاعلة بان تعمل معا لتدارك الامر وإيجاد الحلول السريعة لمنع الانهيار والا فأنها ستكون أول من يدفع الثمن لأي إنهيار محتمل. والحكومة العراقية مطالبة بإيجاد السبل الكفيلة والناجعة بالتعامل مع مايجري بوجود الامريكان او بعدمه.

فرهارد علاء الدين

رووداو